عن قرار المحكمة الجنائية الدولية – لمى خاطر
قبل ثلاثة أيام صدر قرار عن الدائرة التمهيدية الأولى في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، يقضي بأن للمحكمة ولاية قضائية على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967م، ما يعني اختصاصها في فتح تحقيق ضد الاحتلال في ارتكابه جرائم حرب في هذه المناطق.
السلطة الفلسطينية احتفت بالقرار وعدّته نصرًا قانونيًّا، والفصائل الفلسطينية رحبت به، أما رئيس حكومة الاحتلال نتنياهو فاتهم المحكمة بمعاداة السامية وازدواجية المعايير، وصرح لاحقًا الناطق باسم المحكمة الجنائية أن الكيان الإسرائيلي غير ملزم بالتعاون مع المحكمة لكونه غير منضم إلى نظام روما الأساسي للمحكمة، في حين حذّر مختصون قانونيون من كون قرارات المحكمة الجنائية الدولية المتعلقة بفلسطين قد تكون سلاحًا ذا حدّين، مع إمكانية إدانة المقاومة الفلسطينية وقادتها أيضًا.
مع هذه المعطيات لا نستطيع تجاهل أهمية القرار، لكونه خرج للنور متجاوزًا عوامل الضغط الصهيونية والأمريكية المختلفة، ومتجاهلًا تلك الصلافة التي تتعامل بها حكومة الاحتلال الصهيوني مع قرارات دولية كهذه، لكن السؤال الأهم في إطار تقييم القرار هو: هل سيفضي إلى محاسبة الاحتلال بعد التحقيق في جرائمه؟ وهل سينجح في جلب مجرمي الحرب الصهاينة إلى المحكمة الجنائية الدولية؟ ولعلّ الإجابة معروفة قياسًا على قرارات دولية سابقة لم تفلح في التحول إلى خطوات عملية تحاسب الاحتلال على جرائمه المختلفة، أو تلزمه بالكف عن المزيد منها.
في عام 2004م صدر قرار محكمة العدل الدولية في لاهاي، القاضي بعدم شرعية جدار الفصل العنصري الاستيطاني الذي شرع الاحتلال في إنشائه منذ عام 2002م، ومع ذلك استكمل بناء الجدار وظل قائمًا حتى اللحظة، ثم كان قرار جولدستون الذي أدان الاحتلال الصهيوني على جرائمه في حرب 2008م على غزة، دون أن تتطور الإدانة إلى محاسبة من أي نوع، ثم تكررت جرائم الاحتلال وتضاعفت في حربي 2012م و2014م في غزة، وظلت الضفة الغربية رهينة سرطان الاستيطان المتصاعد، وصولًا إلى خطة الضم لنحو 30% من مساحة الضفة الغربية، التي دخلت حيّز التنفيذ عمليًّا منذ مدة، مع مجاهرة الاحتلال بعزمه على المضي فيها منهيًا إمكانية قيام دولة فلسطينية على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967م.
بعبارة أخرى: تبدو هذه القرارات الدولية في جوهرها ومآلاتها مشابهة للتوصيات التي تصدرها منظمات حقوق الإنسان بشأن الانتهاكات التي تمارسها الأنظمة الحاكمة في العالم، في حين تبقى حبرًا على ورق، وتتلخص فائدتها في تسليط الضوء على الحالات المنتهكة، ما يتيح خدمتها إعلاميًّا بالدرجة الأولى، أي أن هذه القرارات ستظل خطوة ناقصة ما لم يترتب عليها إجراءات عملية بمحاسبة قادة الاحتلال على جرائمهم، أو إلزامهم وقفها، أو حملهم على التفكير بعواقبها دوليًّا على أقل تقدير.
لذلك ثمة ضرورة للاقتصاد في الاحتفاء بهذا القرار، ولعل تعبير “انتصار” يبدو مبالغًا فيه، ذلك أن الانتصار يتحقق عندما يتحصّل الردع، وإرغام الاحتلال على وقف سياساته الإرهابية المختلفة، سواء تعلقت بالأرض أم بالإنسان عليها.
ينبغي ألا يكون القرار نهاية المراد، هو خطوة إيجابية صغيرة في سياق المعركة القانونية ضمن نظام دولي ظالم ومنحاز للاحتلال، إنما يلزم إسناد الخطوة بمزيد من الجهد في هذا الإطار، وفي إطار إعادة الاعتبار لأصل القضية الفلسطينية وحقيقة الاحتلال فيها، مع عدم إغفال حقيقة أن ردع المحتل وكفّ يد إرهابه وعدوانه وتمدده الاستيطاني إنما تأتي من الجهد المبذول وطنيًّا على صعيد مقاومته ومكافحة سياساته، وقبل ذلك الدفاع عن حق الشعوب المحتلة في مقاومة محتلها بجميع الوسائل، وعدم قبول أي مساومة على هذا الحق، للتخلي عنه أو الإذعان لتجريمه، مهما كان الثمن.
لمى خاطر
تنبيه: المقال هو تعبير عن رأي كاتبه وليس بالضرورة يعبر عن وجهة نظر الموقع