قد يُحدِث حربا أهلية في إسرائيل.. هل بدأ نتنياهو بتنفيذ “الحل النهائي”؟ – حسن أوريد

استفحال العنف الإسرائيلي في غزة منذ المذبحة النكراء في (18 مارس/ آذار 2025) التي خلّفت أكثر من 400 شهيد أغلبهم من الأطفال والنساء، وما أعقبها من أعمال عدوانية رفعت عدد الشهداء إلى حوالي 700، ناهيك عن الجرحى والدمار، ثم ما تمارسه في الضفة الغربية، من مداهمات ومصادرة وترويع وقنص، يُظهر بجلاء عزم إسرائيل على تفعيل خطة التهجير القسري، عن طريق الترويع، والاحتلال، ومنع دخول المساعدات.

تهزأ إسرائيل، من خلال الهجمات الأخيرة للطيران الحربي، بنتائج قمة القاهرة حول إعمار غزة، وتضرب بها عرض الحائط، إذ إن العمليات العدوانية الأخيرة، إن هي إلا توطئة لما قد نسميه بـ”الحل النهائي”، أي القضاء على الشعب الفلسطيني، من خلال ترحيله من أرضه.

يعزز ذلك قرار الكابينت الإسرائيلي تبنّي قيام إدارة تابعة لوزارة الدفاع، في أعقاب الاعتداءات المتتالية، من شأنها “تسهيل” النقل “الطوعي” للغزّيين، برًا وبحرًا وجوًا.

كل المبرّرات حول عدم إطلاق الأسرى الإسرائيليين، أو دوافع الوضع الداخلي في إسرائيل، وترضية كل من بن غفير وسموتريتش، لإبقاء التحالف الحكومي، والوضع المهزوز لنتنياهو، هي ذرائع فقط، لأن الاعتداءات الأخيرة تندرج في رؤية؛ وهي خلق أوضاع نفسية في أوساط ساكنة غزة، من خلال الترويع والتجويع، لدفعهم إلى المغادرة.

إخلاء الضفة وضم غزة، كان دومًا من أدبيات اليمين المتطرف، وينبني التحالف القائم داخل الحكومة الإسرائيلية، على تنزيل هذه الرؤى من خلال “الحل النهائي”. والحل النهائي، كان هو المصطلح الذي استعمله النازيون من أجل القضاء على اليهود، قبل أن يتم استحداث مصطلح الإبادة الجماعية، من قِبل حقوقي بولندي وأصبح متداولًا بعدها.

لم تزد الإدارة الأميركية الحالية سوى أن تبنّت أدبيات اليمين المتطرف، بشكل واضح فيما يخص الضفة الغربية، بتبنيها تسمية يهودا والسامرة، ثم بعدها في تبني مخطط إجلاء غزة من ساكنتها، ولم يكن من قبيل الصدفة أن يعلن الرئيس الأميركي عن خطة الإجلاء، قبل زيارة نتنياهو للبيت الأبيض.

لقد تم امتصاص ردود الفعل التي تم التعبير عنها من قِبل حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، رفضًا لمخطط الترحيل، ثم بعد القمة العربية التي انعقدت في القاهرة لإعمار غزة، لكن خطة التهجير القسري، أو “الحل النهائي” ما يزال قائمًا، وهو ما لم يُخفه وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس الذي يُلوّح بضم غزة، ويسهر على تهيئة مخطط للإجلاء، أو الترانسفير، أو في اتباع إسرائيل سياسة التقتيل والترويع والتجويع والترهيب.

أكثر من 40 ألفًا تم ترحيلهم من الضفة الغربية في غضون أسابيع، بشهادة ممثل السلطة الفلسطينية في الأمم المتحدة رياض منصور، والوضع في غزة يزداد سوءًا، والحالة النفسية للساكنة غلبها اليأس، ووضعها أسوأ مما كان خلال الحرب.

المجازر المرتكبة، إن هي إلا توطئة للحل النهائي، ولا يمكن الدفع بأن قمة القاهرة حول إعمار غزة، أبطلت مخطط التهجير القسري.

لم ترد ردود قوية على التوجه الخطير الذي تسلكه إسرائيل إلا من بعض أعمدة الصحافة في إسرائيل وفي الغرب، التي تدرك خطورة هذا الانزلاق.

لم يُخفِ مبعوث الرئيس الأميركي في الشرق الأوسط ستيفن ويتكوف، تخوفه من أن سياسة إسرائيل من شأنها أن تنسف جهود أميركا لنصف قرن، منذ اتفاق كامب ديفيد، والتداعيات السلبية حتى على حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، لكن يبقى موقف الولايات المتحدة الفعلي، مؤيدًا للسياسة الإسرائيلية، ولم يتم اتخاذ موقف صارم وواضح من الاعتداءات الأخيرة.

يظل العمل الدبلوماسي، من أجل التنديد بهذا الانحراف الخطير دون ما ينبغي، سواء على مستوى الأمم المتحدة، أو في تحرك عربي فاعل، من قِبل الدول العربية التي هي حليفة للولايات المتحدة، أو على مستوى دول الاتحاد الأوروبي، أو المجتمع المدني الغربي.

نحن أمام إرهاصات “الحل النهائي” للفلسطينيين، ولا يمكن التذرع بالجهل، أو مثلما قال ممثل فلسطين في الأمم المتحدة رياض منصور، فسياسة إسرائيل لم تكن قط بالوضوح الذي هي عليه الآن، إذ ما يحركها هو أطماع استعمارية. وهذا الوضوح، هو ما يقتضي وضوحًا مقابلًا من لدن المجتمع الدولي، لإبطال “الحل النهائي”.

قد يكون تواجد الرئيس ترامب على رأس البيت الأبيض عاملًا مشجعًا لنتنياهو، ولكن عناصر من المؤسسة في الولايات المتحدة تدرك خطورة “الحل النهائي”، مثلما يُستشف من تصريح ويتكوف.

وحتى في داخل إسرائيل، لم تعد هناك نظرة موحدة، كما كانت بعد طوفان الأقصى، حيال غزة. وهناك اتجاهات تخشى أن يسفر العنف الجاري عن تغذية عنف مضاد يتهدد إسرائيل، ناهيك عن التمزق الذي تعرفه إسرائيل، لاختلالات داخلية، مما يجعل كثيرًا من الملاحظين يحذرون من احتمال حرب أهلية.

هناك عدة أوراق يمكن لعبها على المستوى الدبلوماسي لتعطيل الخطة الإسرائيلية، على المديين؛ المتوسط والبعيد، أو حتى في توظيف تناقضات الحقل السياسي الإسرائيلي، ولكن الأولوية هي في وقف العدوان، واحترام وقف إطلاق النار، وحماية المدنيين، وتسهيل دخول المساعدات، وهي مسؤولية الأمم المتحدة، بموازاة مع القوى الكبرى.

لا يمكن التعلل بالأسرى الإسرائيليين لقتل المدنيين والأطفال والنساء. ولا يبدو أن نتنياهو يأبه بمصير الأسرى الإسرائيليين، أو هو شغله الشاغل.

ينبغي فضح مرامي الاعتداءات الأخيرة التي تهيئ الأرضية النفسية لـ”الحل النهائي” من خلال الترويع والتجويع. و”الحل النهائي”، هو وصفة الخراب في الشرق الأوسط، ولن تبقى تداعياتها محصورة فيه.

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى