سموتريتش في دور نتنياهو، وترامب يحيي خطّة بلير/كوشنر؛ مشهدان متزامنان، والضحية واحدة: فلسطين

كتبه: عبد الله الفاسي

لا يحتاج الاحتلال الصهيوني إلى كثير من التجميل لإخفاء وجهه الاستعماري؛ فهو يعلن التّمادي في مشروعه الاحتلالي بصفاقة في كل منعطف.

  • في تل أبيب، ظهر وزير حزب بوَزن صغير في الكنيست، اسمه بتسلئيل سموتريتش، ليؤدي مشهدًا تمثيليًا أكبر بكثير من حجمه: منصة بشعار الدولة، وعلمان خلفه، وخريطة كبيرة مضاءة على الشاشة. ثم أعلن بكل ثقة ما سمّاه “خطة الانتصار”. في عرض لم يكن سوى نسخة حديثة من “الحلم الصهيوني”: أرض بلا شعب لشعب بلا أرض.

الخطة في جوهرها ثلاث تصفيات:

  1. تصفية جسدية بالرصاص والقصف والتدمير الممنهج.
  2. تصفية بطيئة عبر الحصار والتجويع وقطع أسباب الحياة (الغداء والماء والدّواء والكهرباء…..).
  3. تصفية سياسية واقتصادية قوامها “التهجير الطوعي” وضمّ ما تبقّى من أراضي فلسطين.

إنه ببساطة مشروع إبادة مع سبق الإصرار. وبدلاً من أن يُقدّم كـ “رؤية يمينية متطرفة”، يُسوَّق على أنه “خطة دولة”، وكأن الترحيل القسري والتقتيل سياسة طبيعية لدولة “ديمقراطية”.

لكن المثير للسخرية أنّ سموتريتش، رغم ضآلة حزبه، يلبس عباءة “رئيس حكومة ظل”. في تقليد كاريكاتوري لنتنياهو، غير أنّ الفرق أن نتنياهو يجيد الكذب السياسي بلغة محسوبة، أما سموتريتش فيعلنها فجة: نحن هنا لنقتل ونطرد ونضمّ. وهنا تكمن خطورة اللحظة: ليس لأن “الخطة” جديدة، بل لأنها تُعرض بوقاحة وبغطاء رسمي، بينما العالم يلوذ بالصمت.

  • وفي الطرف الآخر من الأطلسي، يتكرّر المشهد بأزياء أخرى. في البيت الأبيض، جلس دونالد ترامب إلى طاولة مستديرة، لا مع الفلسطينيين، ولا مع العرب، ولا مع الأمم المتحدة، بل مع اثنين من عرّابي الاستعمار الحديث: جاريد كوشنر، صهره ومهندس “صفقة القرن”، وتوني بلير، رئيس الوزراء البريطاني الأسبق الذي ما زال يقدّم خدماته كمستشار دائم لمشاريع الهيمنة الاستعمارية.

وكان عنوان الاجتماع: “ما بعد حماس” أي أنّ مصير فلسطين يُقرَّر في غياب الفلسطينيين، ومستقبل المنطقة يُرسم بيد ثلاثة رجال لا يمثلون إلا المصالح الأميركية والإسرائيلية. هل من دليل أوضح على أن ما يُسمّى “صفقة” أو “سلام” ليس سوى غطاء لمشروع استعماري؟

هذا المشهد ليس استثناءً، بل استمرار لنهج متجذّر: من سايكس-بيكو إلى وعد بلفور، ومن “السلام مقابل الأرض” إلى “الأمن مقابل الاستسلام”. كلّها وصفات استعمارية تُعاد كتابتها بأقلام جديدة لكن بالحبر ذاته.

لكن أين العرب والمسلمون؟

هنا تأتي الفضيحة الأكبر. فبينما يخطّط سموتريتش للقتل، وترامب وكوشنر وبلير لتقسيم المنطقة، تجلس الأنظمة العربية والإسلامية متفرّجة، والبعض منها يكتفي ببيانات مكرورة عن “حلّ الدولتين”، كأنها أسطوانة مشروخة لا يصدّقها حتى من يردّدها.

والأدهى أنّ آخر صوت ظلّ يصرخ بدعم الدم الفلسطيني علنًا، خرج من صنعاء، ولهذا تحديدًا كان لا بدّ من تكثيف القصف على العاصمة اليمنية. المطلوب هو إسكات كلّ صوت يذكّر بأن هناك قضية، وأن هناك احتلالاً، وأن هناك دمًا يُسفك ظلماً.

السؤال الجوهري: ماذا ينقص هذه الدول لتثور نخوتها – إن كانت لها نخوة أصلاً؟ أهو المال الذي يُشترى به القرار السياسي؟ أهو الخوف من غضب واشنطن؟ أهو العجز الحقيقي أم التواطؤ المفضوح؟

لقد أثبت التاريخ أن المستعمر لا يفهم إلا لغة واحدة: الجهاد في سبيل الله. ليست كلمةً رومانسية ولا شعارًا، بل حقيقة تاريخية: من بدر إلى عين جالوت، ومن القادسية إلى الكرامة، لم تنتصر الشعوب المقهورة على الجبابرة إلا بالجهاد. فهل من المعقول أن يظنّ أحد أن الاحتلال سيخرج بالرجاء أو بالبيانات الصحفية؟

إنّ ما نعيشه اليوم ليس سوى مسرحية مكشوفة: وزير صغير يتظاهر بأنه رئيس، ورئيس أميركي سابق/جديد يعيد تدوير صفقة القرن مع عرّابَيْن استعمارِيَّيْن، وعالم عربي يغطّ في صمت عميق. وبين هذا وذاك، يبقى الشعب الفلسطيني وحده في الميدان، يكتب بدمه ملحمةً تتجاوز الخطب والمؤتمرات، وتفضح زيف العالم.

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى