قراءة في شريط “الرسول في عيون الأطفال” – الحبيب عكي
في شريط حواري قصير مدته 3.24 دقيقة، وعنوانه:”الرسول في عيون الأطفال”:(Muhammad through the eyes of children)، استجوب فيه مخرجه المجهول، ثلة من الأطفال في عمر الزهور(حوالي 9-11 سنة)، سألهم كما يحكي الشريط على الرابط (https://youtu.be/HEd8LgjlFiw أربعة أسئلة أساسية، وددت لو أن كل الآباء والأولياء قد سألوها أبنائهم في جلسات حوارية هادئة حتى يطمئنوا على معارف وخلجات فلذات أكبادهم اتجاه الرسول (ص) أو يقوموا بتصحيحها وتربيتهم عليها بالشكل المناسب.
سأل المخرج أطفاله ذكورا وإناثا أربعة أسئلة أساسية أولها:
أولها: كيف يرون رسول الله (ص) بالنسبة إليهم؟
وثانيها: ماذا يريدون منه كأطفال؟
وثالثها: لو كان (ص) حاضرا بيننا فبماذا سيفيد عالم اليوم؟
وآخرها: لو رأوه رأي العين فماذا سيقولون له؟.
والغريب العجيب أن أجوبة الأطفال الصغار كانت على الفطرة والسليقة، طريفة عميقة، وإن كان فيها من بعض الإشكالات – في نظري- ما فيها، وهذا الذي سنحاول تناوله ببعض البيان والتحليل في هذه المقالة.
أجوبة الأطفال تشد مشاهدها، وتنزع منه من العطف والثناء على الأطفال الصغار ما قد لا يحظى بمثله منهم الرجال الكبار، أجوبة تنم عن سبق تربوي أسري حظي به الأطفال مما جعلهم لا يأتون بأجوبتهم وطبعهم من فراغ، أجوبة سديدة أفادت أن الرسول (ص) هو من جاء بدين الإسلام، الرحمة المهداة والنعمة المسداة إلى العالمين، وهو رجل عظيم قليل الكلام أمين صادق طيب شجاع، قدوة حسنة، ذو بعد عقائدي روحاني، تعبدي مرتبط بواقع الحياة وهموم الناس، كما أفادت أجوبة الأطفال أن الرسول (ص) يحمل قيما عظيمة كالصدق والأمانة، والوفاء بالحقوق وإشاعة المحبة بين الناس، والتعاون والتكافل، والأمن والسلام.
أما عن ماذا سيطلبه الأطفال من الرسول (ص) لو كان معهم، فهنا قد جسد الأطفال واقعهم وبراءتهم، وتحلوا بالسائد من ثقافة العصر، ولم يحاولوا تصنع ما يخالف رغبتهم مما ليس فيهم، فقال أحدهم:”أريده أن يلعب معي كرة القدم، أن أكون أنا الهداف ويكون هو حارس المرمى، ولكن لا أظنه سيلعب معي، رغم أني قرأت عنه أنه يحب اللعب مع الأطفال”، وقالت أخرى:”أريده أن يحكي لي طرفة، ولا شك أن طرائفه ستكون جميلة”.
لن أتحدث عن هذا الأسلوب الفني والحواري الشيق في التعاطي مع السيرة العطرة، ولكن أنظروا فقط رغبة الأطفال في اللعب والترفيه والطرافة والتقبيل والاحتضان..، وغير ذلك مما نتجاهله نحن على أهميته، أنظروا إلى إدراكهم العميق والصحيح في مجمله لشخص الرسول(ص) والذي قد نستخف به ونحن لا ندركه فيهم أو لا نصدقه وهو أصدق من صادق، فبالأحرى أن نتواضع ونتعلم من براءتهم صدقا وعدلا، ودون أن يتساءل المرء هل هذا هو تصور الأطفال عن الرسول فعلا؟ أم هو طغيان الصورة الإعلامية المشوشة عن الكبار قبل الصغار والمحددة لتفكيرهم وأفقهم على السواء؟؟ فهناك ما يثلج الصدر ويحيره في نفس الوقت، وهو أن أجوبة الأطفال عن السؤال الثالث قد بين حجم قلقهم وانشغالهم بهموم العالم وأزماته المستعصية، أكثر مما قد يكون في مستواهم وطاقتهم، ومهما كان الأمر واقعيا فهو أيضا لا يخرج عن كونه صورة إعلامية بكل أبعادها ودلالاتها، لقد تمنى الأطفال على الرسول (ص) أن يحد من الحروب المدمرة، أن يشغل الناس ويعطف على الفقراء، أن يوحد الأمة من فرقتها، وأن يحارب التشرد والمجاعة ويحارب التلوث… أما عن السؤال الأخير:”لو رأيتم رسول الله(ص)رأي العين فماذا ستقولون له؟ فقد أجمع الأطفال كلهم وبصدق تستشفه من براءتهم وشوق يفضحه ذرف أعينهم، أنهم يحبون رسول الله (ص) حبا كثيرا قدروه تقديرات فطرية لا تخطر على البال، ويحبون أن يسلموا عليه، وأن يحضنهم، وأن يكونوا في مستوى التحدث إليه حتى يرضى عنهم.
وفي شريط آخر مماثل أو منسوخ، أضافوا سؤالا آخر على الأطفال:”ماذا تتعلمون من الرسول (ص)، فأجابوا بكل تلك القيم الإسلامية الرفيعة من الإيمان وإقامة الصلاة وتلاوة القرآن، والمحبة والتسامح والصدق والأمانة والشجاعة والاستقامة.. وسيحاولون تطبيق ذلك في حياتهم ومعاملتهم مع الأطفال، وأعتقد أن هذه صورة إعلامية رفيعة وفي الواقع – والحمد لله – كثير مما يطابقها، وهنيئا وبشرى للأطفال وذويهم ممن يصنعونها ويحيونها ويدعون إليها بروح المحبة :”والمرء مع من أحب يوم القيامة”. ولكن مما لا شك فيه أن هناك صورة أخرى تشوش على صفاء هذه الصورة الأولى بكل ما يناقضها وينفر من دعاويها ويسيء إليها وإلى رموزها بما في ذلك سيد الخلق رسول الله (ص)منقذ البشرية من الضلال ومعلمها الحرام من الحلال، حتى غدا عند هؤلاء المسيئين أن الإسلام عنف وتطرف وإرهاب أو استلاب وميوعة وانحلال، أو تيه وانحراف في عصابات المخدرات و”التشرميل” والدعارة، وليس له أي إشكال مع ما لا يطاق من عوالم الجحيم تلك، ذلك بأنهم استحبوا العمى على الهدى، واعتبروا قمة البطولة والانتماء إلى فرق ضلالهم في مدى تمرد خفافيشهم على القيم البناءة والسخرية من الأديان ورموزها وأنظمتها.
من هنا تعظم المسؤولية على المربين والدعاة لمعالجة هذه الاختلالات التي تنخر النشء وتدمر المجتمع، كما في حديث السفينة:”…فإن هم تركوهم هلكوا وهلكوا جميعا، وإن هم أخذوا بأيديهم نجوا ونجوا جميعا”، ومن أفضل السبل لمعالجة اختلالنا التربوي الثقافي السياسي الاجتماعي..المعاصر،هو غرس محبة الرسول (ص) كقيمة القيم في نفوس النشء والمجتمع، ومن أجل ذلك يرى المربون والمهتمون بضرورة:
1 – مسؤولية الأسرة في الموضوع بالدرجة الأولى، والمدرسة وغيرها مجرد مساهمين:”..فأبواه يهودانه أو ينصرانه”.
2 – محبة الرسول (ص) كل لا يتجزأ وهي ذات بعد إيماني عقائدي، تعبدي سلوكي، معرفي فكري، روحي وجداني أعمق..
3 – الرسول كما هو لا كما يريده الإعلام، وفي هذا يقول د.مصطفى أبو السعد: نريد الرسول الإنسان والقائد والمربي، القدوة والحكيم، الزوج والإمام، الداعية والمجاهد..، وليس المحارب الشجاع فحسب وذو الغزوات التي لا تنتهي، مما يختزل الصورة بل يعطيها لونــا واحدا ليس بالضرورة هو الحقيقي ولا المطلوب.
4 – وأفضل المناهج التربوية في موضوع المعالجة هذه،هي القدوة العملية التي تحيى بخصال الرسول سنة عقائدية ومواقف سلوكية..أفعالا صحيحة وأقوالا رفيعة مع النشء، مع المستضعفين، مع العدل والإنصاف، مع الإصلاح والقضاء، مع الإحسان في العبادة، مع الإكثار من البرهنة والاستدلال على ذلك بأحاديثه الشريفة وليس الأمثـال الشعبية وغيرها فحسب.
5 – برامج أسرية مدرسية مسجدية جمعوية إلكترونية تعطي النشء حظه من القرآن والسنة والسيرة والفقه والأحكام والقصص والأناشيد..، مما سينمي ثقافة الأذكار والأدعية في حياتنا الأسرية وثقافة الآداب في المأكل والمشرب والملبس..، ويعزز احترامنا لشخصه كقدوة وتعظيمنا لأمره (ص) وهو من أمر الله تعالى:” قل أن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله”،
6 – حملات تربوية ثقافية واجتماعية، رياضية فنية وترفيهية، للعيش الجماعي والمجتمعي في ظلال محبة الرسول وفضائل الإسلام وقيمه في الرحمة والسكينة والتعاون والطمأنينة، والوحدة والنظافة والتكافل، والصلاة والصيام والتوبة والصدق والأمانة والاستقامة، مما سيعمق فينا خصال النبوة وفضائلها، ويرشحنا للحظوة بشفاعته يوم الدين ومرافقته في الجنة يوم القيامة.
7 – تنظيم رحلات الشوق والمحبة لزيارة مقام المصطفى ومزارات الرسالة والدعوة ..حجة وعمرة وسياحة.. وغير ذلك مما سينمي التزاور والتعارف والتعاون بين أبناء الشعوب الإسلامية وقبائلها وأجيالها الناشئة، ويساعدها على تقاسم الخبرات المكتسبة والتفكير الجماعي الإبداعي الحضاري لحل المعضلات ورفع التحديات وكسب الرهانات.