سالم إنجيه يكتب: الاعتبار بخلو الديار
تجاوبا مع التدابير الاحترازية المتعينة، وانضباطا لضوابط حالة الطوارئ الصحية المعلنة، لزمت بيتي، واكتفيت بتتبع بعض الأخبار من هنا وهناك عبر بعض المواقع الإخبارية، ووسائل التواصل الاجتماعي صباحا، وعند الظهر أجلس في موقع التلميذ مستفيدا من دورة تكوينية في فقه الزكاة وحسابها للشركات والأفراد عبر الانترنيت من تقديم الفاضلين الدكتور صلاح الدين عامر والدكتور رياض الخليفي حفظهما الله تعالى، من جمعية المحاسبين والمراجعين الكويتية.
أمضيت خمسة أيام من الاحتباس في البيت، محاولا تنبيه الأولاد على ضرورة تدبير الزمن للحفاظ على الحد الأدنى من التعاون مع المدرسة رقميا، رغم أن والدتهم هي المنشغلة حقيقة بمراقبة تلقي الدروس وإنجاز الواجبات..، وبين تتبع الأخبار، والاستفادة من دورة الزكاة..
هكذا لم أغادر البيت إلا بعد توصلي بدعوة من مندوبية الشؤون الإسلامية بالعيون لحضور مراقبة هلال شهر شعبان لعام 1441 للهجرة بصفتي المهنية…
خرجت من البيت بزنقة العلا حي القدس متوجها إلى شارع مكة حيث نقطة المراقبة، قبيل المغرب أي بعد التوقيت الطارئ لإغلاق المحلات التجارية كافة، فهالني فراغ الشوارع من المارة إلا حالات متفرقة لا عبرة بها؛ في وقت كنا نعُدُّه وقت ذروة وحيوية ونشاط متواصل إلى منتصف الليل…
كلما تقدمت في المسير ازدادت وحشتي، فانشغلت بالذكر والتسبيح، ـ محاولا الاعتبار بما رأيت من حال الديارـ، والخواطر تتدافع في نفسي حامدا شاكرا لأنعم الله تعالى التي لا نتفطن لأغلبها مع الأسف إلا بعد فقدها بسبب الغفلة والاغترار بظن دوام الحال…
كانت الحريةُ أعظم النعم المقيدة، فالخروج والتنقل يتوقفان على إذن مسبق؟؟ والتحية السلام على مسافة، ولسان الحال ما المنتظر؟ وما الذي تخفيه الأيام؟ جعله الله خيرا؛ فبأسمائه الحسنى وصفاته العليا نسأله تعالى أن يرفعَ الوباء، ويكشفَ البلاء، ويحفظَ الآلاء.
شاهد : الدعاء الآن وما يقال فيه الدكتور عز الدين توفيق |
إن استجابة السكان والتزامهم لمقتضى الطوارئ الصحية، أمر مُقدر، لا يوازيه سوى شكرِ جهود جنود الخفاء الظاهرين من أطر طبية بالمستشفيات، ورجال شرطة وقوات المساعدة وسلطات محلية الذين يرابط بعضهم واقفا عند ملتقيات الطرق الرئيسية، والآخر في دوريات تجوب الشوارع الخالية إلا منهم، حفاظا على الأمن ومراعاة لشروط الصحة، واحترازا من عدوى الوباء…
بعد انتهاء مراقبة الهلال، وتَعَيُّن صلاة المغرب آلمني جدا تعذُّر الصلاة في ساحة المسجد المغلق، فتوجهنا إلى مقر مندوبية الشؤون الإسلامية حيث اضررنا للصلاة فرادى لانعدام مكان يتسع للجماعة في ظل شروط وقائية..
غادرنا مقر المندوبية وعبرنا شوارع مكة، وإدريس الأول “بوكراع” والبئر الجديد، وسكيكيمة، ومزوار، وعمر المختار” طانطان”؛ كلها خالية، محلاتها مغلقة، وحركة السير فيها شبه منعدمة، وهي التي كانت قبل أيام قليلة، مكتظة كعادتها، تعج بالمارة والباعة والمتسوقين والسيارات… فلله الأمر من قبل ومن بعد..
أغلب لوحات الإعلان ـ فضلا عن اللافتات المعلقة بمختلف أحياء وشوارع المدينة ـ حملت “نداء من أجل الحياة”، يتضمن تحذيرا من مخاطر جائحة كرونا، وهو أمر مهم يدعو للحفاظ على حياة الناس وتجنب الأذى، والاحتياط من انتشار الوباء، في أفق استعادة العافية بحول الله تعالى..
وحيث إن الشيء بالشيء يذكر؛ أقول إن استجابتنا لنداء الحياة مدعاة للتفكير فيما وراءها من الحياة الأبدية الخالدة؛ وذلك بالشعور والإحساس بيوم التلاقي فهو أعظم داعية للاستعداد لها عبر طريق واحد لاحِبٍ هو طريق الطاعات، وإعمار الأرض بالأعمال الصالحة، من مثل إحياء روح التكافل والتعاون، وإيصال الحقوق إلى مستحقيها، والقيام برسالة الاستخلاف في هذه الأرض…
يقول الحق سبحانه تعالى :” رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ(غافر15)”،
إننا بحاجة في الظروف الصعبة إلى الانتقال من رصد الآلام، إلى تحقيق الآمال، وتحويل المحن إلى منح، والسعي لإحياء حقائق الوجود وعلى رأسها غايته، المتمثلة في جميل عبادة الله تعالى التي تغطي جميع مناشط الإنسان بإحسان، لا يَنِدُّ فرع فيها عن أصل..” قل إن صلاتي ونُسُكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين..”.
فاللهَ اللهَ في فرصة المكوث في البيوت، وفي الوقت الذي ينصرم من أعمارنا دون توظيف واستغلال، واللهَ اللهَ في نياتنا، وفي أعمالنا، وفي من استرعانا الله عليه من عيال ونحوه كل من موقعه؛ فلنراجع سجلاتنا بعرضها على مرايا الحق، ولننطلق أكثر عزما، وأشد مضاء لفعل الخيرات وترك المنكرات..
إنها دعوة للمبادرة إلى بذل الخير، ونشر البر، وإشاعة العطاء، اعتبارا بما حل بالديار من آثار تفشي الوباء.. والله المستعان.