زكاة الفطر.. منافع لا جدال- أشرف دوابة
من نفحات شهر رمضان المبارك أن الله تعالى يسر للصائمين فيه أداء زكاة الفطر جبرا لصيامهم ، وتسمى أيضا صدقة الفطر لما تتصف به من كونها عطية عند الفطر تعطى لمستحقها عن طيب نفس ابتغاء ثواب الله ومرضاته.
وتتعدد فوائد تلك الزكاة ففي الجانب الروحي: تؤدى زكاة الفطر إلى تزكية الأنفس، وتخرجها من داء الشح والأنانية والحرص على المال، وفي الجانب العبادي: تجبر نقصان الصوم وتطهر صاحبه مما ارتكبه من لغو أو ورفث في رمضان، وعلى الجانب الاجتماعي: فإنها فرصة يواسي فيها الصائم إخوانه الفقراء والمساكين ويحس بحاجتهم وآلامهم، ويشاركهم ويشاركونه فرحة العيد ويكفيهم ذل السؤال في هذا اليوم الفضيل، مما يزيد من الحب والود والتراحم ويغلق أبواب الحقد والحسد والكره. وقد ذكر الرسول الكريم تلك المعاني الطيبة فيما رواه أبو داود وابن ماجه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ” أن النبي صلى الله عليه وسلم فرض الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين ، فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات “.
وزكاة الفطر ترتبط بالأشخاص لا بالأموال ، فهي تجب على كل مسلم سواء كان ذكرا أو أنثى حراً أو عبداً، كبيراً أو صغيراً عنده صاع زائد عن قوته وقوت عياله ومن تجب عليه نفقته وحوائجه الأصلية يوم العيد وليلته، والصاع يقدر بنحو اثنين كيلو ونصف تقريبا. ويخرج المسلم تلك الزكاة عن نفسه وعمن تلزمه نفقته كزوجته وأولاده، وكذا خدمه، وأما الأيتام والمجانين فيخرجها وليهم من مالهم فإن لم يكن لهم مال فيخرجها عنهم من تجب عليه نفقتهم. فقد روى البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما قوله: “فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعا من تمر أو صاعاً من شعير على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة” ، وروى أحمد والبيهقي عن عبد الله بن ثعلبة عن أبيه: أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: “أدوا صاعًا من قمح أو بر عن كل صغير أو كبير ذكر أو أنثى، حر أو مملوك غني أو فقير، أما غنيكم فيزكيه الله، وأما فقيركم فيرد الله عليه أكثر مما أعطى”.
وزكاة الفطر تتبع البدن فيجب أن تخرج في البلد التي يقيم فيها الشخص إلا إذا اقتضت المصلحة نقلها إلى بلد آخر. والأصل فيها أن يتم إخراجها من قوت أهل البلد كالأرز والبر ونحوهما بصاع عن كل شخص. ويري الأحناف إمكانية دفع القيمة. ويمكن الجمع بين القولين بأن الرأي الأول يكون في حال ما إذا كان الفقير يسد حاجته الطعام في يوم العيد، وإخراج القيمة يجوز في حال ما إذا كانت النقود أنفع للفقير كما هو الحال في واقعنا المعاصر، ولعل ما رواه البيهقي من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ” أغنوهم في هذا اليوم” ، يؤيد هذا القول؛ لأن حاجة الفقير الآن لا تقتصر على الطعام فقط ، بل تتعداه إلى اللباس ونحوه ، ولعل العلة في تعيين الأصناف المذكورة في الحديث ، هي: الحاجة إلى الطعام والشراب وندرة النقود في ذلك العصر ،حيث كانت أغلب مبايعاتهم بالمقايضة، كما أن الرسول عليه الصلاة والسلام حينما فرض هذه الأطعمة كانت أيسر على الدافع وأنفع للآخذ فالدافع يدفع ما هو ميسر له من بر أو شعير أو أقط (اللبن المجفف) والآخذ يجد في ذلك تلبية لحاجاته والحيلولة بينه وبين السؤال. ونحن في زمن الفقير فيه لا يعانى من قلة الأكل بقدر معاناته من قلة الدخل فلنهتم بمعاناته. ويؤكد ذلك ما نراه في المدن الكبيرة حيث أن توزيع الطعام أمر قد لا يحقق المرجو منه فهذا الطعام قد لا يكون الفقير في حاجة إليه في ظل انتشار أفران الخبز وغيرها ، وقد يلجأ الفقير لبيعه كله أو جزء منه وهو الأمر الذي يزيد من المعروض من السلعة ومن ثم انخفاض سعرها، كما قد يقع الفقير في قبضة استغلال التجار من خلال بخسهم لثمن السلعة التي يرغب الفقير في بيعها لعدم حاجته إليها، وهو ما ينعكس سلبا عليه، بينما النقود تمكن الفقير من تلبية ما يريده من مأكل أو ملبس وغيره، فالنقود تجمع بين كل ذلك. وإذا كان الأمر كذلك فإن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً ، فيجوز إخراج النقود في زكاة الفطر للحاجة القائمة والملموسة للفقير في عصرنا الحاضر، وقد طبق عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أخذ القيمة في الزكاة فتعددت منافعها حيث قضت على الفقر قضاء مبرما حتى لم يجد عمر فقيرا يعطيه.
وقد ارتبط وقت إخراج زكاة الفطر في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم بالوقت الواقع بين صلاة الفجر وقبل الخروج لصلاة العيد ، وهو وقت يتسع لأداء تلك الزكاة وتوزيعها على مستحقيها في عهد النبوة حيث كان المجتمع صغير وبسيط ومحدود، وبعد عهد النبوة شهد الإسلام توسعا وكثر عدد الذين دخلوا فيه، ومن ثم زادت أعداد المستحقين لتلك الزكاة فتوسع بعض الفقهاء في ميقات زكاة الفطر وأباحوا إخراجها من منتصف رمضان، ثم اتسع الفقه مع الواقع نتيجة لتوسع البلدان وانتشار الإسلام وكثرة المستحقين لها فأجاز بعض الفقهاء إخراجها من أول رمضان، وهو الأمر الذي في حقيقته يحقق الهدف من زكاة الفطر، حيث يعطى فسحة من الوقت للبحث عن الفقراء بصورة متأنية وإدخال السرور عليهم، وهو ما يعتبر عاملا ديناميكيا وميسرا لعمل الجمعيات الخيرية التي تتولى جمع الزكاة وتوزيعها في واقعنا المعاصر.
ويكشف الواقع أن العديد من الجمعيات الخيرية تأتيها أموال كثيرة في صباح يوم العيد من باب زكاة الفطر ولا تجد من الفقراء من تدفع إليهم هذا المال في هذه الفترة الوجيزة، فهل تتحول هذه الزكاة إلى صدقة من الصدقات لا تجزئ عن صاحبها ولا تسقط بخروج وقتها ؟ وهل يجوز استثمار تلك الأموال إلى حين دفعها لمستحقيها؟.
إن هذه الأموال لا يمكن اعتبارها بالنسبة لمخرجيها صدقة من الصدقات بل هي زكاة فطر مقبولة إن شاء الله حيث أن براءة ذمة المزكي تكون حاصلة بمجرد بذله لزكاته إلى وكيل ثقة عارف بما يجب عليه نحو الزكاة كالجمعيات الخيرية ونحوها.
أما بالنسبة لاستثمار تلك الأموال فيعترض بعض الفقهاء على ذلك؛ لأنها شرعت لإشباع حاجات عاجلة لدى الفقراء والمساكين، ولهذا أوجب الشرع صرفها في الحال، ولم يجز تأخيرها لغير عذر، فالأصل هو عدم استثمارها، لأن الاستثمار يعني حجب أموال الزكاة عن مستحقيها، وتأخير تسليمها، وقد تتعرض لأخطار التجارة.
وفي المقابل فإن العديد من الفقهاء المعاصرين أجازوا لتلك الجمعيات استبقاء ما بقي لديهم من زكاة الفطر للنفقة منه على الفقراء سائر العام فلا مانع من استثمارها استثمارا مؤقتا بالطرق الشرعية المأمونة، على أن يُسند الإشراف على الاستثمار إلى ذوي الكفاية، والخبرة، والأمانة، وعلى أن يتم دفعها مع أرباحها لمستحقها عندما يوجد. فمن الأمور المسلمة أن الحكم الشرعي يدور مع المصلحة وجودا وعدماً ، فإذا ما وجدت المصلحة وجد الحكم ، فإذا ما كانت المصلحة فثم شرع الله. والمصلحة ظاهرة في الوقت الحاضر فكلما تحرك المال، كلما كانت العوائد والمنافع راجعة إلى أكبر عدد من الناس باعتبار أن تشغيل المال يبدأ بتشغيل وينتهي بمن يستفيد منه، وهو الأمر الذي يعود خيره على ذوي الحاجات.
وبذلك تؤخذ زكاة الفطر دورها الاستهلاكي كوظيفة أساسية فضلا عن دورها الاستثماري فيما تبقى من تلك الأموال ولم يتم صرفه لمستحقيه لعذر على أن يكون ذلك الاستثمار مؤقتا ولا تزيد مدته عن الحول الهجري، وهو الأمر الذي يسهم في تنشيط الأسواق، وتنمية الاستثمارات .. والله أعلم