طبقات النصر: خارطة الوعي والموقف في معركة فلسطين – الحسن أكتيف

في خضم المعارك الكبرى التي تعصف بالأمة، خصوصا في ساحة غزة المحاصرة، تبرز قضية النصرة كعنوان إيماني، أخلاقي، وإنساني. فالنصرة ليست مجرد موقف وجداني أو عاطفة عابرة، بل هي فعل مركب متعدد المستويات، يتدرج في طبقاته بين القمة والانحدار، بين العطاء والخيانة، بين الوقوف في الصفوف الأمامية أو التخلي والتواطؤ.
النصرة: من اللغة إلى الفعل
في اللغة، النصرة تعني حسن المعونة، وهي من “نصر ينصر”، أي أعان وأغاث وقوّى. وهي في واقع الصراع الفلسطيني الصهيوني ليست مجرد شعار، بل هي سُلَّم من المواقف تتوزع عليه فئات الناس بحسب وعيهم، إرادتهم، وإيمانهم.
وهكذا تتشكل أمامنا ثلاث طبقات رئيسية في مشهد النصرة: المجاهدون، الناصرون، والخاذلون. ولكل طبقة سماتها، وفئاتها، وموقعها في ميزان الحق والباطل.
الطبقة الأولى: المجاهدون، ذروة النصرة وسنامها
في رأس قمة النصرة، تقف فئة المجاهدين، وهي الطبقة التي تقدم الأجساد والدماء، وتحتضن الألم، وتحمل المشروع المقاوم على أكتافها.
وتتشكل من ثلاث فئات:
المقاتلون: هم أبناء المقاومة الذين يحملون السلاح، يواجهون العدو في الميدان، يقاتلون بصدورهم العارية، ويدفعون ثمن الكرامة من دمائهم.
المستضعفون: المدنيون الذين اختاروا البقاء، والاحتضان، والصبر. هم من يتحملون ألم القصف، ومرارة الحصار، وشهادة الأبناء.
المفاوضون: المدافعون عن المقاومة في المحافل الدولية، من يواجهون بلاغة الدبلوماسية ويصرون على عدالة القضية رغم كيد المتآمرين.
إنها طبقة الفعل والمواجهة، أولى خطوط الدفاع عن الكرامة، وأقرب الناس إلى رباط الأرض المباركة.
الطبقة الثانية: الناصرون، جبهة الدعم والامتداد:
إن لم تكن في الصف الأول، فمكانك في الصف الثاني، تدعم وتثبت وتعين. وهذه الطبقة تضم أربع فئات حيوية:
المنجدون: من يفتحون جبهات أخرى للعدو، لإشغاله وتخفيف الضغط عن غزة. هم الذين يختارون المواجهة كلما اشتد الخناق.
المقوون: من يمدون المجاهدين بالمال والسلاح والدعم اللوجستي، يؤمنون بأن العتاد جزء من المعركة، وأن “الرصاصة لا تخرج من الهواء.”
المغيثون: من يسهرون على وصول الغذاء والدواء واللباس، يفتشون عن طرق الإغاثة تحت الركام، ويُطعمون الجائع في زمن الحصار.
المعينون: أصحاب الكلمة والموقف، من يرفعون المعنويات، يشحذون الهمم، ويواجهون خطاب التشكيك والتيئيس.
هذه الطبقة هي جبهة الظهر للمجاهدين، وسياج الصمود في وجه الحصار والتطويق
الطبقة الثالثة: الخاذلون.. من الصمت إلى الخيانة
في أسفل السُّلَّم، تقف فئة الخاذلين، الذين اختاروا الانسحاب أو التواطؤ أو حتى التآمر. وتتوزع على ثلاث فئات:
الصامتون: من تملكهم الخوف، وكبلتهم المصالح، فآثروا الصمت رغم تعاطفهم الداخلي مع المظلومين.
المرجفون: من يبثون الشكوك، ويهوّنون من قدرات المجاهدين، وينشرون الهزيمة النفسية في صفوف الأمة.
المتآمرون: من نسقوا مع العدو، وأجهضوا تحركات المقاومة، وارتضوا أن يكونوا مطايا للمحتل، متذرعين بالمصلحة. هذه الفئة ليست فقط خارج النصرة، بل في خندق العدو، وإن اختلفت اللغة والواجهة
ارتقاء في مدارج النصرة
أمام هذا التصنيف، يتساءل المرء: أين موقعي؟ ولعل الإجابة تبدأ من تحديد طبقتك الحالية، ثم تصميم استراتيجية ارتقاء وتحول نحو الأعلى. فباب النصرة مفتوح والوسائل متعددة، ولكلٍّ طاقته وحدّه. المهم ألا تبقى في القاع، وأن تحيي وصية القرآن الكريم: “فاتقوا الله ما استطعتم” و “وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله“
ففي زمن المحنة، الصمت تواطؤ والتردد هزيمة، والخذلان خيانة. أما النصرة فشرف وموقف، واختبار يومي للضمير.