سلسلة غزاويات طوفان الأقصى (22) – نور الدين الهادي

الهولوكوست الصهيوني في غزة 

عرضت المقاومة الفلسطينية في غزة، خلال هذا الأسبوع فيديو يوثق لأحد الجنود الأسرى لديها، وقد بلغ منه الهزال مبلغا ينبئ بموته جوعا، كانت صدمة الكيان الصهيوني حكومة وشعبا ومعه أمريكا والعديد من حكومات الغرب المنافقة، لم تحركهم المجاعة المتفشية وسط ملايين سكان غزة الذين يموتون جوعا بالعشرات ثم المئات وقد يتطور الأمر إلى الآلاف بعدما صاروا هياكل عظمية تتهادى وسط ركام أبنية غزة المدمرة، باحثين عن كسرة خبز أو حبات عدس، أو حفنة طحين تحت قصف إسرائيلي مستمر، وقناصة “موزعي المساعدات الملغومة” أو بالأحرى موزعي الموت، إضافة إلى المساعدات القاتلة الملقاة جوا فتسقط على رؤوس المجوعين ولا تقدم حلا لحالة المجاعة المستشرية في القطاع، وقد اضطر الغزاويون نتيجة الحصار والتجويع إلى أكل طعام الدواب وأوراق الأشجار التي نجت من محرقة صواريخ الصهاينة.

بل بلغ الأمر إلى أكل التراب لملء الأمعاء الفارغة منذ شهور، في مشهد يدمي القلب، إنه عقاب جماعي يمارسه الاحتلال الصهيوني في حق سكان القطاع، يتجاوز بكثير هولوكوست ألمانيا ضد اليهود أثناء الحرب العالمية الثانية، ويتابعه العالم أجمع بالصوت والصورة على مدار الساعة، علما أن القانون الدولي الإنساني، وتحديدًا اتفاقيات جنيف لعام 1949 والبروتوكول الإضافي الأول لعام 1977، يجرم بشكل واضح صريح تجويع السكان المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب، و جريمة ضد الإنسانية، وعملًا من أعمال الإبادة الجماعية، فالمادة (54) من البروتوكول الإضافي الأول تنص على أنه “يُحظر تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب، كما يُحظر مهاجمة أو تدمير أو نقل أو جعل الأشياء التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين على قيد الحياة، كالغذاء والمياه ومصادر الطاقة”.

لقد أجبر مشهد الجندي الأسير، رئيس حكومته الإرهابي نتن ياهو على توجيه طلب عاجل إلى مؤسسة الصليب الأحمر الدولي لإدخال الطعام للأسرى الصهاينة لدى المقاومة، لكن الرد كان سريعا وحاسما من أبي عبيدة الذي اشترط إدخال المساعدات والطعام لكل سكان غزة من الشمال إلى الجنوب، دون أي قيد أو شرط، ووقف اصطياد المجوعين وقنصهم، مقابل إطعام الأسرى الإسرائيليين، وهي معادلة عادلة تضعها المقاومة: الجوع مقابل التجويع، والإطعام مقابل الإطعام، وهو دليل على قوة الموقف الميداني للمقاومة.

إن استقراء تطور حرب الإبادة التي يشنها الكيان الصهيوني ومعه الولايات المتحدة الأمريكية، على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وباقي الأرض المحتلة في الضفة الغربية و الخط الأخضر منذ قرابة سنتين، وما تقوم به قوات الاحتلال من تدمير شامل للبنيات التحتية والبنيان، وقتل همجي وإبادة جماعية عبر القتل المباشر بالقنابل الأمريكية، أو القتل الممنهج عبر التجويع المؤدي إلى الموت البطيء، وعبر نشر الأمراض الفتاكة المنتشرة نتيجة استعمال المياه الملوثة وعدم التداوي من الأمراض المختلفة المنتشرة وسوء التغذية… وتجويع سكان غزة حتى الموت هو سلاح الصهاينة الصامت الجبان، للقضاء على أبناء فلسطين الذين أصبحوا جميعا مشاريع شهداء، وإفراغ القطاع بطريقة ممنهجة، هي دون شك كارثة إنسانية يشهدها العالم دون حراك، ونشهدها نحن العرب والمسلمون دون أن يكون لنا أدنى دور لوقف هذا النزيف وهذه المأساة الإنسانية في حق إخواننا في الدين والعروبة.

إن وصول حالة التجويع والمجاعة إلى المرحلة الثالثة يعد أزمة خطيرة تنبئ بفاجعة حتمية إن لم يتدارك الموقف، وهي تعني الوصول إلى مستوى “انعدام الأمن الغذائي الحاد”، وتشير إلى أن السكان يعانون من فجوات كبيرة في استهلاك الغذاء وسوء تغذية متفاقم، ويعني دخول هذه المرحلة في غزة أن جزءا كبيرا من السكان يعيشون على حافة الجوع الشديد، و يضطرون إلى استخدام وسائل ضارة للبقاء، وهم معرضون لمجاعة إن لم يتم التدخل فورا، كما سيصبح الوضع مرشحا للإنحدار السريع إلى المرحلة الأخطرالمؤدية إلى وفيات بعشرات الآلاف.

إن أربعين ألف طفل رضيع لا تتجاوز أعمارهم عاما واحدا على حافة الموت جوعا بسبب انعدام حليب الأطفال و عدم توفر التلقيحات الضرورية، والعدد في ازدياد متسارع بالنظر للولادات الجديدة، كذلك فإن التجويع يعرّض النساء الحوامل إلى مشاكل كبيرة متفاقمة، كفقر الدم وانخفاض الأملاح في الجسم، والولادة قبل موعدها، وإنجاب أطفال مشوهين ومعرضين للموت، وهناك ستون ألف سيدة حامل معرضات لخطر انعدام الرعاية الصحية، وحتى وإن توقف التجويع فإن تدهور الوضع الغذائي وخطورته، ستكون له تداعيات صحية ونفسية وخيمة على سكان غزة خلال السنوات القادمة.

الغريب في الأمر أن شخصيات غربية تنتفض لهذا الإجرام الصهيوني، حيث صرح الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي  للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية السابق جوزيب بوريل، أن صمت أوروبا سمح باستمرار إبادة الفلسطينيين دون رادع، مقوضة بذلك كل ما تمثله القارة العجوز من مبادئ، ودعا قادتها للتحرك الآن، لأن رفضهم معاقبة إسرائيل يجعلهم متواطئين في جرائمها، مع أنه لا شك أن الحكومة الإسرائيلية ترتكب إبادة جماعية في غزة، حيث تذبح وتجوع المدنيين بعد تدميرها الممنهج لجميع البنى التحتية في القطاع، وذكر بأن المستوطنين والجيش الإسرائيلي يواصلون يوميا انتهاكاتهم الجسيمة المتكررة للقانون الدولي والقانون الإنساني الدولي في الضفة الغربية والقدس الشرقية، مشيرا إلى أن من لم يتحرك لوقف هذه الإبادة الجماعية وهذه الانتهاكات – مع امتلاكه القدرة على ذلك- يعد متواطئا فيها.

أين حكام العرب والمسلمين من نداءات الإستغاثة القادمة من أرض الإسراء والمعراج، لقد صُمَّت آذانهم عن استغاثة النساء الثكالى، وصرخات الأطفال والرضع المُجوعين، وكبلوا أيديهم بما أبرموا من اتفاقات التطبيع بل الاعتراف بكيان غاصب، وتحولوا إلى حراس أوفياء لكيان إرهابي، وحالوا بين شعوبهم وبين عدوهم، دون اتخاذ مواقف لدعم شعب يتعرض لإبادة لم يعرف التاريخ مثيلا لها، أين هؤلاء الحكام ممن سبقهم في كراسي الحكم من الحكام العرب القدامى، الذين كانوا يهبون كلما وقع خطب في المسجد الأقصى، فحينما أحرق مستوطنون المسجد الأقصى سنة 1969، اجتمع الملوك والرؤساء العرب بدعوة من الملك الراحل الحسن الثاني بالعاصمة المغربية، في قمة عربية وإسلامية، وأعلنوا إدانتهم لذلك الفعل الشنيع، أما الآن فملايين الأطفال والنساء يجوعون ويساقون إلى الموت، دون أن يحرك حكام العرب ساكنا، رغم أن بعض هؤلاء لهم حدود مباشرة مع غزة، إنها نكبة كبرى أصابت بلادنا العربية والإسلامية.

أين هؤلاء من حدث دخول الإرهابي وزير الأمن الإسرائيلي ايتمار بن غفير خلال هذا الأسبوع إلى باحات المسجد الأقصى والقيام بصلوات تلموذية بجانب حائط البراق، مرفوقا بالمئات من المستوطنين وسط حراسة أمنية مشددة بمناسبة ما يسمى عند اليهود بخراب الهيكل، مما يعد تدنيسا غير مسبوق في تاريخ المسجد الأقصى، ويشهد على خذلان العرب والمسلمين لأول القبلتين وثالث الحرمين، وقد صرح أنه آن الأوان لبناء الهيكل “المزعوم” على أنقاض المسجد الأقصى وقبة الصخرة، حيث تمت تحتهما الكثير من الحفريات والأنفاق الصهيونية تمهيدا لانهيارهما التلقائي، وهو الذي أعلن وكرر أنه يلزم ضم القدس الشرقية وغزة والضفة الغربية وإقبار القضية الفلسطينية، فهل في الأمة صلاح الدين جديد يقود إلى رفع العار ودحر المعتدين، وهل من جيش يقتفي أثر جيش صلاح الدين لتحرير الأقصى وفلسطين.

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى