سلسلة قراء مغاربة 11| سارة بلمامون.. مُحبّرة القرآن والمتألقة العالمية

منارات قرآنية تصدح بأصواتهم المساجد والمنتديات، ولترتيلهم تهفو القلوب، وتبتهج الأفئدة، وتشنف الأسماع، وفي كل مساراتهم تُرسم مشهديات النبوغ المغربي؛ فكأنهم أوتوا مزمارا من مزامير داود عليه السلام.
تتلألأ بهم مسابقات حفظ القرآن الكريم وتجويده في أصقاع العالم، فبحضورهم تكتمل المناسبات، وتحتدم المنافسات، وتشتد التحديات، وتلك من خصالهم المشهود لهم بها منذ القدم، وتحكي عنها المنافسات في الوقت الحاضر.
إنهم قراء المملكة المغربية؛ الذين ما تباروا في منافسة إلا سطروا فيها كبرى الأساطير، يبزون أقرانهم فيظفرونهم بقوة الحفظ، وعذب الترتيل، وحصافة العقل، بهم ترتفع الإيقاعات وتتفتق المواهب الرامية إلى الصدح بكتاب الله المجيد.
أولئك أبناء اللوح والقلم، لمثلهم تنظم الأعراس القرآنية، ويطاف بهم فوق سروج الخيول في المدن والمداشر إعلاء لمكانتهم كاهل الله وخاصته. نقدمهم لكم في سلسلة تعريف بقراء مغاربة:
هي ثالث ثلاثة تفوز بالجائزة الأولى للمسابقة الدولية لتلاوة القرآن الكريم في ماليزيا سنة 2023، فقد سارت على ركب كل من القارئة المغربية هاجر بوساق التي فازت بها عام 2012، والقارئة المغربية حسناء خولالي التي ظفرت بها في سنة 2013.
سارة بلمامون أبانت عن علو همة المغربيات في مجال حفظ وتجويد القرآن الكريم، وبينت أن المستحيل لم يك يوما مغربيا ولن يكن، فالعزيمة والإرادة والسير في درب كوكبة عالمات وفقيهات المغرب طريق الرقي إلى الثريا في كل عصر وحين.
بنت مدينة تاوريرت خطفت الأضواء على ركح قاعة “ميرديكا” للمؤتمرات بمركز مؤتمرات كوالالمبور في الملتقى الماليزي الدولي الـ63 لتلاوة وحفظ القرآن الكريم لتدافع أمام كبار المسؤولين الماليزيين عن جدارة المغربيات، حيث فازت بنتيجة مذهلة بلغت 93.05%.
يشهد أبوها عبد القادر بلمامون أن سارة كانت تميل منذ الصغر إلى تجويد القرآن العظيم لذا فازت بعناية فائقة من لدن والديها، خاصة أن والدتها تحفظ هي أيضا القرآن المجيد، كما يشهد في إحدى المقابلات أنها تصدت للمشاركة في المسابقات القرآنية في عمر ناهز 8 سنوات.
ومما يرويه والدها العلامة أنها كانت تشارك في الدورات المدرسية لحفظ وتجويد القرآن الكريم، وكذا المنافسات ضمن الدورات الصيفية التي ينظمها عالم المغرب مصطفى بنحمزة، إلى جانب المسابقات الوطنية والدولية، حيث كانت تحصل على المراتب الأولى.
نشأ حب القرآن الكريم لدى سارة وهي في مستوى التعليم الإبتدائي، ليعلم أن من حاز الإرادة والعزيمة والإصرار لا يحول بينه وبين الجمع بين الدراسة وحفظ القرآن الكريم حائل، بل يكون هذا عضد هذا وينتج عنهما تفوق في كلا المجالين.
“لما رأينا مولها إلى حفظ القرآن الكريم وتجويده أمتعناها بعناية فائقة، أهلتها لختم القرآن الكريم، والانتقال لتعلم قواعد تلاوته وتجويده”، يقول أبوها، الذي لم تخنه فراسته حين استبشر بحفظها للقرآن الكريم، ولحوقها بعائلته الحاملة لهم حفظه وتعليمه.
هذا التحصيل لم يأت من فراغ بل هو توفيق من الله، وبجهد جهيد من القارئة سارة، وبعناية من لدن أسرتها وشيوخها الذين تلقت منهم القواعد بشكل مباشر أو عبر الأنترنيت، تلك هي تركيبة متناغمة وفرت للقارئة الحضن الكبير للتحصيل والتألق.
وقد تجلى ذلك في فوز بالجائزة الأولى لمسابقة محمد السادس لحفظ القرآن الكريم وترتيله وتجويده لعام 2019، ونتيجة لمجهوداتها المتواصلة اختيرت للمشاركة في جائزة ماليزيا الدولية للقرآن الكريم في سنة 2023 والتي رأينا فوزها بها بجدارة واستحقاق.
تمثل القارئة سارة بلمامون نموذجا فريدا في تحبير القرآن الكريم، حيث تنتقل من مقام إلى مقام بسلاسة كبيرة، وتحقق الحروف والحركات والسكنات، وتطيل التلاوة بنفس مندفعة على طريقة القارئ عبد الصمد عبد الباسط رحمه، حتى أن القاعة تهتز لصنيعها المذهل بالتكبير والتهليل.
وتعد قبسا ينير للشباب المغربي طرق العلى نحو ركوب المراقي، وتشكل للشابات المغربيات قدوة تظهر في تقاسم مقاطع تلاوتها للقرآن الكريم في منصات التواصل الاجتماعي على نطاق واسع.
موقع الإصلاح