في خضم الحملات العالمية لمناهضة العنف ضد النساء، الموس يكتب: لا يكرمهن إلا كريم
تنظم دول العالم ابتداء من اليوم الخامس والعشرين من شهر نونبر من كل سنة حملات تحسيسية في موضوع العنف ضد الناس. وقد كان شعار الأمم المتحدة لهذه السنة هو “جيل المساواة يقف ضد الاغتصاب” والتي ستسمر إلى العاشر من شهر دجنبر. والناظر إلى أحوال الأسرة المغربية يلحظ تناقضا كبيرا بين قيم الإسلام التي كرمت المرأة أما وبنتا وزوجة وأختا قريبة أو بعيدة، وبين بعض الممارسات والسلوكيات المشينة ومنها تعنيف المرأة أو اغتصابها.
وإذا كانت الدولة المغربية قد قامت بأعمال إيجابية في هذا السياق ومنها دخول قانون العنف ضد النساء حيز التنفيذ، وخطة إكرام، فإن المعول عليه لنجاح مثل هذه الحملات أن تتضافر جهود كل الفاعلين ، وأن يتم التركيز على القيم الإسلامية النبيلة لمقاومة بعض مظاهر السلوك المشين في حق المرأة، وتنزيله وفق مقتضيات قانونية ، وهو ما نحاول بسطه في هذه المقالة.
أولا: لا يكرمهن إلا كريم
إن الأصل في سلوك المسلم أن يعي أن النساء شقائق له، وأن من واجبه أن يكرمهن، وأن يحفظ لهن حقوقهن، وأن يتسامى عن تعنيفهن أو القبول بذلك. لقد جاء الإسلام فأعلى من قيمة النساء، وجعلهن شقائق للرجال في الأحكام. وعلّم النبي عليه الصلاة والسلام المسلمين أن يرفقوا بالنساء، وأن يحسنوا إليهن. وقد قال تعالى: { وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا } [النساء: 19]
ثانيا: الرفق بالنساء وحسن معاملتهن
تؤكد السنة النبوية؛ وهي التطبيق العملي لنصوص القرآن الكريم أن تعنيف النساء لا يليق بالمسلم، ويستوي في ذلك الواقع في حق عامة النساء أو خاصتهن كالزوجة والأبناء أو الأخوات، وهو يتنافى مع مقصد السكن الذي تقوم عليه الأسرة. روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لَا يَجْلِدُ أَحَدُكُمْ امْرَأَتَهُ جَلْدَ الْعَبْدِ ثُمَّ يُجَامِعُهَا فِي آخِرِ الْيَوْمِ»(البخاري)، وقد جعل النبي عليه السلام ضرب النساء سببا كافيا لنصح المرأة برفض خطبة الرجل، حيث روى البخاري عن فاطمة بنت قيس أنها استشارت النبي عليه سلم فيمن تقدم لخطبتها من الرجال فقال لها:« أَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَلَا يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ».
فمن كان متأسيا بالنبي عيه السلام فليرتق في حسن معاملة النساء، وليحذر من تعنيفهن أو إذايتهن.
إن بعض صور العنف ضد النساء سواء من طرف الأزواج، أو الآباء في حق بناتهن، أو الإخوة مع أخواتهن تمتح من بعض العادات والأعراف الجاهلية، ولا تنسجم مع هدي نبي الرحمة الذي لم يكن فظا ولا غليظا .
ثالثا: الموالاة بين الرجال والنساء ومسؤولية حفظ الحقوق
من الأسس التي ينبغي التركيز عليها في هذا الموضوع أن نذكر أن الإسلام أعلى من قيمة الموالاة بين أفراد المجتمع، وأمر الفرد بأن ينتصر للمظلوم ولو على نفسه أو أفراد أسرته. وإن مبدأ تغيير المنكر يندرج ضمن هذه المعاني. فليس من المقبول شرعا أن يرى الإنسان فتاة تغتصب أو تعنف ولا يحرك ساكنا، ولا يستنكر ذلك. روى البخاري عن البَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: ” أَمَرَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْعٍ، وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ فَذَكَرَ منها: َنَصْرَ المَظْلُومِ”.
رابعا: حقوق الأرملة ومن لا زوج لها
ومما يدخل في هذا الجانب الحاجة إلى مواكبة التشريعات لحقوق المرأة في كافة مراحل حياتها. ولذلك ينبغي مراجعة التشريعات المرتبطة بالمرأة والأسرة. ولعل من المآسي التي ينبغي التعجيل بمراجعتها حرمان الأرملة من معاش زوجها حين تتزوج، حيث يطلب منها أن تحرم نفسها من الزواج لأجل الاحتفاظ بالمعاش أو الزهد فيه إن اختارت الزواج ثانية.
د. الحسين الموس