فلولي يكتب: مشروع قانون 22.20 والمساس بحرية التعبير
بعد مرور، أكثر من شهر على مناقشة مجلس الحكومة المنعقد بتاريخ 19مارس 2020، لمشروع القانون رقم 22.20 يتعلق باستعمال شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح والشبكات المماثلة تمت إثارة موضوع لمشروع القانون 22.20ـ، تم تسريب بعض مضامينه التي أثارت نقاشا كبيرا وقلقا ورفضا لما تضمنه من بنود تجرم كل دعوة لمقاطعة منتجات بعينها ومعاقبة الواقفين وراء هذه الدعوات وكذلك المتقاسمين لها على شبكات التواصل الاجتماعي.
وبغض النظر عن الطريقة التي تم بها تسريب الخبر وما تلاه من ردود فعل وتوضيحات خاصة من طرف وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان والعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني حول هذا الموضوع، وكذلك إعلان وزير العدل المغربي أنه طلب من رئيس الحكومة وأعضاء اللجنة الوزارية -التي شكلت لمراجعة الصيغة الأصلية لمشروع القانون- تأجيل أشغال هذه اللجنة إلى حين انتهاء هذه الفترة الصعبة بفعل تداعيات جائحة كوروناـ فإننا نسجل بعض الملاحظات على هذا المشروع الذي عرض على المجلس الحكومي المنعقد بتاريخ 19 مارس الماضي والذي كان بمبادرة من وزير العدل.
مشروع القانون يتكون من 25 مادة، لكن المواد الذي أثارت النقاش والتخوف والاستنكار هي تلك التي تخصّ تجريم الدعوة إلى مقاطعة المنتوجات، ونشر وترويج الأخبار الزائفة، فمثلاً تنصّ المادة 14 على عقوبة السجن من 6 أشهر إلى 3 سنوات و/أو غرامة مادية بحق من يدعون إلى مقاطعة “بعض المنتوجات أو البضائع أو الخدمات”، بينما تنصّ المادة 16 على عقوبة السجن من 3 أشهر إلى سنتين و/أو غرامة مادية بحق كل من قام عمداً “بنشر أو ترويج محتوى إلكتروني يتضمن خبراً زائفاً”.
من الأسباب التي دفعت إلى سن مثل هذا التشريع حسبما جاء في الصيغة المنشورة في وسائل الإعلام الالكترونية نجد حديثا عن ملاءمة المنظومة القانونية الوطنية مع القوانين المقارنة والمعايير المعتمدة في مجال محاربة الجريمة الإلكترونية، خاصة بعد مصادقة بلادنا على اتفاقية بودابيست المتعلقة بالجريمة المعلوماتية بتاريخ 29 يونيو 2018.
غير أنه بالرجوع إلى هذه الاتفاقية، نجدها تنص على الجرائم الإلكترونية التالية: التزوير والنصب والصور الفاضحة للأطفال وانتهاكات حقوق الملكية والحقوق المجاورة ولا يوجد أيّ ذكر لما يخصّ التعبير على مواقع التواصل الاجتماعي.
أكثر من ذلك السيد محمد عبد النباوي، رئيس النيابة العامة، في كلمة له خلال يوم دراسي منظم بمراكش من طرف رئاسة النيابة العامة حول موضوع “إجراءات التعاون الدولي وفقا لأحكام اتفاقية بودابست لمكافحة الجريمة المعلوماتية” أكد أن المغرب انخرط في سياسة استباقية للحد من الإجرام السيبراني وفي المجهودات الدولية الرامية إلى ذلك، مشيرا أن المشرع المغربي قد شعر بخطورة الجريمة الإلكترونية منذ بداية الألفية الثانية. و أبرز أيضا أن المغرب قرر الانخراط في الدينامية العالمية الرامية إلى توفير الأمن الرقمي وحماية نظم المعالجة الآلية للمعطيات …… فضلا عن إرساء إطار مؤسساتي وقانوني حديث وفعال لمواجهة مخاطر الجريمة المعلوماتية.”
نتساءل حول علاقة اتفاقية مكافحة الجريمة المعلوماتية بتجريم الدعوة للمقاطعة الاقتصادية ومعاقبة المروجين لها والمتقاسمين لها على حساباتهم الشخصية في شبكات التواصل الاجتماعي كما جاءت في الصيغة الأصلية المقدمة للحكومة ؟ يبدو أن الذي حرص على إدراج مثل هذه المقتضيات يستحضر تجربة المقاطعة التي بدأت من المواقع الاجتماعية عام 2018 وتضرّرت على إثرها ثلاث شركات كبرى.
من جهة أخرى فإن الصيغة المتداولة تتضمن مساسا بحرية التعبير بشكل يخالف الدستور المغربي وكذا المعاهدات والاتفاقات التي صادق عليها المغرب وخاصة المعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في مادته 19، والذي لا يتيح تقييد حرية الرأي والتعبير إلّا فيما يخصّ الدعوة إلى الكراهية والعنصرية والمس بالحياة الخاصة للأفراد”.
كما أن مشروع القانون المذكور “يخالف توصية لجنة حقوق الإنسان التي تؤكد أنه لا يمكن تضييق حرية التعبير إلّا وفق ما هو منصوص عليه في الفقرة الثالثة من المادة 19 من العهد، التي تنص على ما يلي :”وفي ما لا يتعارض مع أحكام القانون الدولي لحقوق الإنسان”.
من جهة أخرى قد يعتبر اللجوء لمثل هذا القانون في ظل هاته الظروف – حيث أصبحت وسائل التواصل الحديثة وشبكات التواصل الاجتماعي هو المتنفس الوحيد للتعبير عن الرأي في ظل حظر التجوال وتمديد حالة الطوارئ، مما يثير العديد من الشكوك حول الخلفيات المحركة وراء إصدار تشريع ربما قد يكون وسيلة لتكميم الأفواه أكثر منه ضمانا لحرية التواصل الرقمي.
لقد تحولت شبكات التواصل الاجتماعي في كثير من الأحيان لوسيلة احتجاج مؤثرة وتعبئة لصناعة رأي عام اتجاه قضية معينة، كما أنها أصبحت آلية جديدة لممارسة الوساطة والتنشئة تنافس بشكل كبير الوسائط التقليدية المعروفة. بهذا الخصوص سجل تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان لسنة 2019 “أن مختلف فئات المجتمع تستعمل وسائل التواصل الاجتماعي الجديدة من أجل التعبير عن آرائها ومطالبها وتطلعاتها. فقد وسعت الثورة الرقمية، العابرة للحدود، من وتيرة الديناميات المجتمعية، وجددت شكل ومضمون الحركات الاحتجاجية، خصوصا فيما يتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، إضافة إلى ترسيخها لفكرة العدالة الاجتماعية والمجالية.”
من جهة أخرى يمكن رصد مجموعة من التجاوزات التي يعرفها الفضاء الرقمي وشبكات التواصل الاجتماعي من خلال اختلاق أخبار زائفة والعمل على نشرها بشكل يسيء للأشخاص والمؤسسات والهيئات وأيضا المساس بالحياة الخاصة للأفراد، هذا دون الحديث عنما أصبح يعرف بالجرائم الالكترونية، كل ذلك يحتاج لتأطير قانوني مواكب غير أن التأطير القانوني للفضاء الرقمي يجب أن لا يكون بممارسة الضبط الأمني وفرض القيود على حرية التعبير.
واعتبارا لكون المشروع الحالي تم الإعلان عن تأجيل مناقشته إلى ما بعد انتهاء الفترة الحالية جراء جائحة كورونا، كما أن مشروع القانون في صيغته النهائية لم يتم إحالته بشكل رسمي على البرلمان، يبقى الحذر واليقظة والمواكبة ضرورية من أجل الترافع عن كل ما من شأنه المساس بحرية التعبير وضمان ممارستها في إطار الدستور والقوانين الجاري بها العمل.