عبدالهادي باباخويا يكتب: خرافات الصهيونية بأرض فلسطين.. حقائق تاريخية ومعطيات علمية
لسرقة فلسطين أرضا وشعبا وذاكرة، قامت الحركة الصهيونية بتزوير كبير للتاريخ، لطمس الحقائق وتغيير ما دونه المؤرخون من وقائع وأحداث عن موروثها الحضاري وتراثها الانساني وطبيعتها الجغرافية. وبخلق أساطير لا سند لها عن اليهود وتاريخهم ونسبهم وثقافتهم، لتبرير أهدافهم الإستعمارية وطموحاتهم الاستيطانية في المنطقة العربية.
لقد صنعت الحركة الصهيونية فهما جديدا لليهودية دينا وشعبا وتاريخا، وأنشأت بطولات خرافية لبعض الشخصيات من بني إسرائيل، وأضفت عليها قداسة استثنائية لخلق صلة بين التاريخ اليهودي القديم والدولة الصهيونية المعاصرة..
وإذكاء في نشر الوعي الراشد بحقيقة التواجد الصهيوني بأرض فلسطين، سنذكر بعض الخرافات المعتمدة في عملية الإستيلاء على أرض فلسطين، ونبرز في المقابل حقائق التاريخ التي تفندها، ومعطيات البحث العلمي المؤكدة للحق الإسلامي في هذا الصراع.
أولا- مهزلة النسب السامي للشعب اليهودي:
طبخت الحركة الصهيونية وفق قراءتها للنص التوراتي، تقسيما جديدا لنسب البشرية يبدأ من الطوفان، حيث الميلاد الثاني للبشرية مع نوح عليه السلام وأبناؤه الثلاثة (سام وحام ويافث)، الذين نشأت شعوب الأرض من ذريتهم.
فالأنساب حسب هذا التفسير تقسم البشرية إلى ثلاثة أقسام:
1- أبناء سام بن نوح عليه السلام (الساميون)، وهم الشعوب الساكنة في شبه الجزيرة العربية وبلاد النهرين، وتم إخراج بني كنعان من الأسرة السامية وإلحاقها بالحاميين كنوع من الإنتقام منهم ولعنتهم..
2- أبناء حام بن نوح عليه السلام، وهم الشعوب الساكنة في إفريقيا بلونهم وملامحهم المعروفة..
3- أبناء يافث بن نوح عليه السلام، ويقصد بهم شعوب الشرق الأقصى (الهند) والشرق الأدنى (بلاد فارس) والشعوب الأوروبية..
ويَدعي هذا الفهم للتوراة أن اليهود هم أحفاد سام بن نوح، ويتميزون بصفاء عرقهم دون سواهم وبلغتهم العبرانية. وهي اختلاقات صهيونية من أجل أن ينشؤوا لأنفسهم، جذورا تاريخية في المنطقة العربية. فحسب فهمهم كل من انتمى لهذا الدين رغم مرور آلاف السنين وفي أي بقعة جغرافية من العالم، يعد جزءا من السلالة السامية التي لها حقوق مقدسة وامتيازات خاصة دون سواها من الشعوب الأخرى، وسلسلة الشعوب المنبثقة عن “حام” و “يافث” هي ذرية ملعونة، وهي بمثابة عبيد لذرية “سام” – خاصة القبيلة الإسرائيلية – وأراضيهم ملك لهم ولا يحق لهم حيازة أي شيء.
فالملاحظ أن تفسير الصهيونية للتوراة جعل من اليهودية عرقا وقومية خلافا لكل الأديان السماوية، كما أن مصطلح الشعب اليهودي لا وجود له عند مشاهير العلماء المعتد بهم في حقول البحث العلمي، حيث تفضح “الموسوعة اليهودية” لبنيامين فريدمان ادعاءاتهم، وتقرر أن اليهود خزريون من بدو روسيا وليس ساميين.
وأن اليهودية دين وليست نسبا أو شعبا أو عرقا أو أرضا أو أمة، وأنها ظهرت في الأرض العربية كغيرها من الديانات، إلا أن الكهنة من عشيرة بني إسرائيل العربية الذين صنعوا اليهودية، ووضعوا هذه التوراة السبعينية قبل حوالي 300 سنة قبل ميلاد المسيح عليه السلام. سموا أنفسهم باليهود ودانوا باليهودية، والعرب دانوا بها وبالديانات التي كانت قبلها أو جاءت بعدها. ولما اعتنقوا هذه الديانات سعوا لنشرها في سائر الأقطار التي وصلوا إليها، حتى صارت هذه الديانات متاحة يعتنقها من أراد، ولم تكن هذه الديانات حكرا على جنس أو نسب أو سلالة أو وطن كما يزعم اليهود اليوم..
كما جعلت الصهيونية من تاريخ اليهود جزءا من دينهم وشريعتهم، حتى يبدو هذا التاريخ كأنه موحى بأدق التفاصيل من الله إليهم عبر الأنبياء والرسل.
ثانيا- الوعد الإلاهي في الأرض المقدسة:
يروج الصهاينة ومن يدور في فلكهم أن أرض فلسطين هي “الأرض المقدسة” التي كُتبت من الله لبني إسرائيل، ويجب إعطائهم إياها والكف عن المطالبة بها، وفي ذلك تحقيق للإرادة الإلهية ولشرط رجوع المسيح المخلص وإقامة مملكته الألفية على أرض فلسطين.
هذا الوعد الخطير الذي كان له تأثير على مسار التاريخ والجغرافيا الإنسانية واستقرار الشعوب، قام على قدسية عمياء عند بعض اليهود وإيمان ملتبس عند جانب من المسيحيين، وتفسير خاطئ لبعض الآيات من القرآن الكريم، التي تدعم وراثه بني إسرائيل لأرض كنعان.
وحقيقة هذا الوعد أن الله تعالى أعطى عهدا لإبراهيم ولموسى عليهما السلام، ولكهنة بني إسرائيل في اجتماع حضره الله، بأن يملكهم ونسلهم أرض فلسطين وسجله في التوراة (العهد القديم)، وغدا تنفيذ هذا العهد مهمة من سيأتي من بعد.
وقد تتبع صاحب كتاب “اختراع الشعب اليهودي”، وهو ذ.سلومو ساند عميد جامعة تل أبيب هذه الإفتراءات الصهيونية وناقش أكاذيبها بحجج علمية ووثائق تاريخية. فكان جهده الكبير تفكيك لهذه المقولات المتعلقة بإعادة كتابة وقائع الماضي اليهودي، بدءا من شجرة أنساب الشعب اليهودي، إلى أسطورة صلة هذا الشعب بفلسطين.. فقام بتقويض مقولة “أن أرض إسرائيل هي الوطن التاريخي لهذا الشعب”، وأثبت أن الحركة الصهيونية هي التي سرقت هذا المصطلح “أرض إسرائيل” وهو ديني في جوهره، وحولته إلى مصطلح جيوسياسي، وبموجبه جعلت تلك الأرض وطنا لليهود.
أما فيما يخص تفسير الآية 21 من سورة المائدة، وهي قوله تعالى: «يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كَتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين» حيث يستدل بها البعض لإثبات حق اليهود في أرض فلسطين. لكن المفسرين ذكرو أنه وعد مشروط بأوصاف الإيمان والتوحيد، وبالعمل الصالح والجهاد في سبيل الله وعدم الظلم والطغيان.. وقد تحقق هذا الوعد في عهد العبد الصالح “يوشع بن نون”، وأقام في الأرض المقدسة دولة إيمانية مزدهرة، بلغت أوج تقدمها أثناء حكم داوود وابنه سليمان عليهما السلام، ثم خرجت يهود عن الشرع الرباني وارتكبت من المعاصي والجرائم، ما استجلب غضب الله وسخطه ولعنته وعذابه، وفقدت بذلك حق تملك الأرض المقدسة والإقامة فيها، فكتب الله عليها الذلة والضياع والتشريد في الأرض.
ويؤكد د.معتز الجعبري في تفسيره على “ضرورة النظر في القرآن الكريم بشكل كلي، وربط الآيات بعضها ببعض دون التوقف التفصيلي عند آحادها”. وبناء على ذلك يستخلص من سورة البقرة شروط استخلاف الله لأمة من الأمم في الأرض، والقوانين الإلهية التي تحكم ذلك. ومن “تلك القوانين يتبين بشكل قطعي أن الله لا يحابي أمة ولا ينحاز إلى شعب..”
ثالثا- التاريخ اليهودي بفلسطين:
تستند الصهيونية إلى التوراة في أدلتها حول أحقية اليهود بفلسطين، إذ يحتوي على أخبار تواجد اليهود بها والملوك والأقوام الذين مرو فيها.. غير أن هذا التواجد حسب المؤرخين والدارسين، كان متقطعا ولم ينشئ حضارة على أرضها كما فعل غيرهم، لأنه كان وجودا عابرا وفي مناطق محددة وبأعداد قليلة. وقد انقطع الوجود اليهودي على أرض فلسطين حوالي 2000 سنة تقريبا، وكانوا فيها مجرد مجموعات قليلة العدد، عاشت تحت حكم الفلسطينيين إلى أن قامت الحركة الصهيونية، وبدأت في تجميعهم من جديد داخل فلسطين. فعادوا إليها على هيئة احتلال إسرائيلي عام 1948، مدعوم من الإمبريالية العالمية بزعامة كل من بريطانيا وأمريكا.. لكن ذ.شلومو ساند في كتابه “اختراع الشعب اليهودي” يطرح سؤالا عميقا: “هل يمكن الحديث عن شعب يهودي وجد واستمر آلاف السنين في بقعة محددة من الجغرافيا، بينما زالت الكثير من الشعوب الأخرى من الوجود، وهي أكثر عددا وآثارا وأعمق حضارة وأكثر استقرارا وتجذرا في مجال جغرافي معين..؟
ثم يسأل أيضا: “عن كيفية تحول الكتب الدينية اليهودية كالتوراة، من كتب دينية إلى مصادر تاريخية تروي نشأة أمة اليهود..؟ وما هي ملابسات كتابة التوراة..؟ ومن كتبها بالضبط..؟ حيث لا أحد يعرف بدقة متى كتبت التوراة ومن الذي كتبها..!! ويستمر في تحليل التاريخ اليهودي والهوية اليهودية، ليؤكد أن السردية الصهيونية مفبركة، بالمقارنة مع الأدلة الأركيولوجية بهدف تبرير استيطان فلسطين وتشريد أهلها..
ذ. عبد الهادي باباخويا