بثينة قروري: ورش مراجعة مدونة الأسرة تعبير عن إرادة ملكية في مقاربة تشاركية مؤطرة بالثوابت الدينية والوطنية
أوضحت الدكتورة بثينة قروري رئيسة منتدى الزهراء للمرأة المغربية أهم التعديلات التي تقدم بها المنتدى للهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة، ونبهت في حوار مع موقع “الإصلاح” إلى أن الإطار المرجعي الذي سطرته التوجيهات الملكية للمراجعة؛ إطار حاكم وناظم، وأن مؤسسة إمارة المؤمنين تلعب دورا مهما جدا في الحفاظ على هوية وخصوصية المجتمع المغربي.
و بخصوص مايثار من ضغوطات دولية محتملة بشأن ورش مراجعة مدونة الأسرة، شددت الأستاذة الجامعية، أن تلك الضغوط تبقى معلقة على مدى ارتباطنا بسيادتنا التشريعية الوطنية ومرتبطة أساسا باللحمة الوطنية ووحدة الصف الداخلي، موضحة أن أثر تلك الضغوط تكون ضعيفة في الدول المتماسكة التي لديها أنظمة متصالحة مع شعوبها .
موقع الإصلاح: قدمتم في منتدى الزهراء مذكرة بمقترحاتكم إلى الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة، ما هي أبرز تعديلاتكم التي تميزتم بها عن غيركم؟
دة قروري : بخصوص أهم المقترحات التي تقدمنا بخصوصها حاولنا من خلالها الإجابة عن ثلاث قضايا إشكالية كبرى لا يمكن تجاهلها:
أولا: الارتفاع المضطرد لنسب الطلاق، وهو ما يتهدد الأدوار المركزية لمؤسسة الأسرة المرتبطة أساسا بتربية الأطفال وتنمية شخصيتهم في ظل مناخ من المودة والسكينة يؤطرها الميثاق الغليظ الذي هو عقد الزواج، فضلا عن أدوارها الاجتماعية والاقتصادية والتنموية، اليوم وبسبب سهولة مسطرة الطلاق، بالإضافة إلى أسباب أخرى ذات طبيعة مركبة يتقاطع فيها ما هو اقتصادي وما هو اجتماعي بما هو قانوني وثقافي.
نحن اليوم أمام تهديدات وصعوبات حقيقية تواجه مؤسسة الأسرة بسبب الارتفاع المهول والمضطرد لقضايا الطلاق والتطليق، إذ كشف التقرير الأخير للمجلس الأعلى للسلطة القضائية حول القضاء الأسري ، أن مع كل 100 إذن بتوثيق الزواج يقابله 50 دعوى طلاق أو تطليق، أي نصف عدد الزيجات ينتهون للطلاق، مع ما يرافق ذلك من مآسي اجتماعية وضياع للأطفال وغير ذلك.
وبالموازاة مع هذا الارتفاع المهول، نلاحظ عدم نجاعة مسطرة الحكمين، وضعف التكوين لدى بعض قضاة الأسرة، وهو ما يجعلنا نطالب باعتماد آلية الوساطة الأسرية كبديل عن مسطرة الصلح القضائي؛ التي أثبتت محدوديتها وعدم نجاعتها بسبب شكليتها، وافتقار القاضي للزمن وللإمكانات المرتبطة بتملك آليات الوساطة لإنجاح عملية الصلح، إذ أثبتت الدراسات الميدانية التي قمنا بها، أن عمليات الصلح الناجحة هي التي تتم بتنسيق مع المجالس العلمية المحلية وبعض جمعيات المجتمع المدني المتخصصة في الإرشاد الأسري.
لذا ينبغي العمل على التطوير المؤسساتي والقانوني لعملية الوساطة والصلح. ولدينا العديد من المقترحات التفصيلية في هذا الباب النابعة من التجربة الميدانية، حيث يمكن أن أؤكد لكم أن نسبة مهمة من الحالات التي توصلنا بها في مراكز الاستماع لجمعيات شبكة منتدى الزهراء نجحت في الوساطة والحفاظ على شمل الاسرة.
ثانيا: تعقد مسطرة الزواج: خاصة ما يرتبط بالوثائق المشكلة لملف الإذن بالزواج بغض النظر عن صدقية هذه الوثائق، ولذلك نحن نطالب بالتبسيط النوعي لمسطرة الزواج، وذلك لضمان استمرارية مؤسسة الزواج من جهة وتجنب نسب الطلاق من جهة أخرى، وذلك باعتماد شرط تأهيل الخاطب والمخطوبة كما هو معمول به في بعض التجارب الناجحة في العالم، عبر دورات تكوينية تسهر عليها المجالس العلمية المحلية بالتنسيق مع المجتمع المدني المتخصص في الارشاد الاسري، وهو ما يشكل إجراء وقائيا لانتشار ظاهرة الطلاق، ناهيك عن ضرورة ترشيد النيابة الشرعية التي تعتبر تكليفا للرجل.
لكن في بعض الحالات التي يخل فيها الرجل بهذا التكليف، ويتعسف في استعمال هذه المسؤولية بما ينتج عنه ضرر مؤكد على الأطفال، فيمكن للقاضية أن يمنح حق النيابة الشرعية للأم الحاضنة والراعية للمحضونين، إذا ارتأى أن في ذلك مصلحة للمحضونين وأن نيابة الأب تشكل ضررا مؤكدا على مصالح الطفل.
س- كيف وجدتم المنهجية المتبعة في التشاور بشأن هذا الورش؛ ورش مراجعة مدونة الأسرة؟
ج: اعتبرنا في المنتدى أن المنهجية المتمثلة في إسناد الإشراف العملي على إصلاح المقتضيات القانونية والقضائية لمدونة الأسرة لكل من وزارة العدل والمجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة، منهجية منسجمة مع طبيعة الاختلالات التي تعرفها المدونة والتي كشفت عنها التجربة، وهذه الجهات المشكلة للجنة، هي الجهات التي تتوفر على التقييم الدقيق لهذه الاختلالات.
وقد ثمنا في منتدى الزهراء هذه المنهجية، كما ثمنا المقاربة التشاورية التي أوصى بها جلالة الملك سواء مع المؤسسات ذات الصلة مثل المجلس العلمي الأعلى، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، والسلطة الحكومية المكلفة بالتضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، أو مع هيئات وفعاليات المجتمع المدني والباحثين والمختصين.
نحن إذن أمام محطة تاريخية جديدة، تعبر عن إرادة ملكية واضحة في إشراك المؤسسات المعنية لإدارة نقاش مجتمعي كبير، من أجل النهوض بأوضاع الأسرة المغربية في ظل رؤية ملكية واضحة، ستتوج بعرض مقترحات التعديلات على النظر الملكي باعتباره أمير المؤمنين، قبل عرض مشروع مدونة الأسرة على البرلمان، نظرا لما يتضمنه من التزامات مدنية، علما بأن المقتضيات الشرعية تبقى من اختصاص أمير المؤمنين.
لسنا اليوم أمام وضع مدونة جديدة للأسرة أو تغيير شامل لها كما يعتقد البعض، بل نحن أمام إدخال تعديلات فقط، “إن اقتضى الحال ذلك” حسب خطاب العرش لسنة 2022، وهي التعديلات التي فرضتها اختلالات حقيقية، كشفت عليها الممارسة بعد 20 سنة من التطبيق الفعلي، وبالتالي فالمنهجية التي جاءت في الرسالة الملكية؛ هي مواكبة للتطور المؤسساتي الذي عرفه المغرب بعد إقرار مدونة الأسرة باعتبارها نصا تأسيسيا غير قابل للمراجعة إلا في الجوانب القانونية والقضائية بما لا يخل بمرجعيتها التشريعية القائمة على الإسلام، لذا نصت الرسالة على ضرورة إشراك واستشارة المجلس العلمي الأعلى وإحالة النص على جلالة الملك قبل إعداد الحكومة لمشروع القانون.
س – عقد وزير العدل مؤخرا لقاء تشاوريا مع عدد من الجمعيات النسائية، ما دلالة استدعاءكم وكيف قرأتم دواعي هذا الاجتماع؟ وهل لبيانكم الأخيرعلاقة به ؟
ج: بخصوص الاجتماع الذي دعا إليه السيد وزير العدل مع بعض الفعاليات النسائية للتشاور حول بعض القضايا التي اعتبرتها الوزارة أنها تطرح بعض الإشكالات، فقد تم تقديم عرض من طرف مستشارة الوزير حول هذه القضايا التي كانت تتركز أساسا على ثبوت الزوجية والأموال المكتسبة وحول الحضانة والولاية، وأضاف الوزير قضية التعدد.
وقد ساهمنا في النقاش من موقع المسؤولية، وعبّرنا عن مقترحاتنا في هذا المجال، لكن بالنظر إلى أن اللجنة المكلفة من طرف جلالة الملك بالاستماع إلى الجمعيات كانت قد أعلنت عن انتهاء مرحلة الاستماع والتشاور مع الجمعيات وباقي الفاعلين في بلاغ رسمي، وبما أن المجتمع المغربي كان يتابع عملية التشاور العمومي عبر وسائل الإعلام، فقد اعتبرنا بحكم مسؤولياتنا تجاه شبكة منتدى الزهراء وجميع شركائنا أن من واجبنا أن نقوم بالإخبار بما تم في هذا اللقاء والإشكاليات التي استعرضتها الوزارة، وكانت مناسبة لتجديد التأكيد على الثوابت المتعلقة بهذا الموضوع، فكانت خلفية البيان؛ إعلام الأطراف الشريكة للمنتدى بالنقاش الدائر والمرحلة التي وصل إليها النقاش حسب ما صرح به وزير العدل والوزارة.
س – مذكرة بعض الهيئات المقدمة للهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة، طالبت بأمور يبدو أنها مخالفة للمرجعية الإسلامية، هل لمستم من خلال متابعتكم شيئا من هذا القبيل؟ أم هي مبالغات؟
ج: طبعا كان هناك تنوع كبير في المذكرات التي تم تقديمها لمراجعة مدونة الأسرة، وحينما نتحدث عن التنوع في هذه المذكرات، فإنه تنوع ليس فقط في المقترحات بل حتى في المرجعيات، لأن هناك من يعتبر أن المدونة عبارة عن قانون ذي طبيعة مدنية ولذلك ينبغي أن يكون مرتبطا بإرادة الأطراف كأي عقد مدني عادي.
وبالموازاة مع ذلك توصلت اللجنة بعدد كبير من المذكرات التي اعتبرت أننا لسنا بصدد مراجعة شمولية في جوهر المدونة، وإنما ينبغي أن نعمل على تدقيق بعض المقتضيات التي عرفت إشكالات على مستوى التطبيق القضائي، وهنا أود أن أقول أننا كمجتمع مغربي في تاريخنا السياسي الحديث والمعاصر مرت بنا مجموعة من التجارب التي كان فيها المجتمع المغربي على خلاف بين طرفي نقيض في قضايا معينة واستطعنا ان نصل إلى نقاط الإلتقاء بدرجة نضج كبيرة.
وفي هذه المحطة وعلى خلاف المحطات السابقة قبل مدونة الأسرة في 2004، تمَّ تحديد الإطار المرجعي للمراجعة، ولمنهجيتها من طرف جلالة الملك في خطاب العرش الذي أطلق فيه لورش مراجعة الأسرة، وفي كلمته أثناء افتتاح الدورة الثانية للبرلمان، وفي الرسالة الملكية الموجهة لرئيس الحكومة، أي أننا لسنا بصدد تغيير جذري وشامل لمدونة الأسرة، ولسنا بصدد وضع هوية جديدة لمدونة الأسرة، التي تبقى قانونا ذو طبيعة خاصة، لأنها تستند للمرجعية الإسلامية، حيث وضع الله ضوابط الأسرة وقواعدها في القرآن الكريم، وهي ما يصطلح عليها بالثوابت في هذه الجانب، أي أنها من النظام العام. هذه الضوابط كلها تجعلنا نقول أنه بالرغم من تنوع وغنى هذه المذكرات التي يمكن أن يكون فيها العديد من المقترحات الجيدة، وتدخل في إطار حرية التعبير والرأي والتنوع والاختلاف الذي يعرفه المجتمع ، ولكن الإطار المرجعي الذي سطرته التوجيهات الملكية هو إطار حاكم وناظم، بالنسبة لنا، كما أن مؤسسة إمارة المؤمنين تلعب دورا مهما جدا في الحفاظ على هوية وخصوصية المجتمع المغربي الذي يعرف هذا التنوع وهذا الغنى، ولكن خصوصيته وهوتيه محددة بموجب الدستور.
س – هناك من يتحدث عن ضغوط دولية كبيرة على المغرب من أجل إدخال تعديلات تخالف الثوابت الدينية والوطنية على مدونة الأسرة، وضمنت تلك التعديلات في مذكرات بعض الهيئات كما سلفت الإشارة؟ ما تعليقكم؟
ج: أعتقد أن أي ضغوطات محتملة سواء أخذت شكل توصيات آليات المعاهدات أو توصيات أخرى للأمم المتحدة أو غيرها من الضغوطات التي قد تكون في هذا السياق أو غيره، تبقى معلقة على مدى ارتباطنا بسيادتنا التشريعية الوطنية، ومرتبطة أساسا باللحمة الوطنية ووحدة الصف الداخلي ، فالدول المتماسكة التي لديها أنظمة متصالحة مع شعوبها مصالحة مكتملة، ويكون لديها وحدة وانسجام بين الشعوب وأنظمتها السياسية، يكون أثر هذه الضغوطات ضعيفا جدا على القوانين والتشريعات الوطنية.
ولذلك أرى أن هذه الضغوطات نسبية، وينبغي العمل على تقوية الديمقراطية الداخلية لأنها الصمام للحفاظ على هوية الشعب، والحفاظ على خصوصية الشعب المغربي، والحفاظ على خصوصية التشريعات، فلا ينبغي أن تغلب علينا هواجس تنميط التشريعات على المستوى الدولي، فمن الضروري أن يكون لكل دولة خصوصية في المجال التشريعي، لأنه في النهاية القاعدة القانونية هي قاعدة اجتماعية تعبر عن خصوصية المجتمعات مع ضرورة الاستجابة لبعض المعايير العامة، لكن فيما يتعلق بالقوانين ذات الخصوصية التشريعية كمدونة الأسرة وغيرها من القوانين، فأعتقد أنه ينبغي أن تستجيب للخصوصية الثقافية والاجتماعية والتطور الذي يعرفه المجتمع المغربي وعدم التماهي مع بعض التوصيات التي لا تمس بصلة لموروثنا الثقافي والحضاري والديني.
موقع الإصلاح