عبد الله الفاسي يفكّك شفرة الدّعم الأمريكي للكيان المحتلّ 2/3

الحلقة الثانية: ترامب وبايدن.. مَن الأكثر دموية في دعمه لإسرائيل؟

منذ عقود ظلّت القضية الفلسطينية مرآة تكشف جوهر السياسات الأمريكية، حيث التزمت واشنطن، بجمهورييها وديمقراطييها، بالدعم غير المشروط لـ”إسرائيل”. والمقارنة بين إدارة دونالد ترامب (بنسختيها الأولى 2017-2021 والحالية منذ مطلع 2025) وإدارة جو بايدن (2021-2025) تكشف أنّ الفارق بينهما لم يكن في المبدأ؛ بل في الدرجة والأسلوب، بينما ظلّ الدم الفلسطيني هو الثمن الثابت.

أولاً: على مستوى الدعم العسكري

في ولايته السابقة 2017-2021 ، قدّم ترامب أكبر حزمة مساعدات عسكرية في التاريخ بقيمة 38 مليار دولار، إلى جانب صفقات متطورة لطائرات “إف-35″، مسرّعاً شحنات السلاح أثناء عدوان 2018 على غزة.

بايدن من جهته، أقرّ بعد هجوم 7 أكتوبر 2023 مساعدات إضافية بقيمة 14.5 مليار دولار، وعرقل ثلاث محاولات أممية لوقف إطلاق النار، فيما واصل تمويل “القبة الحديدية” دون أي ضغط حقيقي على الاحتلال.

أما ترامب في الولاية الحالية ، فيُعلن منذ اليوم الأول أنّه “الصديق الأكبر لإسرائيل في التاريخ”. فقد بدأ الحديث عن شراكة دفاعية جديدة مع حكومة نتنياهو، تشمل تطوير أنظمة مضادة للطائرات المسيّرة والصواريخ الإيرانية، وربما إنشاء مصانع أسلحة مشتركة داخل إسرائيل نفسها. وإذا ما تحقّق ذلك، فإنّ شحنات السلاح لن تبقى مجرد دعم خارجي، بل ستتحول إلى اندماج مباشر بين المجمع الصناعي العسكري الأميركي والآلة الحربية الإسرائيلية.

ثانياً: على مستوى التطبيع وتوسيع النفوذ الإسرائيلي

دشّن ترامب اتفاقيات أبراهام عام 2020، فاتحاً باب الخليج أمام الاستثمارات الإسرائيلية، فيما طرح “صفقة القرن” التي أرادت تكريس الهيمنة على الأرض الفلسطينية.

واصل بايدن هذا النهج بمشاريع “ناعمة”، أبرزها مشروع الربط الكهربائي بين السعودية وإسرائيل عبر الأردن، لكنه لم يعاقب تل أبيب حين أعلنت ضمّ الأغوار في 2024، مكتفياً ببيانات ديبلوماسية باردة.

ومع عودة ترامب للحكم في بناير 2025، تلوح في الأفق مؤشرات قوية على أنّ المرحلة المقبلة ستشهد دفعاً نحو “أبراهام 2.0″، تشمل دولاً عربية وإفريقية إضافية، مع ربطها بمشاريع استثمارية ضخمة قد تخدم مصالح شركاته العقارية وحلفائه الماليين. هكذا يصبح التطبيع ليس فقط مشروعاً سياسياً، بل جزءاً من معادلة اقتصادية ـ تجارية تُعيد صياغة موازين القوى في المنطقة.

ثالثاً: على مستوى الجرائم الدولية ومؤسسات العدالة

سبق لترامب أن عاقب المحكمة الجنائية الدولية عام 2020، بل وصرّح: “إذا أرادت إسرائيل هدم غزة كاملة فهذا شأنها”.

من جانبه بايدن؛ رفض التعاون مع لجنة التحقيق الأممية عام 2023 واستمر في تسليح إسرائيل رغم التقارير التي توثق جرائم الحرب.

اليوم؛ ومع بداية ولايته الجديدة الجارية، يلوّح ترامب بالذهاب أبعد من ذلك: تقويض دور المحكمة الجنائية نفسها أو فرض وصاية أميركية على آليات التحقيق الدولية، بما يمنح إسرائيل حصانة شبه كاملة أمام المساءلة.

ملامح استشرافية: إلى أين تتجه الأمور؟

إنّ عودة ترامب تحمل ثلاث إشارات أساسية:

  1. التصعيد مع إيران: لم يُخف ترامب عزمه على إعادة سياسة “الضغط الأقصى” ضد طهران، ما فتح الباب أمام مواجهة إقليمية واسعة، تُستخدم فيها إسرائيل رأس حربة عسكرية بدعم أميركي مطلق.
  2. توسيع رقعة الحرب بالوكالة: إنّ إدماج الصناعات العسكرية الأميركية بالإسرائيلية يعني أنّ السلاح الأميركي لن يمر فقط عبر صفقات، بل عبر شراكات إنتاجية قد توفّر للاحتلال ترسانة دائمة لتوسيع عدوانه في غزة ولبنان وربما سوريا وباقي دول المنطقة.
  3. إضعاف النظام الدولي: إنّ ترامب بتقويضه المحكمة الجنائية والهيئات الأممية، يدفع باتجاه عالم بلا مرجعية قانونية، حيث تصبح القوة العسكرية وحدها هي الحكم. وهذا يعمّق عزلة الفلسطينيين ويفتح شهية إسرائيل على مزيد من التوسع بلا رادع.

في الختام

 بين بايدن وترامب، يظل الفلسطيني محاصَراً بين مطرقة الدعم العسكري وسندان التطبيع السياسي. وإذا كان بايدن  قد غلّف دعمه لإسرائيل بلغة دبلوماسية باردة، فإنّ ترامب لا يتورّع عن إعلان انحيازه الفجّ والفخور. الجديد اليوم أنّ ولايته الجديدة قد تفتح فصلاً أكثر خطورة: فصلاً تتراجع فيه أي خطوط حمراء، وتُصبح المنطقة كلها مرشحة لاشتعال أوسع، فيما يواصل ساكنو البيت الأبيض التنافس على لقب “الأكثر دموية في خدمة إسرائيل”.

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى