صدقي يبسط رؤية “الرابطة المغربية” للقضية الأمازيغية ومواقفها حول عدد من القضايا المستجدة (حوار)
أجرى موقع “الإصلاح” حوارا مع الأستاذ سليمان صدقي؛ رئيس الرابطة المغربية للأمازيغية، استعرض من خلاله رؤية الرابطة للقضية الأمازيغية، كما بسط تقييمه لأداء الرابطة باعتبارها حديثة التأسيس والآليات التي تعتمد عليها في تنزيل برامجها.
كما أبرز سليمان صدقي ملاحظات الرابطة على القانون التنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية خصوصا بعد دخوله حيز التنفيذ، والإجراءات التي ينبغي أن تصاحبه.
وتناول الحوار دور العمل المدني في خدمة القضية الأمازيغية والأدوار التي ينبغي أن تلعبها الرابطة مع باقي الفاعلين.
أجرى الحوار لموقع “الإصلاح”: ي.ف.
- ما هي رؤية الرابطة المغربية للأمازيغية للقضية الأمازيغية؟
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين.
أولا أشكر موقع الاصلاح على اتاحته لنا في الرابطة المغربية للأمازيغية هذه النافذة للتواصل والتحاور حول قضايا تهم الثقافة واللغة الأمازيغيتين.
بخصوص سؤالكم، فرؤية الرابطة للمسألة الأمازيغية تقوم بالأساس على خمس مبادئ موجهة ومؤطرة نستقيها من أوراقنا المرجعية، وهي المبادئ التي نرى أنها قادرة على حماية الأمازيغية من أي استئثار أو إقصاء أو توظيف أو ابتزاز، كما نعتبرها الأساس الذي يجب أن يعتمد لمقاربة موضوع الأمازيغية لا كمسالة لغوية تقنية فقط، بل كحالة ثقافية وحضارية تهم كل المغاربة.
أولها: سمو المرجعية الاسلامية:
التي تقوم أساسا على الاعتراف بقيم التعدد والتنوع وتراعي الاختلاف، وتنمي قيم التواصل والتعارف باعتبارها قاعدة في التعامل الإنساني والتعايش الحضاري، قال تعالى:(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ”)الحجرات:13.
ثانيها: احترام الثوابت الدستورية:
حيث تشكل الوثيقة الدستورية لسنة2011، بقواعدها السامية الإطار المرجعي الجامع لكل المغاربة، التي لا يمكن الاتفاق في أي حال من الأحوال على مخالفتها أو التشكيك فيها، وعلى رأسها الاسلام والملكية والوحدة الترابية والاختيار الدمقراطي. وقد شكلت لحظة الاعتراف والإقرار الدستوري بالتعدد اللغوي والثقافي في بلادنا لحظة فارقة وحاسمة في النموذج الديمقراطي المغربي القائم على الاعتراف بالتعدد والتنوع، مما سيساهم لا محالة في صيانة وحماية وتنمية هذا التنوع والتعدد وصهره في اطار الثوابت الجامعة للأمة المغربية.
ثالثها: التكامل لا التنافر والتعدد في اطار الوحدة:
فالرابطة المغربية للأمازيغية تعتقد أن الكسب التاريخي للأمة المغربية، يوضح أن هذا البلد ظل قويا ومتجانسا، بحكم التعايش والاحترام بين مكوناته، وبالتالي فمقاربة كل المواضيع الهوياتية بما فيها المسألة اللغوية تفترض البحث في معطيات التكامل وإلغاء و تعطيل معطيات التنافر، حيث إن الخبرة التاريخية للمغرب تثبت أن البعض راهن في فترات تاريخية معينة على التعدد والتنوع الذي تزخر به بلادنا، من خلال استغلاله لبت الفرقة بين المغاربة وفق رؤية انقسامية متعالية، لكن الإجابة المجتمعية على ذلك كانت دائما صمام الأمان في الحفاظ على استقلالية واستثنائية بلادنا. ونعتبر في الرابطة أن تدبير هذا التعدد في المغرب يجب أن يستند إلى القيم والتقاليد المغربية المشتركة التي هي نتاج خبرة قرون حافظ فيها المغرب على صياغة نموذجه الغني والمتفرد في إطار الوحدة.
رابعها: التدرج والتراكم:
حيث نعتقد في الرابطة أن ترسيم اللغة الامازيغية وفق المبدأين أعلاه، سيمكن من ترسيخ المكتسبات ويستشرف حضورا للأمازيغية في كل تجليات الفضاء العام. ويمكن مؤسسات البلاد المختلفة من الاضطلاع بدورها التاريخي والاستراتيجي، بعيدا عن الضغط أو التسرع ودون السقوط في التباطؤ في التنزيل.
خامسها: المقاربة التشاركية والتوافقية:
بما هي تعميم المساهمة في اتخاذ القرارات التي تخص الأبعاد الثقافية والحقوق المرتبطة بالأفراد والجماعات، وهي المقاربة التي نبهنا لها سابقا في الرابطة المغربية للأمازيغية لتكون حاضرة في إعداد القانونين التنظيميين والقوانين العادية ذات الصلة وكذا المراسيم التطبيقية ( وكل ما يرتبط بالأعمال القانونية للسلطة التنظيمية) التي سيكون لها دور مهم في تنزيل مقتضيات القانونين التنظيميين والقوانين ذات العلاقة.
تلكم هي إذن المبادئ الموجهة لعمل الرابطة ومقاربتها للمسألة الأمازيغية، وهي نتاج حوار ونقاش داخلي دام سنوات للتوافق حولها ووضعها كأطر منهجية وقواعد نظرية موجهة لعملنا في الرابطة وكأساس نبني عليه أعمالنا في مقاربة موضوع الأمازيغية.
- ما تقييمكم لأداء الرابطة في خدمة القضية الأمازيغية باعتبارها حديثة التأسيس ؟ وما هي الآليات التي اعتمدت عليها في سبيل ذلك؟
كما تعرفون فالمؤتمر الوطني هو أعلى هيئة تقريرية في الرابطة وهو المخول له تقييم عمل الرابطة، وقد شكلت لحظة المؤتمر الوطني الثاني للرابطة الذي عقد يومي 26 و27 أبريل الماضي بالرباط، مناسبة لتقييم وتقويم عملنا في المرحلة السابقة. وقد أثنى المؤتمرون على الحصيلة الايجابية للمرحلة التأسيسية (2014-2019)، رغم حجم الاكراهات والصعوبات التي عرفها مسار اطلاق الرابطة، وحجم التحديات التي كانت مطروحة أمام المكتب الوطني السابق برئاسة الدكتور عبدالحفيظ اليونسي، كما نبهوا الى عدد من الاختلالات التي شابت عمل الرابطة والتي سيعمل المكتب الوطني الحالي والمجلس الاداري على تقويمها وتجاوزها ان شاء الله. وبشكل عام؛ فقد أثبتت الرابطة في هذه الفترة الوجيزة، من خلال أعمالها ومساهماتها ومنهجية تناولها لمختلف مستجدات الساحة الوطنية، أولا قوتها الاقتراحية التي تُرجمت بإعداد مذكرات ترافعية متميزة حول القانونين التنظيميين للأمازيغية، والمشاركة في عدة لقاءات علمية بمختلف المؤسسات التي وجهت لنا الدعوة للحضور والمشاركة فيها. كما أثبتت الرابطة بعد نظرها ومسؤوليتها وقدرتها على فتح آفاق جديدة أمام العمل الأمازيغي بنفس متجدد توافقي وطني ووحدوي، متجاوزة بذلك حصر المسألة الأمازيغية في نقاش الترسيم القانوني، أو الاستعراضات الفلكلورية، أو بعض الملامح التقنية اللغوية وبعض الشعارات المناسباتية والاقصائية، بل خطت الرابطة لنفسها مسارا فريدا يتجاوز كل ذلك، الى البحث عن أجوبة ذات أبعاد حضارية شاملة للمسألة الأمازيغية، باعتبارها شأنا يهم كل المغاربة ماضيا وحاضرا ومستقبلا.
وقد ترجمت الرابطة الدينامية الفكرية التي انخرطت فيها، بإطلاق عدة مبادرات وأوراش علمية وثقافية، سواء تعلق الأمر بتنظيم أنشطة تأطيرية واشعاعية وازنة، أو احتضان حلقات نقاش علمي عبر مبادرة الملتقى العلمي الذي نظم في نسختين، أو من خلال التواصل المباشر مع عدة فعاليات تشتغل في الحقل الثقافي الأمازيغي ومنها على سبيل المثال؛ استقبال قيادات الرابطة من طرف الأمين العام للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وزيارة تكريمية للمرحوم ابراهيم أخياط رئيس أول جمعية مهتمة بالتراث والثقافة الأمازيغية، وباعتباره رحمه الله كان رمزا للحكمة والوطنية الصادقة وكان رجلا تواصليا بامتياز، كما عرف برفضه المستمر الانجرار خلف بعض الأصوات التي كانت تعادي قيم وثوابت المغاربة، بالإضافة الى الخدمات الجليلة التي قدمها للقضية الأمازيغية.
- ما هي أبرز ملاحظاتكم حول القانون التنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية خصوصا بعد دخوله حيز التنفيذ؟
بداية لا أحد سيجادل في كون صدور هذا القانون يعتبر بمثابة طي صفحة وبداية أخرى في مسار حفظ الهوية الوطنية الجامعة، واطلاق مسار جديد في حياة اللغة والثقافة الأمازيغيتين ببلادنا، يتأسس على الحماية القانونية والدستورية والمؤسساتية للأمازيغية، ويقوم على استحضار الثوابت الدستورية الجامعة في ذلك، ويسعى لحماية وتطوير وتنمية جزء مهم من تاريخ وثقافة وحضارة المغاربة….لكن وجب التنبيه أن هذا المسار لن يكتمل إلا بإصدار القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، وتفعيل مضامين المتن الدستوري والقانونين التنظيميين، والعمل على التجاوز العملي لعقبة الآجال التي وضعها القانون 26.16.
وبخصوص مواقفنا حول القانون التنظيمي الخاص بالأمازيغية رقم 26.16، فقد عبرنا عنها مرارا سواء من خلال مذكرتنا الترافعية حول القانون أو من خلال البلاغات التي أصدرناها وكذا التصريحات الصحفية.
وعموما يمكن تلخيص ملاحظاتنا فيما يلي:
1- بخصوص مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية؛ لاحظنا أن مشروع القانون حدد ثلاث مدد زمنية لهذا التفعيل : المدى القريب : 5سنوات، المدى المتوسط : 10 سنوات، المدى البعيد : 15 سنة.
وما يميز هذه المدد في اعتقادنا أنها ستساهم لا محالة في تبطيئ هذا الورش، لذلك نرى في الرابطة المغربية للأمازيغية أنه كان الأولى إعطاء مدة زمنية معقولة دون تسرع ولا إبطاء لكي نجود هذا الورش المجتمعي الهام.
2- بخصوص كيفيات الإدماج سجلنا أن القانون (المشروع سابقا) لم يشر بالبث والمطلق لهذا الأمر، لذلك اقترحنا أن يتم هذا الإدماج في إطار سياسة لغوية مندمجة تلتقي فيها كل القطاعات والمجالات دون استثناء، مع ضرورة الإبداع في الآليات والوسائل .
3- بخصوص مجالات التنزيل : قسم القانون حسب ما ورد في الدستور إلى مجالين :
مجال التعليم وهو واضح .
مجالات ذات الأولوية : لم يحددها مشروع القانون بل اقتصر على مجالات التشريع والإعلام والاتصال والإبداع الثقافي والفني والإدارة والمرافق العامة والقضاء، وبالمقابل أغفل العديد من المجالات من قبيل مجال التأطير الديني ومجالات أخرى، لذلك نعتقد في الرابطة المغربية أن كل المجالات التي يرتادها المواطن هي مجالات ذات أولوية دون استثناء.
4- بخصوص وظائف اللغة الأمازيغية؛ فقد ركز القانون على البعد التواصلي المباشر للغة الأمازيغية، وهذا للأسف الشديد لا يخدم اللغة الأمازيغية، لذلك كان ولابد من النص على تعزيز كل وظائف اللغة الأمازيغية، باعتبارها لغة تحمل ثقافة وفكرا وحضارة، وليست فقط أداة للتواصل، لذلك اقترحنا في الرابطة المغربية للأمازيغية اضافة الوظائف الأخرى التنموية والثقافية والحضارية…
5- ما يميز اللغة التي كتب بها هذا القانون هيمنة الألفاظ الدالة على التخيير لا الوجوب ( يمكن …)، لذلك اقترحنا في الرابطة تعويض ذلك بلغة أكثر صرامة ( يجب عوض يمكن …)
6- الملاحظ كذلك أن القانون يقدم مقترحات عملية في كل مجال، وهذه المقترحات لا تستجيب للتطلعات لذلك سبق لنا وأن اقترحنا في الرابطة المغربية للأمازيغية مجموعة من المقترحات، منها على سبيل المثال لا للحصر:
- في مجال الثقافة والإعلام: اقترحت الرابطة أن يتضمن القانون التنظيمي ما يلي:
جعل الأمازيغية لغة وثقافة محورا إجباريا في السياسة العامة ذات العلاقة بالثقافة والفن،
جعل الأمازيغية محورا في تنزيل السياسة الثقافية في مجالات: الادب والمسرح والمتاحف،
دعم الاعلام السمعي والبصري والمكتوب من خلال تطوير عمل القناة الامازيغية والرفع من ساعات البث.
الرفع من ساعات البث المخصصة في القنوات الوطنية بشكل تدريجي لتصل الى 50 في المائة بالتساوي مع اللغة العربية.
- في مجال الاقتصاد: حيث نرى في الرابطة أن قوة أي لغة هو مدى قدرتها على لعب دور مهم في مجال دعم تنافسية الاقتصاد الوطني، ولهذا اقترحنا بهذا الخصوص ما يلي:
تشجيع المقاولات في سياسة النهوض باللغة الامازيغية من خلال إدماج اللغة الامازيغية في التسويق والاشهار.
إعمال الأمازيغية في برامج التواصل مع مختلف القطاعات الاقتصادية والانتاجية ومختلف الاستراتيجيات القطاعية ذات الطبيعة الاقتصادية.
- أما في مجال التكنولوجيا الحديثة: الذي نروم من خلال اقتراحه كمجال من مجالات إدماج الامازيغية في الحياة العامة، تشجيع البحث التقني والتكنولوجي باللغة الأمازيغية، وذلك بإدماج اللغة الامازيغية في الاستراتيجيات الوطنية ذات العلاقة مثلا بالصناعة (برنامج إقلاع) والتكنولوجيا الحديثة (المغرب الرقمي)…
- في مجال التأطير الديني: بالنظر لأهمية هذا المجال في حماية الأمن العقدي ونشر تعاليم الدين الاسلامي الوسطي المعتدل، وبالنظر لأهمية الدين في ترسيخ القيم المشتركة بين المغاربة، واعتبارا لأهمية اللغة الامازيغية في ترشيد التدين اقترحنا عدد من الاجراءات التي كان يجب التنصيص عليها في القانون التنظيمي ونلخصها فيما يلي:
اعتماد اللغة الأمازيغية في كل مجالات تأطير الحقل الديني
تشجيع تكوين الأئمة والخطباء والمرشدين والوعاظ الناطقين باللغة الامازيغية،
تقوية شبكة البرامج التلفزية والإذاعية ذات العلاقة بالشأن الديني،
تشجيع إنتاج الوسائط ذات العلاقة بالتدين الوسطي المعتدل.
وكما تلاحظون فهي ملاحظات ومجالات غفل القانون التنظيمي عنها رغم تأكيدنا المستمر على محوريتها وضرورتها القصوى في الارتقاء باللغة والثقافة الأمازيغيتين وإدماجها في الحياة العامة مثلها مثل اللغة العربية.
- هل هذا القانون يكفي لإعطاء الأمازيغية المكانة التي تستحقها أم ترون أن هناك إجراءات أخرى ينبغي أن تصاحب هذا القانون التنظيمي؟
القانون التنظيمي رقم 26.16 المتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وكيفيات إدماجها في مجال التعليم وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية، الذي صدر مؤخرا في الجريدة الرسمية ودخل بذلك حيز التنفيذ بعد أن مر من كل المراحل التي تقتضيها المسطرة التشريعية ببلادنا، عمليا نرى أنه لا يزال في حاجة الى ثلاث خطوات مهمة من أجل تفعيل مقتضياته:
أولها: اخراج مشروع قانون 04.16 المتعلق بالمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية لحيز الوجود والذي لايزال عالقا بمجلس المستشارين ! لذلك تسائلنا غير ما مرة ولا زلنا نتسائل لما تم إجازة القانون التنظيمي رقم 26.16 فيما يتم التلكؤ في إخراج مشروع القانون 04.16 !
ثانيها: الإسراع في إحداث مؤسسة المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، والمرتهن بإخراج القانون التنظيمي المنظم له لحيز الوجود، بالإضافة الى توفير مخصصات مالية وأطر إدارية كافية، والمفروض أن تبرمج في قانون المالية المقبل.
ثالثها: عمل مختلف مؤسسات السلطة التنظيمية، على إعداد وإصدار مختلف المراسيم التطبيقية المتعلقة بتنزيل القانونين التنظيميين سالفي الذكر، وهنا يكمن تحد آخر في وجه تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية وإدماجها في مجالات الحياة العامة.
وعلى كل حال فنحن متفائلون وننظر بإيجابية لهذا المسار رغم بعض العراقيل التي أخرت كثيرا إخراج القانونين.
- باعتبار الرابطة المغربية للأمازيغية فاعلا من بين عدد من فاعلي المجتمع المدني كيف ترون دور العمل المدني في خدمة القضية الأمازيغية وما هي الأدوار التي ينبغي أن يلعبها مع باقي الفاعلين؟
لا بد من التذكير أنه في التجربة المغربية، كان المجتمع المدني المغربي وطيلة قرون خلت فاعلا رئيسا في كل التحولات الكبرى التي شهدتها بلادنا، ونعتقد في الرابطة أن الكسب التاريخي للأمة المغربية والخبرة التي روكمت في مجال العمل المدني ساهم في تطوير تجربة العمل المدني في الدولة المغربية الحديثة، ومن تجليات ذلك يسر استيعاب آليات الاشتغال الحديثة الكونية وتطويعها لتتلائم مع خصائص المجتمع المغربي.
ومن النجاحات التي حققت في مجال الترافع المدني حول القضية الأمازيغية، قدرة التيار الغالب في المجتمع المدني الأمازيغي المغربي على ترشيد العمل الأمازيغي في اتجاه التوسط والاعتدال وتفويت الفرصة على كثير من الدعوات المعزولة التي كانت على الدوام تشكل تهديدا للحمة وتجانس وقوة المجتمع المغربي، بسعيها المستمر لبث التفرقة الهوياتية والعرقية في المجتمع المغربي، وذلك باصطناع كليشيهات وشعارات ورموز وخلق مراكز تفكير وانتاج دراسات تروم كلها اصطناع هوية متوهمة تفصل المغاربة بعضهم عن بعض ! إضافة إلى جهود هذا المجتمع المدني -باختلاف وتعدد مشاربه والمدارس التي ينتمي إليها- منذ نهاية ستينيات القرن الماضي، في الدفاع عن الأمازيغية والمطالبة بترسيمها وإدماجها في الحياة العامة، وهي المهمة التي نجح فيها إلى حد بعيد، ونتلقف اليوم بعض ثمارها، خاصة أن مطالب المجتمع المدني الأمازيغي التقت مع إرادة الدولة المغربية في بداية الألفية الجديدة، على فتح صفحة جديدة في الملف الأمازيغي، بسعيها لإنصاف الأمازيغية والتصالح معها مؤسساتيا واعتبارها ملكا لكل المغاربة، كإرث حضاري وثقافي مشترك بين كل المغاربة. والتزمت الدولة بذل كل جهودها لحماية هذا الموروث وتنميته وتطويره…وكل هذا جاء في سياق معروف سعى فيه المغرب إلى فتح عدة ملفات وتصحيح وتجاوز أخطاء الماضي، في مختلف المجالات سواء ذات الطبيعة الحقوقية او السياسية أو الثقافية أو الاقتصادية التنموية…
واليوم كل الفاعلين في المجتمع المدني الأمازيغي مدعوون إلى استيعاب التحولات الكبيرة في بنية المجتمع والدولة المغربية في السياق الراهن، والانتقال من خطاب المظلومية والتجييش العاطفي.. إلى مرحلة المساهمة في بناء مسار جديد أمام الأمازيغية. وما نسجله في الرابطة المغربية للأمازيغية خلال مرحلة نقاش القوانين التنظيمية للأمازيغية أن بعض أطراف المجتمع المدني لم تستوعب وتدرك بعد حجم التحول، وظلت غائبة عن نقاش جوهر المتن الدستوري والقانوني وبذل ذلك استنزفت جهدها في معارك هامشية مما فوت الفرصة عليها لتساهم في إخراج هذه القوانين على الوجه المطلوب منها.
ونحن في الرابطة نعتقد أن مسار الترافع حول الأمازيغية لم ينته بعد بل هو في بداياته الأولى، خاصة أن مسار إدماجها لا يزال في حاجة ماسة لجهود مختلف فاعلي المجتمع المدني، إضافة لحاجته لإرادة سياسية واضحة وتعبئة جماعية مسؤولة وانخراط غير مشروط لإنجاح هذا الورش الكبير.