في مكانة ومقاربة النظر في قضايا الأسرة
أصدرت حركة التوحيد والإصلاح عددا من الرسائل المعنونة “برسائل الإصلاح” في موضوع الأسرة، وذلك لأهمية هذه المؤسسة في المرجعيات المؤطرة لمشروع الحركة، وفي برامجها ومشروعها الإصلاحي في المجتمع، بل ولأهمية هذه المؤسسة في المجتمع، وللأدوار التربوية والاجتماعية والإصلاحية التي تقوم بها.
وسعيا مني في إثراء النقاش العلمي في هذا الموضوع، سأحاول في عدد من المقالات العلمية النظر في قضايا هذه المؤسسة التي حضيت بالرعاية والعناية البالغة في التشريع الإسلامي وفي خطاب الفاعل العلمي والسياسي والمدني.. وفق مقاربة منهجية تجمع بين المرجعية الشرعية والقانونية، ومندمجة في النظر والتحليل، مع التركيز على عدد من القضايا التي أثارت نقاشا وجدلا فكريا وعلميا بين عدد من الفاعلين في حقل الفكر والثقافة والسياسة..
وسأنطلق ابتداء بإبراز مكانة هذه المؤسسة في بنية النص التشريعي والواقع المجتمعي، ومنهج مقاربة النظر والتفكير في قضاياها وإشكالاتها.
1: في مكانة مؤسسة الأسرة:
تحتل الأسرة مكانة بالغة الأهمية في النص التشريعي الإسلامي، فقد ربط الله تعالى تقواه بحفظ هذه المؤسسة، وحماية منظومة القيم المؤسسة لها والضامنة لتماسكها، حيث قال الله تعالى ” يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها، وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام “[1] وفصل في الأحكام الضابطة لعلاقة أفرادها والحامية لحقوقهم ومصالحهم، في نسق تعاقدي موسوم بالتراحم والتكامل في الوظائف والأدوار التربوية والاجتماعية، وبما يمَكِّن هذه المؤسسة من القيام بوظائفها الأساسية، وفي مقدمتها التربية والتنشئة على منظومة القيم المرجعية، حيث قال صلى الله عليه وسلم ” كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه“[2]
كما تسهم مؤسسة الأسرة إلى جانب التربية على القيم والتنشئة عليها في استقرار المجتمع وتماسكه في حال الأزمات والتوترات، لما تقوم به من وظائف إلى جانب بقية مؤسسات المجتمع، وقد تنوب عنه أحيانا في بعضها، وقد استطاعت الأسر – خلال فترة الحجر التي فرضتها جائحة كورونا – أن تقوم بوظائف تعليمية وتربوية واجتماعية وأمنية وصحية في وقت توقفت فيه الكثير من مؤسسات المجتمع.
2: مقاربة النظر والتفكير في قضايا الأسرة:
إن أهم محدد نظري في مقاربة قضايا الأسرة هو المحدد المرجعي، فمكانة الأسرة في النص التشريعي تبرز المكانة البالغة التي حضيت بها، وتؤكد أن أي مقاربة لمواضيعها التشريعية والاجتماعية ينبغي أن تنطلق من المنطلقات المرجعية للمجتمع المغربي والتي تتعلق بالإسلام وقيمه وأحكامه وعادات المجتمع المغربي التي لا تتعارض مع هذه الثوابت. إن الدستور أسمى وثيقة قانونية يؤكد في المادة الثانية والثلاثين أن : “الأسرة القائمة على علاقة الزواج الشرعي هي الخلية الأساسية للمجتمع.”…..ومن جهة أخرى فقد أكد الخطاب الملكي لعيد العرش في يوليوز 2022، على ذلك، حيث جاء في مضمونه ” وبصفتي أمير المؤمنين ، وكما قلت في خطاب تقديم المدونة أمام البرلمان ، فإنني لن أحل ما حرم الله، ولن أحرم ما أحل الله ، لاسيما في المسائل التي تؤطرها نصوص قرآنية قطعية.
ومن هنا، نحرص أن يتم ذلك ، في إطار مقاصد الشريعة الإسلامية ، وخصوصيات المجتمع المغربي، مع اعتماد الاعتدال والاجتهاد المنفتح ، والتشاور والحوار ، وإشراك جميع المؤسسات والفعاليات المعنية.”
وكما يحتاج الموضوع إلى استحضار المرجعيات المؤطرة لمؤسسات المجتمع في أي اجتهاد أو نظر يحتاج إلى التكامل والتشاور في التفكير كما جاء في آخر مضمون الخطاب الملكي أعلاه، ويحتاج إلى المقاربة الشمولية والمؤسساتية بما يضمن تحقيق مصالح الأسرة واستقرارها وتماسكها وقيامها بأدوارها الاجتماعية والإصلاحية.
وستحاول المقالات القادمة بحول الله تحكيم هذا المنهج في النظر لمناقشة عدد من القضايا التي أثارت نقاشا علميا في الموضوع، مع استحضار المكانة والوظيفة المهمة لهذه المؤسسة في المنطلقات المرجعية وفي المجتمع. والهدف إثراء النقاش من منطلق علمي، وتسديد مقاربات الإصلاح بما يسهم في تماسك مؤسسة الأسرة واستقرارها وأدائها لوظائفها التربوية والاجتماعية..
د. محمد ابراهمي
عضو المكتب التنفيذي لحركة التوحيد والإصلاح
***
[1]: سورة النساء الآية 1.
[2]: المصدر نفسه، باب الفطرة، ج:1/ ص:336.