رمضان وسينما الشباب وأفلامهم القصيرة في غياب الأندية والمعاهد – الحبيب عكي
جميل ولا أجمل أن يكون لدينا شباب يافع ما شاء الله، يهتمون بالفن السابع إنتاجا واستهلاكا حد الهوس، ورائع ولا أروع أن يكون هذا الشباب المتقد وهو ينتشي بدمقرطة تقنيات الإنتاج وما يجد فيها من حرية كبيرة، قد أخذ بيده زمام المبادرة بكل عصامية في محاولة منه مقصودة أو غير مقصودة لتجاوز كل الطرق و الزعامات والمؤسسات التقليدية لإنتاج الفن السينمائي، هذه التي لو وقف ينتظر ولوجها والعمل من خلالها، ما فتحت له بيروقراطيتها ووساطتها أبوابها الموصدة الصدئة، فبالأحرى أن يحظى ببعض دعمها أو مجرد ترخيصها من أجل التصوير الذي يعاني من أجله الشباب ما يعانون، وربما حتى لو حدث من هذا وذاك شيء فبشروط تعجيزية هي أقرب إلى الرفض والمحسوبية والركض المجاني منها إلى الانفتاح والقبول والاستحقاق والإدماج.
ويبقى المتابع لإبداعات الشباب السينمائية – إن جاز التعبير – من خلال ما يبدعون في قنواتهم وبمناسبة رمضان وغيره من المسابقات والمبادرات، يجد أن اهتمامهم يرتكز على صناعة المحتوى بصفة عامة، وخاصة محتوى الغناء الاستعراضي، وبعض الروبوتاج المباشر عبر الصفحات الاجتماعية، والفيلم القصير عبر “اليوتوب”، هذا الأخير الذي إذا ما أخذناه بمجرد المشاهدة قبل الدراسة والتحليل، نجد أنه مبستر بكثير من النظرة الاختزالية لمجمل الأمور، تغيب فيه القضايا الجادة للأمة والعالم، كما أنه لا يركز على هموم الشباب في شموليتها بل على جزء منها فحسب، وهو العلاقات العاطفية بين الجنسين ومغامراتها، وعلى بعض الدراسة والبحث عن العمل المفقود، بالإضافة إلى التشكي الدائم من صعوبة الحياة، دون إعطاء بدائل وحلول غير ظاهرة الاستهتار والمغامرة غير المحسوبة العواقب، وكل هذا يعزز الانطباع السيء الذي يظهر به الشباب في أفلامهم.
ويبقى للفيلم الشبابي القصير أيضا بعض القيم المشاعة من مثل: احترام الصداقة والشعور بالآخر وتمني الخير له، مع عنف الانتقام منه في نفس الوقت كلما أظهر الغدر والخيانة، احترام الوالدين وخاصة الوالدة المتعاطف معها على الدوام حتى وإن كان الأمر ضد الوالد، الغيرة على الأخت وادعاء المسؤولية عليها عكس أخوات الآخرين المستباحات في كل المغامرات، ليبقى الطابع العام لهذه الأفلام هو التأثر بالإعلام و النسج على توجهاته العولمية والاستهلاكية بدل مناقشتها من أي رؤية كانت. وإن كان متجاوزا أن يكون للشباب رؤيتهم الفنية في الكتابة والسيناريو إن وجد، أو في أنماط التمثيل وتلقائيته، أو حتى في الأدوات البسيطة وغير الاحترافية في التصوير كبسيط الهواتف الذكية والمصورات الرقمية، أو فضاءات التصوير وهي في الغالب فضاءات أسرية و حدائق عمومية رغم منعها، ولكن تبقى هناك بعض الأمور الأساسية من اللازم مراعاتها واحترامها إذا أردنا أن نتحدث فعلا عن شيء يسمى السينما وسينما الشباب، ومن ذلك:
1- فكريا:
1- ضرورة امتلاك مرجعية فكرية لأن السينما ليست مجرد صوت وصورة.
2- ضرورة امتلاك مرجعية قيمية حتى لا نطبع مع القيم الهدامة من حيث نريد البناء.
3- الحاجة إلى نضج أكثر يتجاوز المعيب من السطحية والارتجالية في الأفكار والشخصيات، لتجاوز مجرد “الترفيه” إلى شيء من “الرسالية” التي تجمع بين المتعة والإفادة.
4- الحاجة إلى التعاطي مع مواضيع جادة والتي تشكل عمق ما يعانيه أو يطمح إليه الشباب، كإشكالية السلطة وأداء المؤسسات ورداءة الخدمات أو الحرية والكرامة والاستقرار الاجتماعي، أو التدين والقيم والتطرف والانحراف، أو المواطنة والديمقراطية وحقوق الإنسان، أو التعليم والصحة والهجرة والبطالة وغيرها من القضايا الوطنية والدولية، وطبعا، يمكن أن يكون كل هذا من منظور الشباب.
2- تقنيا:
1- تملك مهارة وفلسفة الصورة والتمثيل عموما.
2- تملك أدوات استنطاق الصورة وتحريك الممثل من زوايا التصوير..الديكور والإضاءة والصوت..الشخصية والموسيقى التصويرية وغير ذلك من عناصر السينوغرافيا.
3- وضوح المدرسة الإخراجية بين الكوميديا و الدراما والوثائقي والتاريخي…وغيرها من مدارس الإخراج.
4- تملك تقنيات التوضيب وجودة الصوت والصورة..ومهارة النشر والتوزيع عبر المتاح من الفضاءات الرقمية والمدرسية والجمعوية وغيرها.
وكان بالإمكان، أن تكون مجمل هذه الأمور يسيرة سهلة وفي متناول الشباب، وذلك مع تواجد شيء من المعاهد والكليات، ومراكز التكوين والأندية والجمعيات الفنية والسينمائية، لكن في غياب هذا وضعفه الشديد أو تمركزه في بعض المدن الكبرى فحسب، يبقى السؤال مطروحا ، كيف السبيل إلى إكساب الشباب الطموح اللازم من الثقافة السينمائية والمسعفة لهم في مبادراتهم وإبداعاتهم، والتي لا ترقى إلى المستوى السينمائي الحقيقي إلا بها، وفي هذا الصدد:
1- لا بد من بعض المعاهد والكليات وتسجيل الماسترات الفنية والسينمائية فيها.
2- لا بد من بعض المراكز الثقافية والمعاهد التكوينية الجماعاتية للقرب من الشباب.
3- ومن المفيد جدا إحياء الأندية والجمعيات السينمائية وما كانت تزخر به من المشاهدات والنقاشات الهادفة، وكذلك التربية على ثقافة الصورة وصناعتها والذوق الفني السليم في الأندية التربوية للمؤسسات التعليمية.
4- تنظيم مهرجانات سينمائية على هامشها دورات تكوينية حضورية وعن بعد لتبادل الخبرات وتقاسم التجارب.
5- تشجيع حركة التأليف والنشر، والتوثيق السمعي البصري لمختلف الأعمال، والدعم الجماعي لمشــــــاريعها.
6- الاطلاع على قدر محترم من الثقافة السينمائية وتاريخها وعلومها، وتحفها الدولية من الفكرة وإلى الشاشة.
7- امتلاك ثقافة التعاون والعمل الجمــاعي في أجواء تخصصية وتكـــاملية منضبطة و محترمة للأخلاق العامة.
8- إنشاء مواقع إلكترونية متخصصة وفتح قنوات على “اليوتوب” فردية وجماعية لترويج السينما وثقافتهـــا.
9- تشجيع حركة النقد من طرف الخبراء والمتمرسين وضمنهم الشباب تحفظ للفن السينمائي شكله الإخراجي ومضمونه الرسالي.
10- تبني القضايا الوطنية والإنسانية والترافع عليها سينمائيا، و تشجيع التواصل والتبادل الثقافي السينمائي الوطني والدولي بين الشباب.
ويبقى الفن السينمائي، إلى جانب الدين والفلسفة كما يقول “علي عزة بيكوفيتش”، من أكثر الفنون شمولية وجمالية، اعتاد الإنسان على استخدامها لخدمة قضايا الفكر والتربية والثقافة، وأكثر الحوامل والمداخل تأثيرا في الإنسان وتعبئته وإطلاق ممكناته في تمثل العادات والعبادات ومختلف جوانب الحياة الاجتماعية والسياسية، بل إن السينما صناعة فكرة وإخراجا كما يقول “ألفريد فرج”، يمكن أن تكون من أكثر الجوانب المفيدة متعة وإفادة لكل مختلف الفئات العمرية، ومن أكثر الجوانب المربحة التي يمكن الاستثمار فيها للحفاظ على التراث اللامادي للشعوب وقيمها وعاداتها ونشر لغتها والسياحة في بلدانها، مسرح “بريطانيا” و سينما “كوريا” نموذجا، قال أحد السينمائيين: ” كل أفلامي مبنية على فكرة الحصول على مشكلة، ومن ثمة إعطائي الفرصة كمخرج أو ممثل لألا أصبح كارثة حقيقية وأنا أحاول البحث لها عن حل، من خلال ظهوري بمظهر رجل عادي وبسيط ككل بسطاء الحياة “، شارلي شابلن.