عبد اللطيف تغزوان يكتب: اختلال موازين
يقف العالم مذهولا من حجم النازية الصهيونية والإبادة الممنهجة لشعب فلسطين، انتفض الأحرار في كل العواصم دفاعا عن الإنسانية المنتهكة في غزة. وعبر المغاربة بمختلف قواهم الحية عن إدانتهم الشديدة للعدوان الصهيوني، هذا العدوان الهمجي الذي بلغت حصيلته إلى أزيد من 35 ألف شهيد وشهيدة أغلبهم من الأطفال والنساء، وقرابة المئة ألف من الجرحى إضافة للحصار والتجويع والتهجير والقصف المتواصل..
أمام هذه المشاهد المستمرة والمتصاعدة منذ السابع من أكتوبر2023، أعلنت الجهات المنظمة لمهرجان موازين عزمها تنظيم دورة جديدة من هذا المهرجان، واستضافة عشرات من رموز الغناء العربي والغربي والمغربي، وهو ما يمكن اعتباره استفزازا مجانيا لمشاعر ملايين المغاربة ولمشاعر الأخوة المغربية الفلسطينية ولمشاعر الإنسانية لأحرار العالم.
إن هذا التحدي من القائمين على هذا المهرجان في الترويج لحفلات الغناء والرقص والاحتفال، والإصرار على تنظيم المهرجان وكأننا في وضع إنساني عادي، يؤكد أننا فعلا أمام اختلال حقيقي للموازين. فرغم العبارات القوية للرسالة الملكية الموجهة للقمة الإسلامية والتي عبرت عن حال الشعب المغربي – قبل أيام فقط- وجاء فيها ” إن قلوبنا تدمي لوقع العدوان الغاشم على غزة، الذي جعل الشعب الفلسطيني الأبي يعيش أوضاعا بالغة الخطورة، تشكل وصمة عار على جبين الإنسانية ” إلا أن منظمي هذا المهرجان أبوا إلا الرقص ليس على إيقاعات العالم بل على دماء الشهداء وجراح ضحايا العدوان الصهيوني .
لقد سبق للمغرب أن ألغى احتفالات وأعياد وطنية لتزامنها مع ظروف لا يليق فيها الاحتفال، كما قامت عدد من الدول العربية بإلغاء الاحتفالات باليوم الوطني الخاص بها. كما قامت عدد من الدول والكنائس بإلغاء أو تقليص الاحتفالات برأس السنة الميلادية، لأنه من اختلال الموازين أن تستمر هاته الاحتفالات في ظل المشاهد اليومية للقتل والإبادة، وهو الموقف الإنساني الطبيعي الذي يجب أن يُتخذ في مثل هاته الأوضاع.
إن الموقف الطبيعي المطلوب اليوم هو إلغاء هذا المهرجان؛ لأنه رقص على أشلاء وجثث أطفال غزة، ولن يشرف الرباط أن ترفع على أرضها أصوات الحفلات الغنائية الصاخبة، بينما ترفع في العالم أجمع أصوات صرخات أطفال غزة ونسائها. ولا يشرفها أن تشيد على أرضها المنصات الغنائية بينما يهدم الاحتلال الصهيوني مستشفيات غزة ومنازلها ومنها مستشفى القدس الذي أعاد المغرب تشييده قبل ثلاث سنوات.
إن هذا المهرجان كان دائما عنوانا لاختلال الموازين، ومناقضة اختيارات المغاربة، من الترويج للعري والجنس كما موقع مع حادثة “جنيفر لوبيز”، ورفع علم الشواذ في الدورة الأخيرة للمهرجان سنة 2019، واليوم تضاف له وصمة عار من خلال العزف عكس صوت الإنسانية والضمير العالمي الذي يعلي صوته المتضامن مع فلسطين.
لقد عبر المغرب الرسمي والشعبي عن موقفه الإنساني تجاه الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني بغزة والضفة والقدس، وقدم المغاربة صورا مشرفة من التضامن والتآزر والدعم، لكن وجب التنبيه إلى تداعيات مثل هذه الأنشطة المصادمة للإجماع الوطني للشعب المغربي، والشاردة عن جهود المملكة في دعم صمود أهل غزة والقدس، لأنها ببساطة اختلال للموازين.