عبد الله الفاسي يكتب: خطاب العرش 2025.. خطاب الجدية والثقة والكرامة

لقد جاء خطاب العرش لسنة 2025 الذي ألقاه صاحب الجلالة الملك محمد السادس، مفعمًا بالنَّفَس الإيجابي، راسخًا في عمق الشرعية التاريخية والواقعية، جامعًا بين الطابع التوجيهي والسيادي، ومشحونًا برسائل الأمل والجدية والثقة في قدرات الوطن والمواطنين، خصوصًا الشباب.
- الجدية كمفهوم تأسيسي للمرحلة المقبلة
إنّ المفهوم المحوري الذي شكّل العمود الفقري للخطاب هو لازمة “الجدية”، وقد تمّ تقديمه لا كقيمة أخلاقية فقط؛ بل كـ”مذهب حياة”، ومقاربة عملية يجب أن تسري في كل مفاصل الدولة والمجتمع: من السياسة إلى الاقتصاد، ومن الإدارة إلى الثقافة، ومن التنمية إلى العدالة.
وإنّ الجدية هنا تُطرح كعلاج لحالة التراخي أو التردد التي قد تعيق التحول البنيوي، وكشرط للانتقال من منجزات متراكمة إلى قفزات نوعية. إنها دعوة إلى الانضباط والمسؤولية وربط القول بالفعل.
- تثمين المنجزات: من ترشيح مونديال 2030 إلى سيارات مغربية الصنع
لقد أبرز الخطاب باعتزاز النموذج المغربي في تحقيق الإنجاز رغم التحديات: من خلال الإشادة بنجاح المنتخب الوطني في كأس العالم؛ الذي كان مدخلاً للحديث عن الوحدة الوطنية والفخر الجماعي؛ بينما شكّلت مشاريع الصناعة المغربية (السيارة الوطنية، والهيدروجين الأخضر) برهانًا على نبوغ الشباب المغربي وتحوّل شعار “صُنع في المغرب” إلى حقيقة.
هذه المنجزات لم تُقدَّم باعتبارها إنجازات معزولة، بل كأمثلة لما يمكن تحقيقه إذا توافرت الإرادة وتم تحفيز الطاقات.
- قضية الصحراء: ثبات في الموقف وتوسيع للاعتراف الدولي
وفي ملف الوحدة الترابية؛ جدّد الخطاب التأكيد على مركزية الصحراء المغربية في السياسة الوطنية؛ مُبرزًا التقدم الحاصل على مستوى الاعتراف الدولي. مع التّذكير بالموقف المتوازن للمغرب؛ الذي ما فتئ يذّكّر بدعمه الثابت للقضية الفلسطينية، في تناغم مع المرجعيات التاريخية والروحية للمملكة.
- البُعد الاجتماعي : الحماية، الكرامة، التعويضات المباشرة
ولم يُغفل الخطاب الواقع الصعب الذي تمرّ به العديد من الأسر بسبب انعكاسات الأزمات العالمية والجفاف. لكنه قدّم مشروع التعويضات الاجتماعية المباشرة كأفق جديد يعيد رسم العلاقة بين الدولة والمواطن، ويجعل من الكرامة الاجتماعية محورًا للنموذج التنموي. وهذه الخطوة المنتظرة ليست فقط تدبيرًا ظرفيًا، بل توجه استراتيجي لتعزيز العدالة الاجتماعية ومحاربة الفقر والهشاشة بشكل عملي.
- الماء، المناخ، والاستثمار الأخضر : رؤية استباقية
وفي سياق ندرة المياه وتغير المناخ؛ شدد الخطاب على خطورة سوء التدبير، داعيًا إلى يقظة مستمرة وربط واضح بين الحكامة البيئية والاستقرار الوطني. ومعتبرا الاستثمار في الهيدروجين الأخضر والطاقة المتجددة ليس فقط أولوية اقتصادية، بل رهانا استراتيجيا مستقبليا.
- العفو الملكي : رمزية السيادة والرحمة
إنّ العفو الملكي الذي رافق خطاب العرش هذه السنة، وشمل فئات من المعتقلين والموجودين في حالة سراح، يُجسّد البُعد الإنساني للمؤسسة الملكية، ويبعث برسائل واضحة:
- الإيمان بفرصة التوبة والإدماج،
- تغليب منطق الرحمة والصفح،
- وتعزيز المصالحة المجتمعية كأساس للوحدة الوطنية.
وهذا العفو؛ في سياق خطاب محوره الجدية والانبعاث، يعبّر عن توازن فريد بين الصرامة في التوجه والرأفة في الممارسة,
7– دعوة لعودة العلاقات الطبيعية مع الجزائر
في مشهد إقليمي مأزوم، اختار العاهل المغربي أن يُخاطب الشعب الجزائري مباشرةً؛ مؤكدًا على المحبة والتاريخ المشترك، والاستعداد لبناء علاقات طبيعية خالية من التوتر. في رسالة صادقة مسؤولة؛ تقدّم المغرب مرة أخرى كنموذج في منطق اليد الممدودة.
الخلاصة
إنّ خطاب العرش لسنة 2025 يُمكن اعتباره خطابًا مرجعيًا بامتياز، لأنه:
- رسم خريطة طريق دقيقة للمرحلة المقبلة،
- أعاد الثقة في قدرة الدولة والمجتمع على تجاوز الأزمات،
- وارتكز على قيم وطنية عريقة، في مقدمتها الجدية، العمل، والعدالة.
- إنه خطاب جامع بين الصرامة الإصلاحية والرحمة الملكية، وبين الفعل الواقعي والأفق المستقبلي، وبين الوفاء للثوابت والانفتاح على التغيير.