في ظلال حديث الرواحل – آية الخاردي

في زمننا هذا، أصبح الفساد ينتشر بكثرة، إذ تعددت صوره، وأصبح من النادر أن نجد أشخاصًا يسعون إلى الإصلاح بصدق. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث المرفوع عن أنس بن مالك “إنما الناس كإبل مائة، لا تكاد تجد فيها راحلة. “أي من بين كل مئة شخص، قد لا تجد إلا واحدًا قادرًا على تحمّل المسؤولية ومواجهة الشدائد. هؤلاء هم من تُبنى عليهم المجتمعات، وهم النور في أوقات الظلمة.
لكن أن يكون الإنسان صالحًا في نفسه فقط لا يكفي. فقد سألت أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها النبي صلى الله عليه وسلم “أنهلك وفينا الصالحون فأجابها: نعم، إذا كثر الخبث” أي أن كثرة الفساد تهلك المجتمع حتى بوجود الصالحين، إن لم يكن فيهم من يعمل على الإصلاح، وقد قال الله تعالى: (وما كان ربك ليهلك القرى وأهلها مصلحون). فالحماية من الهلاك لا تكون بوجود الصالحين فقط، بل بوجود المصلحين، الذين يقومون إذا رأوا المنكر، وينصحون، ويأمرون بالمعروف.
وقد شبّه النبي صلى الله عليه وسلم المجتمع بالسفينة في حديثه الشريف: عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال، قال رسول الله ﷺ “مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها، وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا”.
وهكذا حالنا اليوم إما أن نواجه مظاهر الاختلال والانحلال ونصلح بقدر المستطاع، أو نسكت ونتغاظى فنهلك جميعًا.
وأنت من بين المئة هل ستكون ذلك الراحلة؟
هل ستكتفي أن تكون صالحًا فقط، أم ستكون من القلّة التي تُصلح وتسعى لإنقاذ مجتمعها؟ فليس كافيًا أن تكون جيدًا، بل يجب أن تحمل هم الإصلاح، لأن المجتمع بحاجة لمن يقف في وجه الفساد ويحمي السفينة من الغرق.