صعود اليمين المتطرف يزيد من مخاوف المهاجرين والجاليات المسلمة بفرنسا
تتصاعد المخاوف من قبل الجاليات المسلمة والمهاجرين في فرنسا، خاصة مع بوادر صعود اليمين المتطرف، وتسيده للمشهد السياسي الفرنسي بعد انتخابات البرلمان الأوربي، وقرار الرئيس ماكرون بحل البرلمان من تنامي الانتهاكات الحقوقية المتعلقة بالميز العنصري والتضييقات في مجال الحريات العامة.
وأظهر استطلاع للرأي نشر الأحد الماضي، أنه من المتوقع أن يتقدم حزب التجمع الوطني المتطرف في فرنسا وحلفاؤه في الجولة الأولى للانتخابات البرلمانية في البلاد بنسبة 35.5% من الأصوات.
وأفاد المسح الذي أجراه مركز “إبسوس” لصالح صحيفة “لو باريزيان” وإذاعة فرنسا يومي 19 و20 يونيو الجاريـ أن تحالف الجبهة الشعبية الجديدة المنتمي إلى اليسار سيكون في المرتبة الثانية بحصوله على 29.5% من الأصوات.
وتوقع المسح أن يأتي تحالف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون المنتمي إلى الوسط في المرتبة الثالثة بعدما حاز على 19.5% من الأصوات. ومن المتوقع أن تبلغ نسبة المشاركة بين 60 و64%، وهي أعلى بكثير من نسبة المشاركة التي بلغت 47.5% في الانتخابات العامة الأخيرة في يونيو 2022.
ومن غير المرجح أن يمنح التقدم في استطلاعات الرأي قبل الانتخابات المقرر إجراؤها على جولتين في 30 يونيو/حزيران و7 يوليو حزب التجمع الوطني أغلبية مطلقة.
ودعا ماكرون إلى الانتخابات بعدما تكبد تحالفه هزيمة ساحقة في انتخابات البرلمان الأوروبي في وقت سابق من هذا الشهر.
حرمان حاملي الجنسية المزدوجة من تقلد “مناصب حساسة”
ويعتزم حزب “التجمع الوطني” اليميني المتطرف في فرنسا “منع” حاملي الجنسية المزدوجة من شغل “مناصب حساسة للغاية”، سيتم تحديد قائمتها “بموجب مرسوم”، وفق ما أعلن أحد نوابه، أمس الإثنين.
وأوضح النائب سيباستيان شينو لقناة TF1 أن الحظر سيشمل “وظائف حساسة للغاية، مثل شغل الأشخاص الذين يحملون جنسية مزدوجة روسية لمناصب إدارية استراتيجية في الدفاع”، من دون الكشف عن مزيد من التفاصيل حول طبيعة الوظائف المعنية.
وسيستند إجراء الحظر هذا على “قانون تنظيمي ومرسوم لمنع التدخلات لأن الأمر يتعلق بـ”حماية الذات” في القطاعات الحساسة، بحسب شينو.
وأضاف شينو “ما نأخذه في الاعتبار هو الجنسية: إما أن تكون فرنسيا أو لست فرنسيا. عندما تكون فرنسيا، فإنك تتمتع بالحقوق نفسها مثل أي فرنسي، حتى إن أصبحت فرنسيا عبر التجنيس”، مشيرا إلى أنه في حال فوز حزب اليمين المتطرف في الانتخابات التشريعية المبكرة مطلع يوليوز، “فمن المحتمل أن يصبح الحصول على الجنسية الفرنسية أقل سهولة”.
وأكد النائب اليميني أن حاملي الجنسية المزدوجة سيتمتعون بالحقوق نفسها، على عكس ما اقترحه التجمع الوطني في 2022. وأوضح: “عندما تكون فرنسيا من هذا الأصل أو ذاك، فأنت فرنسي وتتمتع بنفس الحقوق”.
و يحظر حاليا على الرعايا الأجانب شغل بعض الوظائف في القطاع العام، باستثناء أطباء المستشفيات والأساتذة الباحثين.
اليمين المتطرف يعتبر الاعتراف اليوم بدولة فلسطينية اعترافا بالإرهاب
من جهة أخرى، قال زعيم اليمين المتطرف جوردان بارديلا الإثنين إنه يعارض راهنا الاعتراف بدولة فلسطينية معتبرا أن ذلك يعني “الاعتراف بالإرهاب” بعد هجمات حركة حماس غير المسبوقة داخل إسرائيل في 7 أكتوبر.
وأضاف خلال مؤتمر صحفي: “أنا لا أقول إن ذلك يجب ألا يكون احتمالا في المستقبل، لكن الاعتراف الآن بدولة فلسطينية سيعني الاعتراف بالإرهاب. سيعني ذلك إضفاء شرعية سياسية على منظمة ينص ميثاقها على تدمير دولة إسرائيل” في إشارة إلى حماس.
المسلمون المتعلمون يفرّون من فرنسا
وعلى بعد أيام قليلة من الدخول المدرسي للعام الحالي، وفي الوقت الذي كان فيه الفرنسيون من أولياء أمور ورجال تعليم ينتظرون خبرا سعيدا، يطمئنهم بتحقق معجزة وجود عدد كاف من المعلمين أمام المقاعد الدراسية، كان لوزير التعليم الفرنسي حينها غابريال عتال اهتمام آخر، إذ إن اهتمامه بالتعليم المدرسي كان قد توارى أمام انشغاله بحلبة السياسة، وظهوره مع إعلان وصفه المتابعون بـ “الغريب” وسوَّق له إعلاميا بـ”منع العباية في مدارس الجمهورية”.
بدا القرار مستهدفا للمسلمين بوضوح، في محاولة جديدة لإثارة مشاكل غير موجودة في الأوساط التعليمية الفرنسية، تماما كما سبق أن حدث مع قانون منع الرموز الدينية في المدارس عام 2004، فلم تكن العباية حينها موضوعَ رأي عام، بل لم تكن معروفة في الأوساط المجتمعية الفرنسية، وهو ما أكده مقال لجريدة لوموند نُشِر بعد إصدار القانون للتعريف بهذا اللباس “الإسلامي”، شارحا للقراء الفرق بينه وبين ملابس أخرى إسلامية أو غير إسلامية.
لم يلبث غابريال عتال كثيرا في منصبه على رأس وزارة التعليم، بل صعد بسرعة إلى كرسي رئاسة الوزراء، مفتخرا أثناء حفل تسلمُّه منصبه الجديد بذلك الإنجاز الكبير الذي حققه في وقت قياسي، وهو “منع أمتار من القماش الفضفاض” من الجلوس على مقاعد مدارس الجمهورية الخامسة، على حد وصفه.
وتعتبر هذه القصة القصيرة حلقة بسيطة في مسلسل طويل اسمه “التضييق على المسلمين” في فرنسا، وهو مسلسل بدأ منذ عقود طويلة، ويعيش اليوم أبرز مَشاهده، وهي صعود ظاهرة الهجرة المُعاكسة من طرف المسلمين بحثا عن مُتنفَّس جديد لا تُفرَض فيه قِيَم “التحرر والتقدم” بالسوط والحديد، وتتزايد الحدة مع صعود اليمين المتطرف في الجمهورية الفرنسية.
وعاشت باريس منذ عقود طويلة على وقع التخوف من الوجود الإسلامي في مستعمراتها السابقة، وعلى وقع التحرج من وجود المسلمين على “أراضيها العلمانية المقدسة”. ففي عام 2017 تمكن ماكرون من منع اليمين المتطرف الفرنسي من الوصول إلى الحكم بعد تفوقه على مارين لوبان في الانتخابات الرئاسية، لكنه سمح بوصول أفكار هذا التيار الأكثر راديكالية إلى تشكيلاته الحكومية، فكانت النتيجة قانون “النزعة الانفصالية” السيّئ السمعة.
وقبل إقرار هذا القانون الذي جاء في سياق صحي واقتصادي صعب بسبب وباء كوفيد 19، بدت بوادر التضييق صارخة من خلال حملة سياسية وإعلامية شرسة ضد الجالية المسلمة بعد اغتيال المدرس صامويل باتي، وكان الهدف من هذه الحملة واضحا: “تجريم الإسلام والمسلمين”.
تقارير إعلامية