علاقات مميزة.. مشاعر ممتدة – أمال رغوت
وتستمر الجمع البيضاء، جمع الطهر والنقاء.. جمع الحب والصفاء.. ونتوقف فيها لنتأمل في مشاعر هذا المسلم ومشاعر الكون من حوله وقد توحدت في حب النبي الكريم: قال صلى الله عليه وسلم رسول الله : ( إنه ليس شيء بين السماء والأرض إلا يعلم أني رسول الله إلا عاصي الجن والإنس ) أخرجه احمد (صحيح لغيره) الارناؤوط
مشاعر موحدة يخط لنا الحبيب المصطفى معالمها وملامحها وامتداداتها:
ففي اختيار الصحبة: (لا تصاحب إلا مؤمناً ولا يأكل طعامك إلا تقي )ابو داود صححه الألباني
وفي عبادة الدعاء: عن أبي الدرداء – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما من عبد مسلم يدعو لأخيه بظهر الغيب إلا قال الملك : ولك بمثل) مسلم
وفي حب الخير: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) البخاري
وفي المؤازرة: عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال : ( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً ) [وشبك بين أصابعه ]. البخاري
وفي الدفاع عن عرض أخيه : (من رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة ) صحيح سنن الترمذي
وفي النصرة: (انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً ) قالوا : يا رسول الله ! هذا ننصره مظلوماً، فكيف ننصره ظالماً ؟ قال : ( تأخذ فوق يديه ) البخاري
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يُسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة)البخاري
هذه المعاني تربى عليها الصحابة الأكارم رضوان الله عليهم ولا غرو أن نجد نموذجا حيا في مشاعر الشوق والاشتياق يجسده سيدنا الفاروق :
عن الحسن أن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه كان يذكر الأخ من إخوانه الليل، فيقول : ما أطولَها من ليلة، فإذا صلى الغداة غدا إليه، فإذا لقيه التزمه أو اعتنقه ) ذكره أحمد في الزهد ص١٥٢
بل حرك الحبيب المصطفى ذه العلاقات والمشاعر حتى طالت الجمادات: – جبل أصم-
عن أنس – رضي الله عنه – قال : نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أُحُد، فقال : ( إن أُحُداً جبل يحبنا ونحبه )مسلم .
وعن قتادة أن أنس بن مالك – رضي الله عنه – حدثهم أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد أُحُداً، وأبو بكر وعمر وعثمان، فرجف بهم، فقال : ( اثبتْ أُحُدُ ! فإنما عليك نبيٌّ وصدِّيق وشهيدان ) البخاري
مشاعر ممتدة بعد الممات:
وها هنا مثال رائع في الحب والفداء فقد غزا سيدنا أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه الروم فمرض، فلما حُضِر قال : ( أنا إذا مت فاحملوني، فإذا صافعتم العدو فادفنوني تحت أقدامكم، وسأحدثكم حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لولا حالي هذا ما حدثتكموه : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة) اخرجه أحمد
فأبو أيوب – رضي الله عنه – يذكِّر نفسه بما ينبغي أن يموت عليه، ويذكِّر أصحابه بالرسالة التي لأجلها خرجوا ولأجلها تآخوا وتحابوا، ويضرب أروع مثال للفداء والتضحية من أجل هذه الرسالة، وهو الحرص على إبلاغ الرسالة وعلى امتداد جهاده بعد موته، وذلك بتكريس إسلامية أرض فتحها المسلمون، بدفنه فيها.
وهاهو سيدنا أيوب قد فارق دنيانا مئات السنين ونحبه ونحب الأرض التي دفن فيها لأنها أرض فتح مبارك.
ولحظات الموت والدفن مكتوبة على كل بني آدم وقد تكون ساعات الفراق قاسية صعبة على من ذاقها ولكن إسلامنا الجميل يجعل مشاعرنا موصولة مع الاموات وان فارقوا دنيانا من خلال أعمال وسنن علمنا إياها رسولنا الكريم، ففي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عن البيت الحرام : (قبلتكم أحياءاً وأمواتاً) ابو داود وحسنه الالباني
فكل مسلم مات وغسل وكفن يدفن متوجهاً إلى القبلة
كما أنه ينحاز إلى إخوانه المسلمين الأموات، فلا يدفن في مقابر غيرهم، وفي المقابل : لا يُدفن غير مسلم في مقابر المسلمين [أحكام الجنائز للألباني ص١٧٢م ٨٨].
وبعد الدفن يقف المسلمون عند قبر أخيهم يسألون له التثبيت : (استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت؛ فإنه الآن يُسأل ) صحيح سنن ابي داود،
والمسلم إذا مر على مقابر إخوانه المسلمين سلَّم عليهم ودعا لهم : ( السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله للاحقون، أسأل الله لنا ولكم العافية ) مسلم
ولا تقف العلاقة عند هذا الحد، بل تمتد حتى لما بعد البعث؛ فيوم القيامة يحشر الناس بحسب متابعتهم ومشابهتهم الإيمانية في الدنيا : { يوم ندعو كل أناس بإماهم } [الإسراء : 71]، { احْشُرُوا الَذِينَ ظَلَمُوا وأَزْوَاجَهُمْ ومَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (22) مِن دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إلَى صِرَاطِ الجَحِيمِ (23) وقِفُوهُمْ إنَّهُم مَّسْئُولُونَ } [الصافات : 22 – 24]، وهنا يبرز مآل المشاعر، والعلاقات بين الناس : {الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إلاَّ المُتَّقِينَ } [الزخرف : 76]، ولا شك أن ذلك أثر لما كان في الدنيا :
عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( المرء مع من أحب، وأنت مع من أحببت ) صحيح سنن الترمذي.
فاللهم رقِّ مشاعرنا وطهرها ونقِّها واحشرنا مع الصالحين
وصلى ربي على سيد المحبين والمربين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.