رحلة المسيري مع الصهيونية: رؤى وأفكار..معارك وأسفار

تحتاج القضية الفلسطينية مع التحولات الراهنة إلى خبرة منهجية حقيقية، وأداة علمية متخصصة لفهم جذورها وسياقاتها، وإدراك مساراتها ومآلات أحداثها. فحالة رد الفعل التي سيطرت على الساحة العربية والإسلامية في التعامل مع القضية الفلسطينية، أدت إلى ضعف كبير في بناء مواقف قوية ومؤثرة من أحداثها ومستجداتها، وغلب على التفاعل معها طابع التردد والإنتظار.

كما خلف غيابا تاما لمشاريع فكرية مناسبة، تقارب القضية بمرتكزات علمية وأصول حضارية وقواعد اجتهادية..لكن يبقى المرحوم د.عبد الوهاب المسيري أحد كبار أعلام الأمة المعاصرين، الذين انفلتوا من هذه الحالة السلبية وتناولوا القضية الفلسطينية، دراسة أكاديمية متعمقة ذات طابع شمولي؛ حاول فيها تشخيص الخلفية الفكرية للمشروع الإستعماري الغربي في فلسطين، من خلال تحليل الحركة الصهيونية وعلاقتها بالإستعمار الغربي، وتتبع حركة الإستيطان الإسرائيلي ورصد آلياته وتقنياته وتفسير تطوراته ومساراته، وإبداع نماذج علمية تكشف البنية الفكرية والمرجعية الحضارية والنظام العنصري للكيان الصهيوني..

أثمرت كتابات المسيري وتأملاته رؤى وأفكار جديدة، في فهم المشروع الصهيوني وامتداداته ومخاطره على تشكيل وعي الأمة وفي صناعة رأي عام مساند له. وكشف جوانب الغموض التي ما تزال غائبة عن نخبتنا، من خلال اشتباكه مع المشروع الصهيوني فكريا وإديولوجيا، ووضعه تحت مجهر التحليل العلمي والتفكير النقدي والنظر الفلسفي.

و يهدف هذا المقال في حلقات؛ الوقوف عند تجربة المرحوم عبد الوهاب المسيري مع الصهيونية، والتي استمرت لما يقارب نصف قرن. أنتج فيها العديد من المؤلفات والدراسات، أهمها موسوعة “اليهود واليهودية والصهيونية: نموذج تفسيري جديد”، والذي كان يهدف من ورائها إلى تحسين كفاءتنا الفكرية في مواجهة الكيان الصهيوني، الذي يجب علينا فهمه علميا بعيدا عن الأوهام والخرافات.

وسنركز في هذه الرحلة العلمية على جهود المسيري في دراسة بنية الفكر الصهيوني، ومراجعاته النقدية للأيديولوجية الصهيونية المناقضة لليهودية، والتي تفسر الإجرام الصهيوني المرتكب بشكل يومي ضد الشعب الفلسطيني. وأيضا نقف على نشاطه المدني ونضاله السياسي في الدفاع عن القضية الفلسطينية ودعم خيار المقاومة، كمسار وحيد وفعال لتحرير الأرض والإنسان.

ونأمل من خلال هذا البحث، توجيه المهتمين والباحثين نحو الإرث الفكري، للمرحوم المسيري الخاص بالقضية الفلسطينية، لما يتميز به من موسوعية وموضوعية وعلمية، وما يقدمه من لبنات قوية في فهم تحولات القضية الفلسطينية، وتأثيراتها على العالم الإسلامي والغربي.

يتبع

بقلم : عبدالهادي باباخويا

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى