قاعدة دعوية – بنداود رضواني
معلوم أن من أشرف مقامات التعبد والقرب من الله، مقامان: الأول: مقام الدعوة إلى الله، والثاني: مقام تعليم الناس الخير.
ومن أجلِّ منازل العبودية عند الله، منزلة من كان بين الله وبين عباده، ورسول الله صلى الله عليه وسلم خير من حاز هذين المقامين، وأشرف موحى له حظي بجلال منزلة البلاغ الخاتم عن الله تعالى.
ونهوضاً بهذا الواجب، واجب الخيرية، وأداء لحقوق التعظيم والتشريف، قام هذا النبي الكريم عليه الصلاة والسلام مُصْطبغًا في كل حركة وسكون بصبغة الذاكر لله تعالى، الهاتف بجلاله، المسبح بحمده، المُقَدِّس لألوهيته، والمعترف بربوبيته…، فعلى أية حال كان إلا ويبسط ضعفه بين يدي ربه وخالقه، ويعترف بقصوره وتقصيره، رادا في الوقت نفسه كل الأفضال التي عليه لسيده ومولاه سبحانه وتعالى.
فلا يقوم صلى الله عليه وسلم، ولا يجلس، ولا ينام، ولا يستيقظ، ولا يمشي، ولا ويتوقف، ولا يأكل، ولا يشرب،…..صباح مساء، ليل نهار، إلا ولسانه رطب بذكر الله.
فهو يدرك عليه الصلاة والسلام، أن الأمانة المُلْقاة على كاهله، والرسالة السماوية التي تشغل كل حياته، يحتاج للقيام بها، من البدء إلى المنتهى، إلى عون الله وتوفيقه، ويفتقر للنهوض بها إلى مَدَدِ الرب ومعونته، لذا نجده في عظائم المواقف، كما في صغائر الوقائع، – مع الأخذ بالأسباب والتوكل على الله – لا يفتر لسانه الشريف عن اللَّهج بالإنابة والتوبة والإستغفار والتسبيح والتحميد….، حتى يصير لصدره أزيز كأزيز المِرْجَل، بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام.
وإن كان الناس جميعا دون استثناء مفتقرون إلى الله من مَفْرَق رؤوسهم إلى أخمص أقدامهم، محتاجون إليه في كسب معاشهم وفي سلامة معادهم. إلا أن العلماء والدعاة خاصة، افتقارهم إلى ربهم أشدّ، واحتياجهم له أكبر، لأن أمر البلاغ أمرٌ جَلَل وجليل، وهو في حقهم من الفرائض العينية لا الكفائية، ولن يستطيعوا القيام بحقه إذا ما تاهوا في ظلمات الاعتماد على ذواتهم، والاتكاء على نفوسهم، بل لا بد أن يسلكوا مسلك صاحب الرسالة عليه الصلاة والسلام في سيره الدعوي، وسيرته التبليغية.
والخلاصة أن دعوة الغير إلى الاستغفار، من جملة ما تقتضيه أن يكون الداعية أولا قبل غيره من أكثر الناس استغفاراً، وأن دعوة الآخرين إلى التسبيح والتحميد والتهليل، والتمجيد…، وطلب المعونة من الله والتوفيق…، يستلزم أن يكون الداعية أسبقهم للتسبيح بحمد الله، وأكثرهم تمجيداً لذات الله، وأعظمهم اعترافاً بضعفه وتقصيره،…، قال تعالى ( وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُط) الكهف/28.
عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” ألا أخبركم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والفضة، ومن أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم، ويضربوا أعناقكم ” قالوا: بلى يا رسول الله. قال: ” ذكر الله عز وجل “. أخرجه الإمام أحمد