ذ. يتيم يكتب: اغتيال هنية في عقر دار إيران والنفير للتغطية على الجريمة
في سورة الإسراء ورد قوله تعالى :”وجعلناكم أكثر نفيرا” صدق الله العظيم، تصف هذه الآية بدقة النفير العام الجاري اليوم لدى عدد من القوى الدولة المخترقة من قبل الصهيونية وعدد من الدول العربية والإقليمية التي تسعى لأمن مكرها وجبروتها، ولدى القوى الدولية الحامية لها والمخترقة حتى النخاع من قبل لوبياتها.
فالحراك “الدبلوماسي” القائم على قدم وساق والذي عمل ويعمل جاهدا على ثني إيران على الرد على عملية اغتيال القيادي إسماعيل هنية وهو في ضيافتها وجوارها يثبت ذلك، كما أثبته قبل ذلك اغتيال القيادي في حزب الله فؤاد شكر.
ولمزيد من البيان نورد الوقائع التالية :
المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران، آية الله علي خامنئي، أمر عقب اغتيال هنية بشن هجوم مباشر على الكيان الصهيوني وإعداد خطط دفاعية وهجومية تحسبا لتوسع الحرب! معتبرا أن من واجب إيران الانتقام لدماء “هنية” لأن اغتياله حدث على الأراضي الإيرانية.
الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله للإسرائيليين توعد بردّ حتمي على اغتيال “شكر” وذلك “لتجاوزهم الخطوط الحمراء”.
حركة أنصار الله في اليمن هدّدت “إسرائيل” بالرد على استهداف خزانات الوقود في مدينة “الحديدة” عقب استهداف تل أبيب بمسيرة “يافا” اليمنية، كما أكد قائد الحركة عبد الملك الحوثي أن “الرد لا بدّ منه وهو آتٍ”لكنه لم يحدث لحد الساعة.
نفير القوى الداعمة للكيان
وفي المقابل هرعت القوى الموالية للكيان الصهيوني والحامية له إلى الإعلان عن عدة مواقف تحسبا لرد محتمل، من ذلك:
إعلان الولايات المتحدة الأمريكية على لسان وزير خارجيتها “أنتوني بلينكن” أنها لم تشارك ولم تكن على علم بهذه الضربة!! ( يكاد المريب يقول خذوني )، ثم الاستنفار الأمريكي وتعزيز القدرات العسكرية في المنطقة،
إطلاق حملة دبلوماسية بقيادة بلينكن سعت في البداية لمنع إيران من الرد، لكنها -مع إصرار إيران والحزب عليه – صارت تهدف إلى احتواء الرد وتداعياته و”التخفيف من حدّة انتقامهما قدر الإمكان” !! تجنبًا لحرب كبرى.
في إطار هذه الحملة عملت على واجهات متعددة :
دبلوماسيًا، اتصال بلينكن مع نظرائه في كل من تركيا ومصر والإمارات والسعودية بشأن تطورات وقف إطلاق النار في غزة، ومنع التصعيد مع لبنان.
كما دفعت الولايات المتحدة بحلفائها الإقليميين والدوليين، فضلًا عن دولٍ ذات علاقات جيدة مع إيران للضغط عليها في سبيل منع التصعيد، مع حث بعض الدول إبلاغ إيران بأن التصعيد و”إطلاق هجوم آخر على إسرائيل” ليس من مصلحتها في هذه “اللحظة الحاسمة”!!
تحرك الدبلوماسية الأوروبية ونفيرها لإقناع الإيرانيين بعدم الرد، وهو ما قام به “إنريكي مورا ” المدير السياسي ونائب الأمين العام للخدمة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، بمحادثات مع مسؤولين إيرانيين لإقناعهم بعدم الرد أو القيام بعمل رمزي!! مع التأكيد أن الكيان الصهيوني لا يخطط للمزيد من العمليات.
دعوة المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة أطراف الصراع والدول ذات النفوذ إلى “التحرك بشكل عاجل لتهدئة الوضع الذي أصبح خطيرا للغاية”.
دعوة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال محادثات مع قيادة السعودية والإمارات إلى “ضبط النفس في الشرق الأوسط”، قبل أن يتحدث مباشرة مع الرئيس الإيراني ليحثّه على بذل كل ما في وسعه لتجنب تصعيد عسكري جديد من شأنه أن يسبب ضررًا دائما للاستقرار الإقليمي.
وزير الخارجية السويسري إجنازيو كاسيس بدوره حث في مكالمة مع القائم بأعمال وزير خارجية إيران علي باقري، على التزام سويسرا بإعطاء الأولوية لضبط النفس، مشددًا على الحاجة إلى “الاعتدال !! والدبلوماسية”.
الحراك العربي من أجل التهدئة
ولم يخرج الجانب العربي بدوره عن الدعوة لتجنب التصعيد والرد، وكان بلينكن قد طلب من رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني أن يستخدم علاقاته مع إيران و”يفعل كل ما هو ممكن” للتواصل بشأن أهمية خفض التصعيد.
ومن ذلك أيضا :
توجه وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي إلى إيران، في زيارة هي الأولى من نوعها منذ أكثر من 20 عامًا!! لمناقشة التهدئة في المنطقة،
وقد أعلن بعدها وزير الاتصال الحكومي في الأردن، مهند مبيضين، أن الأردن أبلغ إيران رسالة واضحة مفادها عدم السماح باستخدام المجال الجوي الأردني لأي غرض!!
رئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني تحدث إلى الرئيس الإيراني باقري بشأن الحاجة إلى ضبط النفس، وأبلغ آل ثاني بلينكن أن قطر وجهت نداء مماثلًا إلى حزب الله.
مكالمة شبيهة من وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي دارت حول “احتواء التصعيد في المنطقة” إلى باقري.
التصريحات الايرانية
التصريحات الإيرانية توجهت باتجاه واحد: هو اعتبار اغتيال هنية “خطأ كبيرًا من جانب النظام الصهيوني، ولن يمر دون رد”.
الرئيس الإيراني بزشكيان ردّ على ماكرون خلال اتصالهما باتهام “إسرائيل” بالتحريض على الصراع عبر اغتيال هنية وارتكابها أعمالًا إجرامية وإرهابية في غزة، منتقدًا الولايات المتحدة والدول الأوروبية على “دعم هذه الأعمال بدلًا من إدانتها”، معتبرًا إياهم شركاء في ارتكاب الجرائم، ومطالبًا بوقف إطلاق النار في غزة ، ومؤكدًا على التزام إيران بالدفاع عن مصالحها وفقًا للقانون الدولي!!
وهي نفس الكلمات التي سمعها منه كذلك وزير الخارجية البريطاني”ديفيد لامي”، حيث حمّل بزشكيان الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا المسؤولية عن الأفعال الإسرائيلية.
تبليغ المسؤولين الإيرانيين نظراءهم العرب أن ردّ الجيش الإيراني سيكون “محسوبًا للغاية”!!
لوّيح الولايات المتحدة بالقوة العسكرية، حيث توجه الجنرال الأمريكي المسؤول عن القوات الأمريكية في الشرق الأوسط بعد عمليتي الاغتيال إلى “إسرائيل” ليلتقي بوزير الحرب الإسرائيلي ورئيس أركان جيش الاحتلال من أجل حشد التحالف الدولي والإقليمي بقيادة الولايات المتحدة وبالشراكة مع بريطانيا وفرنسا ودول عربية- للتصدي للهجوم الإيراني!! وبحثوا سبل توسيع هذا التحالف وتنسيق التعاون العسكري بين أعضائه.
ومن بين الاحتياطات التي بوشر باتخاذها تسيير دوريات للطائرات المقاتلة والسفن الحربية التابعة للدول المتحالفة.
أمر وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن بزيادة الدعم للدفاع عن “إسرائيل” وضمان استعداد الولايات المتحدة للرد على مختلف الحالات الطارئة !!
وتوجهت حاملة طائرات وأسراب طائرات مقاتلة إلى المنطقة، وتم نشر المزيد من السفن الحربية التي تحمل صواريخ بالستية، وزيادة بطاريات الدفاع الصاروخي الأرضي، ونشر طرادات ومدمرات إضافية!! – رفعت بريطانيا درجة التأهب للسفن البحرية البريطانية!! ونشرت عسكريين في بعض سفاراتها في المنطقة.
كما أجرى وزير دفاعها نقاشات مع وزير الحرب الإسرائيلي يوآف غالانت أطلعه الأخير فيها على “تقييم الوضع العملياتي”، لتعلن بريطانيا في اليوم التالي تحريك أصول عسكرية إلى جزيرة قبرص اليونانية، لما قالت إنه “التحضير لإجلاء محتمل للرعايا البريطانيين من لبنان”!!
بالمقابل، جهزت إيران دفاعاتها الجوية شرقي البلاد بالصواريخ والرادارات والمسيرات “لمواجهة كل التهديدات”!!!
فيما قالت مصادر أمريكية إن إيران حركت منصات صاروخية وأجرت تدريبات عسكرية استعدادًا للرد على “إسرائيل”، علما أن إيران أكدت غيرَ مرةٍ أنها “لا تسعى إلى تصعيد التوترات الإقليمية مع التأكيد أنها بحاجة إلى معاقبة إسرائيل لمنع المزيد من عدم الاستقرار”.
وفي هذا السياق رفضت تقديم تحذيرات من شأنها أن تخفف أثر الضربة المتوقعة على الكيان الصهيوني، مؤكدة لدبلوماسيين عرب إنها عازمة على الرد “حتى لو أدى ردها إلى نشوب حرب !!
وهو تصريح يظهر أنه حسب مراقبين مجرد محاولة لرفع العتب، وقد يكون تحسبا لعواقب رد من هذا القبيل واستيعابا للضربة ووجه من وجه البرجماتية الإيرانية، مما هو معروف في المدرسة الفكرية الإيرانية حتى مع صدور توجيه من قبل المرشد الإيراني بشن هجوم مباشر على الكيان الصهيوني وإعداد خطط دفاعية وهجومية تحسبًا لتوسع الحرب!!
وجعلناكم أكثر نفيرا !!
ليس الغرض الدخول في تفاصيل عملية اغتيال هنية شهيد الأمة وهو في “جوار” إيران وتحت حمايتها، لكن الغرض هو تأكيد حقيقة سبق للقرآن الكريم أن قررها في قوله تعالى في سورة الإسراء “ وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ ۚ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولًا ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ ۖ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ۚ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا “.
هي حقيقة العلو الكبير وتهافت عدد من القوى الدولية لدعم هذا الكيان والتغطية على أعماله العدوانية وجرائمه وحمايته بالاستنفار العسكري و بالتحرك الدبلوماسي تحت مسمى خفض التصعيد !! والواقع أن صاحب التصعيد وسببه وأداته هو الكيان الصهيوني الذي أصبح اليوم “أكثر نفيرا “.
فهل تعيد الأمة قراءة سورة الإسراء وتستحضر دروسها في قراءة طبيعة العدوان الصهيوني وحجم النفير القائم اليوم للتغطية على جرائمه ؟؟
عسى أن يكون ذلك قريبا.