عمال العالم يخلدون عيدهم الأممي في زمن “كورونا”.. تداعيات ودعوات
تخلد المنظومة الأممية للعمال في العالم ذكرى فاتح ماي في ظل تفشي “فيروس” كورونا وتداعياته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، حيث حذرت منظمة العمل الدولية في هذا الإطار من أن استمرار التراجع الحاد في ساعات العمل في العالم بسبب تفشي وباء كوفيد-19 يعني أن 1.6 مليار عامل في الاقتصاد غير المنظم (أي قرابة نصف القوى العاملة العالمية) يواجهون خطرًا مباشرًا بتدمير مصادر عيشهم.
قصة فاتح ماي
اليوم العالمي للعمل، عيد العمال، أو عيد الشغل، هو احتفال يقام في فاتح ماي من كل سنة، في دول عديدة حيث تضرب فيه ملايين المؤسسات ومئات الملايين من العمال عن العمل، وهو يخلد ذكرى من سقط من العمال والقيادات العمالية، التي دعت إلى تحديد ساعات العمل بثماني ساعات يوميا، وتحسين ظروف العمل.
ويعود أصل هذا الاحتفال السنوي إلى الإضراب الكبير في مدينة شيكاغو بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1886، ودول أوربية عديدة في ذلك الوقت من الرأسمالية إلى الإمبريالية، فقد استمر الرأسماليون في زيادة وقت العمل لتحفيز تطور الاقتصاد بسرعة شديدة، واستغلوا العمال بصورة قاسية، فكان العمال يعملون من 14 إلى 16 ساعة كل يوم، وينالون أجورا قليلة، فيما أثار هذا الاضطهاد الشديد غضب العمال، وأدركوا أن اتحادهم وكفاحهم ضد الرأسماليين من خلال الإضرابات، هو الطريقة الوحيدة لنيل ظروف معيشية معقولة، وطرحوا شعار الإضراب، وهو “نظام العمل لثماني ساعات”.
وتم الاحتفال به في الولايات المتحدة الأمريكية في الخامس من سبتمبر، عام 1882 في مدينة نيويورك. وفي أعقاب وفاة عدد من العمال على أيدي الجيش الأمريكي ومارشالات الولايات المتحدة خلال بولمان سترايك أو إضراب بولمان عام 1894، وضع الرئيس جروفر كليفلاند تسويات مصالحة مع حزب العمل باعتباره أولوية سياسية. وخوفاً من المزيد من الصراعات، تم تشريع عيد العمال وجعله عطلة وطنية من خلال تمريره إلى الكونجرس والموافقة عليه بالإجماع، فقط بعد ستة أيام من انتهاء الإضراب.
ففي عام 1877، بدأ أول إضراب على المستوى الوطني في تاريخ أمريكا، ونظّم العمال مظاهرة كبيرة، واندفعوا إلى الشوارع، وطالبوا الحكومة بتحسين ظروف العمل والعيش، وتقصير دوام العمل إلى ثماني ساعات يومياً، وازداد عدد المتظاهرين والمضربين بسرعة في بضعة أيام، ما جعل الحكومة الأمريكية تحت هذه الضغوط الكبيرة إلى وضع قانون لتحديد دوام العمل اليومي بالساعات المطروحة، غير أن الرأسماليين لم يلتزموا بهذا القانون أبدًا، بل واصلوا استغلالهم للعمال، واستمر العمال بالعمل بلا انقطاع.
وفي عام 1884 اجتمعت ثماني نقابات كندية وأمريكية في شيكاغو الأمريكية، وقررت الدخول في إضراب شامل في الأول من ماي عام 1886، لأجل إجبار الرأسماليين على تطبيق قانون العمل لثماني ساعات.
وبالفعل توقف في الأول من أيار 350.000 عامل في أكثر من 20.000 مصنع أمريكي عن العمل، وخرجوا إلى الشوارع في مظاهرة ضخمة، وشلت هذه المصانع الكبيرة، وحاولت الحكومة قمع المظاهرة بالقوة، الأمر الذي أشعل نيران كفاح العمال في أنحاء العالم، ودخل العمال في أوروبا، والقارات الأخرى في إضرابات واحداً تلو الآخر، وبعد شهر اضطرت الحكومة الأمريكية إلى تنفيذ قانون العمل لثماني ساعات بفعالية.
وفي عام 1889، افتتح مؤتمر النواب الاشتراكيين الدولي في باريس الفرنسية، وقرّر المؤتمر تحديد الأول من مايو كل سنة عيداً مشتركاً لجميع البروليتاريين في العالم، وفي هذا اليوم من عام 1890 بادر العمال في أمريكا وأوروبا بتسيير مظاهرات كبيرة للاحتفال بنجاح كفاح العمال، ليصبح الأول من أيار يومًا لكل عمال العالم.
عمال يخسرون وظائفهم بسبب تداعيات “كورونا”
فبحسب “الإصدار الثالث من مرصد منظمة العمل الدولية: كوفيد-19 وعالم العمل “، يتوقع أن يكون التراجع في ساعات العمل في الربع الحالي (الثاني) من 2020 أسوأ بكثير من التقديرات السابقة.
فبالمقارنة مع مستويات قبل الأزمة (الربع الرابع من 2019)، من المتوقع الآن أن يصل التراجع إلى 10.5 بالمئة (أي 305 مليون وظيفة بدوام كامل تقريباً، بافتراض 48 ساعة عمل في الأسبوع). بينما كانت توقعات التراجع السابقة 6.7 بالمئة، أو 195 مليون وظيفة بدوام كامل. ويعود ذلك إلى طول فترة تدابير الإغلاق وتمديدها.
إقليمياً، تدهور الوضع في جميع المناطق الرئيسية في العالم. وتشير التقديرات إلى أن أمريكا الشمالية والجنوبية ستخسر 12.4 بالمئة من الوظائف مقارنة مع الفترة السابقة للأزمة، بينما ستخسر أوروبا وآسيا الوسطى 11.8 بالمئة من وظائفهما. والتقديرات الخاصة ببقية المناطق الكبرى قريبة جداً من هذه النسب وجميعها يتجاوز 9.5 بالمئة.
“العمل الدولية” تدعو إلى تبني تدابير عاجل لدعم العمال
وتدعو منظمة العمل الدولية اليوم في ظل ظرفية فيروس “كورونا” إلى تبني تدابير عاجلة، هادفة ومرنة، لدعم العمال والشركات (وخاصة المنشآت الصغيرة والعاملين في الاقتصاد غير المنظم وغيرهم من المعرضين للخطر). ويتعين على خطوات إعادة تنشيط الاقتصاد اتباع منهجية تركز على الوظائف، وتدعمها سياسات ومؤسسات توظيف أقوى، وأنظمة حماية اجتماعية أغنى بالموارد وشاملة للجميع. كما يحظى التنسيق الدولي بشأن حزم الحوافز وتدابير تخفيف الديون بأهمية كبيرة أيضاً لجعل التعافي فعالاً ومستداماً. ويمكن لمعايير العمل الدولية، التي تحظى بإجماع المكونات الثلاثية من قبل، أن توفر إطار عمل مناسب.
الإصلاح