25 سنة من حكم الملك محمد السادس.. إصلاحات مؤسساتية ومشاريع مهيكلة
يحيي المغاربة يوم غد الثلاثاء الذكرى 25 لتولي الملك محمد السادس عرش الممكلة المغربية، وتحققت خلال 25 سنة من حكم الملك محمد السادس إنجازات مهمة على صعد مختلفة، مؤسساتية، واجتماعية وحقوقية، وسياسية، واقتصادية ودبلوماسية وغيرها نذكر منها:
الإنصاف والمصالحة
تميزت فترة حكم الملك محمد السادس بإحداث هيئة الإنصاف والمصالحة، كلجنة مغربية لحقوق الإنسان والحقيقة والمصالحة في 7 يناير 2004 بظهير ملكي، تنظر في قضايا التعذيب والاختفاء القسري والاعتقالات التعسفية التي ارتكبت خلال سنوات الرصاص. وغطى عمل هيئة الإنصاف والمصالحة الفترة الممتدة من عام 1956 حتى عام 1999.
وعملت هيئة الإنصاف والمصالحة بموجب تفويض مدته سنتان (2004 حتى 2006)، وقدمت عديد التوصيات للدولة بناء على الحالات التي نظرت فيها بما في ذلك توصيتها للدولة بتقديم تعويضات (مالية ونفسية وطبية واجتماعية) وكذا التوصية بتعديل الدستور والتصديق على نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية فضلًا عن توصيّات أخرى.
قضية الصحراء
أخذت قضية الصحراء المغربية بعدا جديدا خلال الـ25 سنة من حكم الملك محمد السادس، حيث بلور مبادرة الحكم الذاتي في إطار السيادة المغربية؛ لقيت إشادة دولية تؤكد وجاهتها ومصداقيتها، وتجسد ذلك في مختلف القرارات الأممية منذ أن طرحها المغرب أمام المجتمع الدولي سنة 2007.
ومكنت جهود الملك محمد السادس المغرب من العودة إلى الاتحاد الأفريقي في 2017، وإقناع عدد من الدول بوجاهة المقترح المغربي، حيث تقلص عدد الدول الداعمة للانفصال من 84 دولة إلى حوالي 20 فقط، وأعلنت الولايات المتحدة الأميركية اعترافها بمغربية الصحراء، وتلتها إسبانيا، وفتحت حوالي 30 قنصلية في مدينتي العيون والداخلة.
دستور جديد واللغة الأمازيغية لغة وطنية
يبقى دستور 2011 من أهم وأبرز الإصلاحات التي أرساها الملك محمد السادس، إذ هو القانون الأسمى والسند الذي تنبثق منه باقي القوانين، وجاء في فترة ما عرف إعلاميا بـ”الربيع العربي” ومغربيا بحراك “20 فبراير”، و تجاوز المغرب بحكمة الملك محمد السادس وتفاعله الإيجابي مع عدد من المطالب في خطاب 9 مارس، مجسدا بذلك خصوصية مغربية واستثناء في التعامل مع الحراك الاجتماعي بطريقة حافظت للبلاد على استقرارها ومواصلة طريق التقدم، فيما دخلت بلدان أخرى في أتون مشاكل كبيرة عصفت باستقرارها ووحدتها كذلك.
وأعطى الملك أهمية كبيرة للغة والثقافة الأمازيغيتين منذ خطاب أجدير في 17 أكتوبر 2001، حيث تم إقرار كتابة اللغة الأمازيغية بحرف تيفيناغ، وجعل اللغة الأمازيغية لغة وطنية ثانية، وإخراج القانون التنظمي لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، و إقرار رأس السنة الأمازيغية عطلة وطنية رسمية مؤدى عنها، على غرار فاتح محرم من السنة الهجرية ورأس السنة الميلادية.
إرساء دعائم الدولة الاجتماعية
وسعى الملك محمد السادس خلال 25 سنة على إرساء دعائم الدولة الاجتماعية، وأطلق برامج ومشاريع اجتماعية مهمة، منها المبادرة الوطنية للتنمية البشرية (18 ماي 2005)، والمبادرة الملكية “مليون محفظة” (الموسم الدراسي 2008-2009)، وبرنامج “تيسير” (تجربة 2008 إلى 2010)، نظام المُساعدة الطبيَّة “راميد” (تجريب 2012)، وبرنامج الدعم المباشر للأرامل (2015)، برنامج الدعم في رمضان، وبرامج الحماية الاجتماعية التي يتم الاشتغال عليها حاليا.
وأولى الملك الاهتمام الكبير للإشكاليات التي يمكن أن تؤثر على عيش المواطنين، ومنها إشكالية المياه، حيث أمر خلال ترأسه يوم الثلاثاء 9 ماي 2023 بالقصر الملكي بالرباط جلسة عمل خصصت لتتبع البرنامج الوطني للتزود بالماء الصالح للشرب ومياه السقي 2020-2027، برفع ميزانية البرنامج الإجمالية إلى 143 مليار درهم، إلى جانب برمجة سدود جديدة، وتحيين تكاليف حوالي 20 سدا يتوقع إنجازها، والتي ستمكن من الرفع من قدرة التخزين بــ6.6 مليار متر مكعب من المياه العذبة، بالإضافة إلى تسريع مشاريع تعبئة المياه غير التقليدية، من خلال برمجة محطات لتحلية مياه البحر، والرفع من حجم إعادة استعمال المياه العادمة المعالجة.
هيكلة الحقل الديني
امتدت الإصلاحات في عهد الملك محمد السادس بصفته أميرا للمؤمنين إلى هيكلة الحقل الديني، عبر مشاريع إصلاح التعليم العتيق (29 يناير 2002)، وإصدار ظهير بشأن اختصاصات وتنظيم وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية (4 دجنبر 2003)، وإعادة هيكلة وتنظيم المجلس العلمي الأعلى والمجالس العلمية المحلية (22 أبريل 2004)،وإحداث الهيئة العلمية للإفتاء (22 أبريل 2004)، تأسيس الرابطة المحمدية للعلماء (30 أبريل 2004).
وتمثلت البرامج الأخلى في إطلاق إذاعة محمد السادس للقرآن الكريم (16 أكتوبر 2004)،و إطلاق قناة محمد السادس للقرآن الكريم والموقع الإلكتروني لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية (2 نونبر 2005)، وإعادة تنظيم مؤسسة دار الحديث الحسنية (24 غشت 2005)، وإحداث معهد تكوين الأئمة والمرشدين (05- 2006)، إحداث المجلس العلمي الأوروبي (6 نونبر 2008)، وإطلاق خطة ميثاق العلماء (29 أبريل 2009)، وإعادة تنظيم جامعة القرويين (24 يونيو 2015)..
وكان ضمن الأحداث الأبرز في هذا الشأن هو إشراك المرأة في مجالات التكوين والتأطير الدينيين، باختيار امرأة لعضوية المجلس العلمي الأعلى، وإدماج نساء أخريات في المجالس العلمية المحلية، مع السماح للمرأة بتولي مهنة العدول.
مدونة الأسرة
ومن ضمن القضايا الحساسة التي حظيت باهتمام الملك محمد السادس مراجعة مدونة الأحوال الشخصية واعتماد مدوة جديدة للأسرة عام 2004، وفتح ورش تعديل المدونة في خطاب العرش لسنة 2023 بعد عقدين من دخولها حيز التنفيذ بما يقوي تماسك الأسرة، ويتجاوز الأعطاب التي أبانت عنها هذه الفترة من تطبيقها، مع الحرص على تأطير ورش التعديل بالثوابت الدينية والواطنية.
مشاريع مهيكلة
ارتفع “الناتج المحلي الإجمالي” للمغرب من 42 مليار دولار عام 1999 إلى 152.37 مليار دولار بحلول في 2024، وبات المغرب الاقتصاد السادس في إفريقيا، وثاني أكبر مستثمر إفريقي في القارة السمراء، ويتموقع ضمن 10 بلدان في القارة الأفضل للاستثمار في قطاعات مختلفة.
واتجه المغرب منذ اعتلاء الملك محمد السادس العرش إلى إطلاق مشاريع تنموية مهيكلة، وجلب الاستثمارات الخارجية وتحسين مناخ الأعمال، حيث حقق المغرب، على سبيل المثال، تقدما متميزا في التقرير السنوي حول ممارسة الأعمال برسم سنة 2020 بإحرازه المرتبة 53 عالميا مقابل المرتبة 60 في تقرير السنة السابقة.
وتميزت تلك المشاريع بقيمتها العالية في التشغيل وخلق الفرص مثل ميناء طنجة المتوسط، وميناء الداخلة المطل على المحيط الأطلسي، وخط القطار فائق السرعة، وشبكة الترامواي، والمطارات المجهزة بأحدث الوسائل التكنولوجية، وما يقرب من 2000 كيلومتر من شبكة الطرق السيارة، والعديد من المشاريع الأخرى التي جعلت المغرب وجهة مستقطبة للاستثمارات.
النموذج التنموي
شهد عهد الملك محمد السادس إطلاق برنامج النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية (2015-2021)، وقد حظي هذا البرنامج بميزانية قدرها 77 مليار درهم، بهدف تسريع التنمية والاندماج الاجتماعي والاقتصادي في الصحراء، عبر مشاريع مهيكلة، على غرار الطريق السريع تيزنيت-الداخلة وميناء الصيد في لمهيريز وميناء الداخلة الأطلسي، وخط بحري ساحلي مخصص للبضائع بين الدار البيضاء والداخلة، وإعادة فتح الخطين البحرين الذين يربطان جزر الكناري بكل من طرفاية والعيون، ومركز استشفائي جامعي في العيون ومجمع للتكنولوجيا في فم الواد وسد فاصك..
كما أحدث الملك محمد السادس اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي يوم 12 دجنبر 2019، عملت على وضع تشخيص للوضع الحالي بغية رصد الاختلالات، التي يجب تصحيحها وتحديد معالم القوة من أجل تعزيز المكتسبات، في أفق صياغة مقترحات واقعية وقابلة للتنفيذ، وقد رفعت اللجنة تقريرها للملك إثر استقبال رئيسها يوم الثلاثاء 25 ماي 2021.
وخلال الـ 25 سنة من الحكم، عمل الملك محمد السادس على إرساء المفهوم الجديد للسلطة، وأكد باستمرار على إصلاح أعطاب الإدارة ، ومحاربة الفساد وربط المسؤولية بالمحاسبة، ولأجل ذلك تم إنشاء هيئات ومؤسسات، وتم تعزيز مكانة المجلس الأعلى للحسابات، ودسترة الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، وإحداث مجلس المنافسة. وفي هذا السياق أيضا تمت متابعات قضائية لمسؤولين في قضايا فساد، وأقال الملك محمد السادس ثلاثة وزراء ومسؤولين آخرين بسبب التأخير في برنامج تهم التنمية.
موقع الإصلاح