فلسطين بين قوسين.. فلسطين بلا أقواس – الحبيب عكي
كثيرة هي التحديات التي تواجهها القضية الفلسطينية في الوقت الراهن، وخاصة كل هذا الطول المزمن الذي لازال يلفها باعتبارها أقدم تصفية استعمارية لازالت تستعر أطوارها الشرسة على أزيد من قرن من الزمن (منذ 1917)، ولاشك أن هذا الطول الممتد عبر خريطة القضية وتضاريسها الوعرة والنتائج التي لا تكاد تتغير، بل تتراجع لصالح المشروع الاستيطاني للعدو المتغطرس وحلفائه المتواطئين، كل هذا ولاشك أحدث نوعا من الإنهاك والتراخي المتنامي في التعامل مع القضية، لا مع بعض الرؤساء المطبعين ولا مع غيرهم من المهرولين، وربما إلى درجة أصبح فيها الدفاع عن الحق المشروع للقضية وأهلها، لا يأتي إلا بين قوسين أو أقواس ليس لنا فيها لا حق الفتح ولا حق الإغلاق:
1- قوس الحركة التضامنية المشروطة بالإثارة من طرف العدو وما يسيله في أبنائنا من الدماء.
2- قوس معظم التضامن الشعبي بمجرد الشعارات والهتافات وربما بعض الأنشطة والمهرجانات.
3- قوس عدم جدوى الدبلوماسية العربية في المحاكم العالمية و المحـــافل الدولية.
4- قوس الانقسامات العربية بين التضامن مع القضية والتحامل والتحريض ضدها.
5- قوس الهرولة إلى التطبيع والخيانة العظمى.
6- قوس شيطنة المقاومة والتحريض ضدهــــا.
7- قوس المتاجرة السخيفة والمزدوجة بالقضية من طرف الدول الكبرى.
8- قوس الكيل بمكيالين بين أصحاب الحقوق الشرعية والكيان الغــاصب.
9- قوس عجز المنتظم الدولي عن فرض احترام ما يسمى بقرارات الشرعية الدولية.
10- قوس المبادرات العربية والدولية وما تعرفه من بهرجة وبلطجة، وفي الأخير ليلغي بعضها البعض؟؟.
لتبقى القضية “بين قوسين” على حد تعبير الكاتب المغربي “مصطفى منيغ”، وكأنها مجرد العواطف (أضعف الإيمان) التي تنتظر الحلول (وقد طال انتظارها) وتشعبت وقائعها وتعقدت مستجداتها ومتطلباتها:
1- فلسطين القضية واضحة: احتلال.. عدوان.. استيطان.. فقدان السيادة.. غياب الدولة..، أين الحلول؟
2- فلسطين العقيدة واضحة: الوحدة العربية.. الأخوة الإسلامية.. الشرعية الدولية.. النصرة الشعبية.. فأين الحلول؟
3- فلسطين الإشكالات واضحة: اللاجئين..المهجرين..السجناء..المحاصرين..المطبعين..المنقسمين..فأين الحلول؟
4- فلسطين الخيبات واضحة: مفاوضات ماراطونية..عدوان دائم على شعب أعزل.. استنزاف الطاقات والموارد والمؤيدين والمساعدين.. فأين الحلول؟
5- فلسطين حتى التضحيات والانتصارات والمعجزات واضحة: الصمود والتحدي.. المقاومة والاستبسال.. حراسة المقدسات في الأقصى والتشبث بالقدس عاصمة أحادية وأبدية.. فلماذا السعي في التطبيع (الذي يبقي المظالم على حالها) بدل السعي في التحرير (الذي يعيد الحقوق إلى أهلها)، ولماذا فرض الحلول المرفوضة والتي تبقي على كل مشاكل الفلسطينيين بل وتعمقها وضمنها:
1- الاحتلال الغاصب.
2- الاستيطان وفرض سيادة العدو بشكل أو بآخر حتى على المنـاطق المحررة.
3- الانقسام الداخلي والمس بالوحدة الوطنية بين ضفة “عباس” وغزة “هنية”.
4- أزمة الرواتب والمساعدات وجحيم الحواجز والمعابر للاشتغـال في “إسرائيل”.
5- الهرولة إلى التطبيع حتى من بعض الداخل الفلسطيني المتمثل في السلطة فداء “أسلو” و”المفاوضات”.
6- مقاومة المقاومة والتحريض على حصار قطاعها و نزع سلاحها وعزل زعامتها واغتيالها قــــــــادته.
7-اللاجئين والمهجرين والأسرى والسجناء والمحاصرين وبعضهم يختزلون القضية اليوم في انفكاكهم ممـــــا هم فيه.
8- تهويد القدس وهدم الأقصى والحفريات تحته.
9- عرب 48 ومشاركتهم في الكنيست الإسرائيلي.
10-مفاوضات السلام التي لا تؤدي إلا إلى مزيد من الاستسلام، ومزيد من اقتطاع الأراضي وبناء المستوطنات.
11-هشاشة الموقف العربي الإسلامي بين التخاذل والتطبيع، والانحياز الواضح للمنتظم الدولي اتجاه الكيان.
12-الخلط بين الثورة والسلطة وصعوبة الانتقال من الأولى إلى الثانية التي تختزل القضية فيها، رغم أن الواقع غير ذلك، مما يجعل أمل الثائرين وحماسهم ونضالهم والتزامهم يخبو ويتراجع مع هذه المتناقضات.
وهكذا ستبقى فلسطين امتحانا حقيقيا، لكل مناضل وفي وكل مناصر مخلص، فردا أو هيئة.. أو مثقفا أو حقوقيا.. أو مجتمعا مدنيا أو أهليا.. أو حتى جهة رسمية وشعوبا عربية وإسلامية وغيرها، لكن بأية أدوار نضالية وأية مهام طلائعية وعلى أكثر من صعيد وأكثر من واجهة، مادية ومعنوية، تاريخية وحقوقية، عقائدية واجتماعية..، يتربص بها أعداء داخليون وخارجيون وحتى ذاتيون ومن ذلك:
1- مقاومة الملل والشعور بالإنهاك، فإنما يربح المعارك الأقوياء على الصبر والإصرار والثبات والاستمرار.
2- مقاومة تزييف الوعي بالقضية وقبول غير المقبول من حلولها.
3- مقاومة الانسحاب من الميدان والتولي يوم العسرة عن النصرة.
4- مقاومة انفراد السياسي بالقضية والتقرير باسمها دون تفويض من الأمة.
5- مقاومة الحلول المغشوشة التي تهدر دماء أجيـــال وأجيــال من الشهداء.
6- مقاومة أساليب العدو وإفشال خططه في البحث عن صيده وطرائده فــي التطبيع.
7- مقاومة النفاق الدولي والكيل بمكيالين طوال تاريخ القضية، والبحث عن سبل إلزامه بالعدل والإنصاف.
8- وضع تصور معاصر للقضية يستحضر تضحيات الماضي ولا ينسى تحديات الحاضر وتطلعات المستقبل.
9- إبراز الممكن من الحلول، المقبول منها والمرفوض، الآني والمستقبلي(غزة نموذجا).
10- تنظيم أنشطة تربوية وثقافية والتشجيع على إبداعات فنية وكتابات أدبية وحملات اجتماعية تروي عطش النشء في التعرف على القضية و مؤازرتها ونصرتها على أوسع نطاق ممكن.
11- التنسيق الممكن بين كل جبهات ومنظمات مقاومة التطبيع القطرية في أفق جبهة مدنية عالمية لنصرة القضية على أرض الواقع و في المحافل الدولية، على غرار كل المجتمعات المدنية الغربية والحيوية لها قضايا وهموم تدعمها و تناضل من أجلها بكل الأشكال وفي كل المحافل، وتحقق في ذلك تقدما ملحوظا على مستوى صناعة القرار القطري والعالمي، خاصة في مجالات الحقوق والحريات والبيئة والمناخ و محاربة الفقر والهشاشة…
12- وأخيرا، ضرورة مقاومة الانقسام والصراع الداخلي والحرص على وحدة الوطن والمشروع والعدو والقضية والمصير، مع الموضوعية في تقييم الذات الإسلامية والعلمانية على السواء، فعمق تراجع القضية يفضح الجميع، وفي عهدهم تقع كل هذه النكبات الاستيطانية والتطبيعية وغيرها، وفي هذا الصدد يرى بعض المهتمين بضرورة تجديد القيادة السياسية و النضالية والثقافية والفنية المتصدرة للمشهد، وامتلاك آلية فعالة لذلك، وفي هذا الصدد يرى كاتبنا المحترم “مصطفى منيغ” في مقاله الرائع “فلسطين بين قوسين”:”أن “عباس أبو مازن” قد استنفذ أغراضه وعليه أن يغادر، لأنه لم يعد يقدم للقضية غير التراجع السريع إلى دركات خطيرة وغير مسبوقة وكل شيء فيها يتدهور، إذ منذ 2014 آثر – على ما يبدو – مكتبه المكيف ولم يتحرك إلا للتسول على موائد التظاهرات المناصرة للقضية، حتى ولو كانت مائدة أسوأ جامعة مناصرة للقضايا وهي الجامعة العربية، وينبغي أن يتم هذا قبل أن توقظ جائحة “كورونا” بالقوة معظم المناصرين لينفضوا رغبة ورهبة عن شيء اسمه وهم القضية أو القضية بين قوسين”.
نعم، إزاء القضية وطول مسارها وتعقد واقعها وصعوبة مآلها وتعدد أطرافها..، قد ينحرف المنحرفون.. ويتراجع المتراجعون.. ويستسلم ويتساقط المتساقطون.. ويطبع المطبعون.. ويهرول المهرولون.. ويسترزق المسترزقون.. ويبتز المبتزون..وقد..وقد.. وكلها مواقف غير مقبولة بكل منطق شئت أو يشاءون، وبنفس المنطق نقول:”لا لفلسطين بين قوسين.. نعم لفلسطين بلا أقواس، إلا أقواس القدس والأقصى.. وأقواس عكا وحيفا.. أقواس النصر في طبرية والناصرية، أقواس الموت والشهادة وقوفا شامخا.. لا أقواس الموت والذل والخذلان ركوعا وخنوعا.