الأمين مصطفى بوخبزة.. رحيل عالم عامل
واحد من أبرز مؤسسي العمل الإسلامي بالمغرب، جمع في تكوينه العلمي بين الجانب الشرعي والفكري، درَّس في الجامعة و مارس الخطابة والدعوة. خالط مجتمعه وتبنى قضاياه تحت قبة البرلمان؛ فارس من فرسان الدعوة بالحال والمقال، سبَّاق إلى العمل الخيري والإحساني، حتى بات واحدا من رموزه في تطوان وماجاورها.. هكذا كان الدكتورالأمين مصطفى بوخبزة الحسني قبل أن يتوفاه الله ويرحل عن دنيانا إلى دار البقاء فجر اليوم الثلاثاء 16 أبريل 2024.
اهتمت وسائل إعلامية عديدة بخبر وفاته، مشيرة لخصاله الطيبة ومآثره ووصفته بالرجل الحكيم، وواحدا من أبرز قيادات العمل الإسلامي، الذي واكبه منذ انطلاقته الأولى. بدأ مساره التنظيمي في الشبيبة الإسلامية، وكان من أبرز من قاد حركة الانسحاب منها وتأسيس جمعية الجماعة الإسلامية، ثم حركة الإصلاح والتجديد، التي كان عضوا في مكتبها التنفيذي.
ساهم في مسار الوحدة مع رابطة المستقبل الإسلامي، وعمل على تثبيت الوحدة وإرسائها في المرحلة الانتقالية عضوا بالمكتب التنفيذي لحركة التوحيد والإصلاح للمرحلة الانتقالية بين عامي 1996 و1998، وشغل مواقع عديدة داخل الحركة أبرزها عضوية مجلس الشورى. كان الرجل الحكيم، الذي يقبل المتخاصمون بوساطته، يذيب الخلاف في المجالس عندما ترتفع حرارة بعض النقاشات بقراءة القرآن بصوته الشجي الندي ، فتهدأ النفوس وتطمئن القلوب.
لم ينتظر الفقيد الأمين بوخبزة – كما كتب الأستاذ محمد يتيم- الحركة الإسلامية كي يطور تكوينه وثقافته الإسلامية خاصة، فهو ابن أسرة علمية؛ عمه هو محمد بوخبزة (أبو أويس) عالمُ تطوان وخطيب منابرها، وشيخ المحدِّثين فيها والأغزر إنتاجا بين وُعّاظها… بل أحد أبرز علماء المغرب والعالم الإسلامي. فتكوينه الديني إذا، لا يرجع فقط لانخراطه في صفوف الحركة الإسلامية، فقد نشأ منذ نعومة أظافره وسط عائلة علم ودعوة .
أسهم الفقيد -رحمه الله- بعلمه وحكمته في تطور عمل الحركة الإسلامية، وانفتاحها على المجتمع وتبني قضاياه والدفاع عنها بطريقة مؤسساتية حكيمة. وفي هذا السياق انخرط في العمل السياسي و الحزبي في صفوف حزب العدالة والتنمية، فكان من أبرز وجوهه في مجلس النواب، منافحا عن قضايا المجتمع وهويته وقيمه.. يحضر البرلمان بلباسه المغربي التقليدي (الجلباب) ولايقبل عنه بديلا. حظي بثقة كبيرة من الساكنة (دائرة تطوان) التي اختارته في انتخابات 1997 وجددت فيه الثقة لثلاث ولايات تشريعة متتابعة.
كان الأمين أمينا، اسم على مسمى، لم تمنعه المسؤولية النيابية وموقعه الحزبي من مواصلة مسؤوليته الأكاديمية والقيام بأداء أمانة التوجيه والتكوين العلمي، إذ بقي الفقيد -الذي حصل شهادة الدكتوراه من القاهرة – يُدَرِّس طلبته في الجامعة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بمرتيل، وسعى بكل جهده وعلاقاته المتنوعة رفقة آخرين إلى بناء صرح تعليمي متميز؛ مؤسسة الشاطبي للتعليم العتيق بتطوان.
اهتم بقضايا أمة المسلمين وعرَّف بها، ودافع عنها وخاصة قضية فلسطين واحتلالها من الصهاينة المعتدين، وبقي رحمه الله رغم معاناته مع المرض يتابع تطوراتها بعد العدوان الأخير المستمر على قطاع غزة.
تأسّف عدد من محبي الفقيد لعدم الاهتمام بالإرث العلمي الذي خلفه وعدم إبرازه، باستثناء كتاب “الفقهاء والفلاسفة في الغرب الإسلامي” الذي طبعته حركة التوحيد والإصلاح عبر قسم العمل االعلمي والفكري، وهو في الأ صل أطروحة تقدم بها الفقيد لنيل شهادة الماجستير في الفلسفة من كلية دار العلوم بجامعة القاهرة سنة 1986..
رحم الله الفقيد وأحسن إليه، وإنا لله وإنا إليه راجعون.