رمضان شهر الإنفاق وترشيد الاستهلاك
جعل الله لشهر الصيام مقاصد كثيرة، تطال عقل الإنسان وروحه وجسده، وتشمل مجالات حياته الاجتماعية والاقتصادية.. فهو مدرسة لتقوية الإرادة وترسيخ الإيمان، وتقوية أواصر التكافل والتعاون الاجتماعي حيث تنمو مشاعر الإحساس بالضعفاء والفقراء، ويكثر الإنفاق في سبيل الله. كما أنه شهر ترشيد وحسن تدبير للموارد والإمكانات.
أولا: رمضان شهر الإنفاق في سبيل الله:
جاء في صحيح البخاري ومسلم عن بن عباس رضي الله عنه قال ” كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود من الريح المرسلة“
فمما يستفاد من الحديث:
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان الأجود على الإطلاق في كل وقت وحين، وأن جوده شامل شمول الريح المطلقة، التي لا تستثني أرضا من غيثها، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم لا ستثني من عطائه صغيرا ولا كبيرا، غنيا ولا فقيرا، مسلما ولا كافرا..
الربط بين الإنفاق ومدارسة القرآن، وفي ذلك إشارة أن الإنفاق من بركة القرآن، وثمرة من ثماره، ومؤشر دال على العمل بما جاء فيه من قيم وأحكام وتوجيهات.
استعمال الجود بدل النفقة والعطاء، والجود هو إسراع بالنفقة قبل السؤال، وفي ذلك حث على المبادرة للنفقة والإسراع في تلبية احتياجات الفقراء قبل سؤالهم.
وقد تأثر الصحابة رضي الله تعالى عنهم بخلق رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإنفاق فكانوا يسارعون ويتنافسون في ذلك، وسيرتهم زاخرة بالنماذج والشواهد الدالة عل ذلك، لأنهم علموا أنها برهان إيمانهم ” الصدقة برهان” رواه مسلم.
وبركة في الدنيا والآخرة ” يمحق الله الربا ويربي الصدقات” البقرة 276, ” إن الله ليربي لأحدكم صدقته كما يربي أحدكم فَلُوَهُ حتى تكون مثل الجبل” رواه البخاري.
وترفع البلاء في الدنيا والآخرة ” إن الصدقة لتطفئ غضب الرب وتدفع ميتة السوء”رواه بن حبان، ” باكروا بالصدقة فإن البلاء لا يتخطاها” أخرجه الطبراني،” كل امرئ في ظل صدقته حتى يفصل بين الناس” رواه بن حبان والحاكم.
ولأنهم أدركوا أن التولي عن الاستجابة لأمر الله بالجود والإنفاق يستوجب تخلي الله عنهم واستبدالهم، قال تعالى ” ها أنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله، فمنكم من يبخل، ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه، والله الغني وأنتم الفقراء، وإن تتول يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونا أمثالكم” محمد الآية 38.
والنفقة المطلوبة أقسام:
قسم عام يشمل كل عمل صالح، كالعدل بين الناس، ومساعدة الضعيف، والحفاظ على البيئة، وحسن الخلق مع الناس، والرحمة بهم، وذكر الله، ويؤكد هذا نصان حديثان الأول قوله صل الله عليه وسلم ” كل سُلَامَى من الناس عليه صدقةٌ، كل يومٍ تطلع فيه الشمس: تعدل بين اثنين صدقةٌ، وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع له متاعه صدقةٌ، والكلمة الطيبة صدقةٌ، وبكل خطوةٍ تمشيها إلى الصلاة صدقةٌ، وتميط الأذى عن الطريق صدقةٌ” رواه البخاري ومسلم، وما رواه أبو هريرة رضي الله عنه من أن الفُقَرَاءُ جاؤوا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالُوا: ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ مِنَ الأَمْوَالِ بِالدَّرَجَاتِ العُلاَ، وَالنَّعِيمِ المُقِيمِ يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَلَهُمْ فَضْلٌ مِنْ أَمْوَالٍ يَحُجُّونَ بِهَا، وَيَعْتَمِرُونَ، وَيُجَاهِدُونَ، وَيَتَصَدَّقُونَ، قَالَ: أَلاَ أُحَدِّثُكُمْ بأمر إِنْ أَخَذْتُمْ به أَدْرَكْتُمْ مَنْ سَبَقَكُمْ وَلَمْ يُدْرِكْكُمْ أَحَدٌ بَعْدَكُمْ، وَكُنْتُمْ خَيْرَ مَنْ أَنْتُمْ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِ إِلَّا مَنْ عَمِلَ مِثْلَهُ تُسَبِّحُونَ وَتَحْمَدُونَ وَتُكَبِّرُونَ خَلْفَ كُلِّ صَلاَةٍ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ، فَاخْتَلَفْنَا بَيْنَنَا، فَقَالَ بَعْضُنَا: نُسَبِّحُ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ، وَنَحْمَدُ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ، وَنُكَبِّرُ أَرْبَعًا وَثَلاَثِينَ، فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: تَقُولُ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالحَمْدُ لِلَّهِ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، حَتَّى يَكُونَ مِنْهُنَّ كُلِّهِنَّ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ” أخرجه البخاري ومسلم.
وقسم خاص هو مقصد الحديث في المقال، ويتعلق بالإنفاق بالمال تقربا إلى الله، ويشمل الصدقة الواجبة كزكاة الأموال، وزكاة الفطر التي تجب عل جميع الناس من الأغنياء والفقراء، كما يشمل صدقة التطوع تقربا لله، وطلبا لمرضاته.
وقسم ثالث يخص الحض على التصدق، والحث عليه لمن لا يمتلك القدرة عليه، والتوسط عند أصحاب الأموال للضعفاء والفقراء ممن لا يسألون الناس إلحافا، فالسعي في قضاء حوائج الناس من الشفاعة الحسنة التي أمر الله تعالى بها، قال عز وجل ” مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا سورة النساء 85 .
وعَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى عَنْ أَبِيهِ قال: كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إذَا جَاءَهُ السَّائِلُ، أَوْ طُلِبَتْ إِلَيْهِ حَاجَةٌ. قال : اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا، ويقْضِي الله عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم مَاشَاءَ، أخرجه البخاري ومسلم.
ثانيا: ترشيد الاستهلاك:
إذا كان رمضان هو شهر الإنفاق والحض عليه، فهو شهر الترشيد والتدرب عليه، أي هو شهر ترشيد الاستهلاك، خاصة في ظل واقع انحرفت فيه المعايير والقيم، وانحرفنا عن مقاصد العبادات وفي مقدمتها الصيام، حيث تثبت الإحصاءات الرقمية أن المغاربة أكثر استهلاكا في رمضان، والأكثر تبذيرا في هذا الشهر مقارنة بباقي الشهور، ففيه كما جاء في تقرير للمنظمة العالمية للأغذية والزراعة يلقى في المهملات أزيد من 84 % من الأغذية التي تدخل بيوت المغاربة، كما يثبت هذا الواقع حيث التهافت في هذا الشهر على الاستهلاك.
1 – في دلالة الترشيد:
كلمة ترشيد من رشد ورشاد، والرشد حسب الشيخ الطاهر بن عاشور هو الهدى وسداد الرأي، والصلاح والفعل النافع، وهو انتظام تصرف العقل وصدور الأفعال عن ذلك بانتظام، فهو حسب التعريف صلاح في التصور والفعل معا، والرشد هو استقامة، قال تعالى” سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَّا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا، ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ ” الأعراف الآية 146، والاستقامة توسط واعتدال، والاعتدال والتوسط قوة وعدل وأمان..
وقد ورد بمعنى ” حسن التصرف في الأمر حسا ومعنا دينا ودنيا” وهو عند الإمام مالك تثمير المال وصلاحه، وعند أبي حنيفة هو إصلاح المال وصونه عن المعاصي، وعند أحمد الصلاح في المال، وعند الشافعي هو الصلاح في الدين والمال معا، وهو الأقرب من التعارف لموضع حديثنا، والأقرب لدلالة الآيات القرآنية التي تناولت هذا المصطلح، حيث جاء بمعنى الهداية في قوله تعالى ” أولائك هم الراشدون” الحجرات الآية 7، وبمعنى التوفيق في قوله تعالى ” فلن تجد له وليا مرشدا” الكهف الآية 17، وبمعنى الصواب في قوله تعالى ” لأقرب من هذا رشدا” الكهف الآية 24، وبمعنى إصلاح المال في قوله تعالى ” فإن آنستم منهم رشدا” النساء، الآية 6، وبمعنى التعقل في الدين في قوله تعالى ” أليس منكم رجل رشيد” هود الآية 78، والمخرج في قوله تعالى ” وهيئ لنا من أمرنا رشدا” الكهف الآية 10.
2 – دلالة الاستهلاك:
في اللغة هو من النفاذ والإتلاف والإنفاق، وجاء في كتاب الله بمعنى الموت في قوله تعالى ” إن امرؤ هلك” النساء الآية 176، وبمعنى الفناء في قوله تعالى ” كل شيء هالك إلا وجهه” القصص الآية 88، وبمعنى فساد الشيء في قوله تعالى ” ويهلك الحرث والنسل” البقرة 205، وافتقاد الشيء في قوله تعالى ” هلك عني سلطاني” الحاقة الآية 69.
وفي الاصطلاح جاء بمعنى الاستخدام المباشر للموارد والسلع والخدمات التي تشبع رغبات الإنسان وحاجاته.
وهو حاجة فطرية وطبيعية جُبل الإنسان عليها، فالمولود يستجيب لغريزته في طلب الرضاع، والجائع يبحث غريزيا عما يسد حاجته، ويُسكت جوعه، بل قد يتحول لعبادة وطاعة إذا قصد بها وجه الله، والاستجابة لأمر الله القائل ” يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا” البقرة 168، ” يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم” البقرة 172.
ومنه فالاستهلاك المذموم هو الذي خرج عن حد التوازن والاعتدال، وهو الذي يحتاج للترشيد لقوله تعالى ” وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا، إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ” الأعراف الآية 31، وقوله تعالى ” وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا” الإسراء: 29. وقوله تعالى ” وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا” الفرقان الآية 67.
هو الذي تحول إلى فلسفة توجه الفكر والسلوك، وغاية لكل حركة في الحياة، والذي جعل من الإنسان مادة وغايته المادة، يهفو إليها بمختلف الطرق المشروعة وغير المشروعة، فإن هو أدركها عانى في حمايتها والمحافظة عليها، وإن هو لم يدركها عاش الشقاء والضنك لعدم تحصيلها.
هو الذي حول العلاقات الأسرية إلى علاقات تعاقدية، وجعل غاية اجتماعها تحصيل الملذات المادية، والشهوات الدنيوية، والمصالح الفانية.
هو الاستهلاك الذي يهدد البيئة وثرواتها، وينذر بمخاطر عدة تطال التوازن البيئي وقد بدأت بعض معالمها.
3 – قواعد في ترشيد الاستهلاك:
ـ الزهد: فالاستهلاك طلبٌ للَّذَّة، وهو في عمقه نسيان للآخرة وانغماس في ملذات الدنيا وشهواتها، وهو مشكل فكري عقدي، يحتاج إلى علاج من طبيعته، علاج يعيد للدنيا موقعها الطبيعي وحقيقتها في حياة الإنسان، وفي كتاب الله وسنة رسوله بيان لهذه الحقيقة، قال تعالى ” اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ، كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا، وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ، وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ” الحديد الآية 20، وقال صلى الله عليه وسلم ” فوالله لا الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها وتهلككم كما أهلكتهم” أخرجه البخاري، وقال عليه الصلاة والسلام ” ابن آدم خلقتك لنفسي، وخلقت كل شيء لك، فبحقي عليك لا تشتغل بما خلقته لك عما خلقتك له” ابن قم في طريق الهجرتين.
ـ تصحيح نظرتنا للمال: فالمال مال الله، ونحن مستخلفون فيه، نتصرف فيه وفق مراد الله وتوجيهاته وأحكامه، فالمال نعمة قال تعالى” الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء سبحانه وتعالى عما يشركون ” سورة الروم الآية 40.
وهو ركن من أركان الدين، ( الزكاة) ولا تقوم أركان أخرى إلا به ( الحج..) وبه تتحقق كرامة الإنسان وكرامة عياله، فهو حفيظ عليه حفظا لكرامته وكرامة أهله، قال صلى الله عليه وسلم جوابا على من أراد التصدق بماله كله ففي الحديث عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: ” جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُنِي وَأَنَا بِمَكَّةَ، وَهُوَ يَكْرَهُ أَنْ يَمُوتَ بِالْأَرْضِ الَّتِي هَاجَرَ مِنْهَا، قَالَ: يَرْحَمُ اللَّهُ ابْنَ عَفْرَاءَ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أُوصِي بِمَالِي كُلِّهِ، قَالَ: لَا، قُلْتُ: فَالشَّطْرُ، قَالَ: لَا، قُلْتُ: الثُّلُثُ، قَالَ: فَالثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ، إِنَّكَ أَنْ تَدَعَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ فِي أَيْدِيهِمْ، وَإِنَّكَ مَهْمَا أَنْفَقْتَ مِنْ نَفَقَةٍ فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ حَتَّى اللُّقْمَةُ الَّتِي تَرْفَعُهَا إِلَى فِي امْرَأَتِكَ، وَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَرْفَعَكَ فَيَنْتَفِعَ بِكَ نَاسٌ وَيُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ يَوْمَئِذٍ إِلَّا ابْنَةٌ” . أخرجه البخاري.
فنحن مسؤولون على هذه النعمة، ومحاسبون عليها كسبا وإنفاقا، قال صلى الله عليه وسلم ” لا تزولُ قَدَمَا عبدٍ يومَ القيامةِ حتَّى يُسألَ عن أربعٍ عَن عُمُرِه فيما أفناهُ وعن جسدِهِ فيما أبلاهُ وعن عِلمِهِ ماذا عَمِلَ فيهِ وعن مالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وفيما أنفقَهُ” رواه الترمذي.
ـ اعتماد منطق الأولويات: في تدبير النفقة، وذلك بمبدأ النحن وليس الأنا، أي بمراعاة ظروف الأهل واحتياجاتهم مع احتياجاتنا ومتطلباتنا، ففي الإسلام ضروريات وحاجيات وتحسينيات كما رتبها علماء المقاصد تراعى حسب الأولويات، فلا يمر الإنسان للتحسيني وهو لم يلبي ضرورياته، أو ضروريات أهله وأقاربه ممن لهم عليه واجب النفقة والمساعدة، وعَن جَابِرٍ أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ” ابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَتَصَدَّقْ عَلَيْهَا ، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلِأَهْلِكَ ، فَإِنْ فَضَلَ عَنْ أَهْلِكَ شَيْءٌ فَلِذِي قَرَابَتِكَ ، فَإِنْ فَضَلَ عَنْ ذِي قَرَابَتِكَ شَيْءٌ فَهَكَذَا وَهَكَذَا ، بَيْنَ يَدَيْكَ ، وَعَنْ يَمِينِكَ ، وَعَنْ شِمَالِك”. رواه مسلم
ـ تقوية أواصر التضامن: وتجاوز منطق الذاتية والفردانية حيث تنعدم البركة، ويكثر التبذير، والإفراط في استغلال الثروات، فقد أُثر أن الصحابة جاؤوا لرسول الله صلى الله عيه وسلم فقالوا له يا رسول الله، إنا نأكل ولا نشبع، قال: فلعلكم تفترقون؟ قالوا: نعم، قال: فاجتمعوا على طعامكم، واذكروا اسم الله، يبارك لكم فيه” رواه أبو داود، وقال صلى اله عليه وسلم ” ” طعام الواحد يكفي الاثنين وطعام الاثنين يكفي الأربعة وطعام الأربعة يكفي الثمانية “رواه البخاري،
ـ الإنفاق قدر الاستطاعة: واعتماد قاعدة قوله تعالى ” لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا” البقرة الآية 286، وقوله تعالى ” لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ، وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ، لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا، سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا” الطلاق الآية 7. وخاصة في تدبير المناسبات الاجتماعية من ضيافة وحضور مناسبات اجتماعية، وتدبير النفقات الأسرية من مأكل وملبس ومسكن ومركب.. فكثير من الناس يغرقون في مستنقع الديون نتيجة تجاوز قدراتهم وطاقتهم وإمكاناتهم المادية، بل قد يقعون في المحضور من خلال مراعاة تكميليات وتضييع ضروريات أوجبها الله، فقد يقطع الإنسان رحمه بسبب عادات في الضيافة تكلفه ما لا يطيق.
لقد شرع الله الصيام لتهذيب النفس، وتقوية الإرادة، وحسن التدبير في الوقت والجهد والنفقة، وهي فرصة مهمة في تعويد النفس على هذه القيم، وتوظيفها في ترشيد السلوك المالي، بما يعود على الإنسان بالسلامة النفسية والأسرية وعلى المجتمع بالنماء والازدهار، وعلى مقدرات البيئة بالحفظ من الضياع.
بقلم الدكتور محمد ابراهمي/ مسؤول قسم الدعوة الوطني لحركة التوحيد والإصلاح