قانون الأوقاف الهندي يهضم حقوق المسلمين ويهدد استقلال مؤسساتهم

عبّر العديد من القيادات الدينية وأعضاء المجتمع المدني، وأحزاب المعارضة الهندية عن قلقهم من انتهاك قانون الأوقاف الهندي لحقوق المسلمين الدينية التي يكفلها الدستور الوطني، لتعارضه الصريح مع مبادئ المساواة وروح التعددية التي تحمي حقوق الأقليات في إدارة شؤونها ومؤسساتها الدينية.

 وجاء ذلك على إثر تشريع أصدرته الحكومة الهندية عام 2025، تضمن تعديلات جوهرية في البنية القانونية والإدارية التي تحكم نظام الوقف الإسلامي، وهو ما أثار جدلا واسعا في الأوساط القانونية والأكاديمية والمجتمع الإسلامي، رغم زعم الحكومة أن هدف التعديلات تعزيز الشفافية وزيادة كفاءة إدارة الوقف.

ففي غشت 2024، قدّم حزب بهاراتيا جاناتا، الحزب القومي الهندوسي الحاكم، مشروع تعديل قانون الأوقاف الإسلامية، وفي مطلع أبريل 2025 أُقرّ المشروع مجلس النواب ثم مجلس الشيوخ، قبل أن تصادق عليه رئيسة الهند، دروبادي مورمو.

ويرى المعارضون أن القانون يهدف إلى تقويض استقلالية الأوقاف وتهميش المسلمين في الهند، وبسط سيطرة الدولة على ممتلكاتهم الوقفية، بسبب ما تضمنه القانون من أحكام مثيرة للجدل، أبرزها فرض مشاركة أفراد غير مسلمين في هيئات إدارة الأوقاف، وإلغاء العمل بنظام “الوقف بالاستخدام”.

وقد فتح قرار إلغاء “الوقف بالاستخدام” الباب على مصراعيه أمام احتمالات الاستيلاء على ممتلكات الأوقاف، مما يثير القلق بشأن مصير العديد من المساجد والمقابر وغيرها من عقارات الوقف وأراضيه غير المسجلة رسميا، والتي تعود ملكيتها لمئات السنين، حيث باتت مهددة بالهدم أو المصادرة، رغم ما تحمله من قيمة تاريخية للمسلمين.

وحذر المعنيون من أن القانون يُضعف المشاركة المجتمعية في إدارة الأوقاف، وهو ما تترتب عليه آثار اجتماعية وقانونية تضرّ بالطائفة المسلمة التي تعتمد اعتمادا كبيرا على مؤسسات الوقف في توفير خدمات حيوية مثل التعليم وإقامة الشعائر الدينية وتوفير أماكن الدفن والرعاية الاجتماعية وتقديم المساعدات الإنسانية للفقراء والمحتاجين.

وتضم الهند أكبر عدد من الممتلكات الوقفية في العالم، وتشكل مجالس الأوقاف أكبر مالك للأراضي الحضرية في الهند، والثالثة من حيث الحجم بعد كل من الجيش ومؤسسة السكك الحديد.

ووفق بيان مكتب معلومات الصحافة الحكومي الصادر في شتنبر 2024، تضم الأوقاف الإسلامية أكثر من 872 ألف عقار، بمساحة إجمالية تزيد على 400 ألف هكتار، وتقدر قيمتها بنحو 14.2 مليار دولار.

وتشمل العقارات مساجد ومدارس دينية وأضرحة وعقارات أخرى وأراضي شاسعة، تديرها مجالس الأوقاف الموزعة على 30 ولاية وإقليما اتحاديا.

من جهتها، حذّرت جماعات مسلمة مثل “مجلس قانون الأحوال الشخصية لعموم الهند”، من أن القانون يشكّل تدخلا في الشؤون الدينية وانتهاكا صريحا للحقوق الدستورية، ونبّهت على خطورة استخدام القانون أداة لمصادرة أراضي المسلمين تحت ذرائع إدارية أو قانونية، وأدان “مجلس اتحاد المسلمين لعموم الهند” التشريع ووصفه بأنه غير دستوري، وقدّم التماسا للطعن فيه أمام المحكمة العليا.

وقد أثار مشروع القانون منذ طرحه موجة من السخط في أوساط المسلمين الذين نظموا احتجاجات واسعة في مختلف أنحاء البلاد بهدف منع إقراره، وفي 24 مارس 2025 أطلقوا حملة وطنية رافضة للمشروع.

وفي أعقاب إقرار القانون اندلعت مظاهرات واسعة النطاق، لا سيما في المناطق ذات الأغلبية المسلمة بولاية البنغال الغربية شرقي البلاد، وأسفرت عن وقوع قتلى وتوقيف أكثر من 100 شخص.

وفي أواخر يونيو احتشد مئات الآلاف من المسلمين في ساحة “غاندي ميدان” بمدينة باتنا، احتجاجا على القانون الذي اعتبره المتظاهرون غطاء قانونيا لنهب الأوقاف الإسلامية وهدم المساجد والمقابر والمدارس الدينية.

وعبر المؤتمر الوطني، أبرز أحزاب المعارضة، عن رفضه للقانون، معتبرا إياه غير دستوري وينطوي على طابع تمييزي ضد المسلمين.

ويفرض القانون تحويل وثائق الوقف إلى نسخ رقمية، واعتماد نظام تسجيل مركزي بدلا من النظام الذي كان يقتصر على مستوى الولايات، كما فرض إنشاء نظام وطني موحّد لإدارة ممتلكات الوقف، وحدد أعضاء المحكمة الوقفية بعضوين، مع إمكانية الاستئناف على قراراتها أمام المحكمة العليا في أجل لا يتعدى 90 يوما.

وأثار قانون الأوقاف الهندي لعام 2025 جدلا واسعا في الأوساط القانونية والأكاديمية والطائفة المسلمة في البلاد، وذلك بسبب التعديلات التي لها أثر بالغ في تقويض مبادئ الدستور الوطني وحرمان المسلمين من حقوق أساسية يكفلها القانون.

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى