ذ محمد يتيم يكتب: الانتصار الأخلاقي للمقاومة في غزة

مع الهدنة التي ترتب عنها الإفراج عن أسرى صهاينة تجسدت معاني كبيرة لانتصار المقاومة وانتصار غزة وأهلها. لا أتكلم هنا عن الانتصار العسكري، فدون شك إن عدم تحقيق القضاء على حركة حماس وصمودها، وصمود الشعب الغزي رغم كل مظاهر الخراب الناتج عن العدوان الهمجي الصهيوني هو في حد ذاته انتصار. وفي الضربات القاسية التي تلقاعدها العدو في غزة تجلت معاني الصمود والانتصار.

ولم يجنح العدو للتفاوض إلا تحت الضربات الموجهة التي تلقاها الجيش الصهيوني في غزة، وما تلقاه من خسائر في الأرواح مما أسقط أسطورة الجيش الذي لا يقهر. لكني أتكلم أولا عن انتصار الإرادة، وانتصار أخلاق المقاومة وقوة الإيمان في ضوء اختلال واضح في ميزان القوى العسكرية والتكنولوجية والدعم الأمريكي. وهو الانتصار الذي تدل عليه معطيات كثيرة ومتعددة.

القيادة في مقدمة الصفوف وتقديم التضحيات

وأول معاني الانتصار أن تكون القيادات في مقدمة كوكبة المجاهدين المنافحين عن الأرض والعرض وعن الوطن والمقدسات، بل في مقدمة كوكبة الشهداء؛ ومن بينهم اسماعيل هنية والعروري والضيف ويحيا السنوار والقائمة طويلة. وأن تصلهم يد الغذر والعدوان، ويكونوا في مقدمة كوكبة الشهداء فذلك من أبهر مظاهر الانتصار، وأن يضربوا المثل من أنفسهم فيقدموا أرواحهم كان أكبر معاني الصدق وضمان ثقة الشعب في قيادته.

التفاف أهل غزة والمسلمون وأحرار العالم على نصرة الشعب الفلسطيني

ومن مظاهر ذلك الانتصار وتجلياته، التفاف أهل غزة وأهل فلسطين عموما، والشعوب العربية والمسلمة والضمائر الحية من مختلف بقاع الأرض؛ ووقوفها مع المقاومة بالدعم السياسي والمادي والمعتوي. وثالث معاني النصر أن يكون الطوفان قد عصف بكثير من أوهام الحركة الصهيونية وفضح حقيقة الكيان الصهيوني.

إن الطوفان لم يقف عند اقتحام المقاومة لمعاقل الكيان الصهيوني، بل اتخذ أشكالا ومعني متعددة منه.

مظاهر النصر وتجلياته

– الصمود والصبر على العدوان وهمجيته وما خلفه من دمار في غزة من خلال هجمات بربرية عمياء مسحت أحياء بكاملها. ومن المظاهر الدالة عليه؛ إصرار حشود الغزيين الذين أخرجوا من غزة بسبب القصف الوحشي على العودة بمجرد من دخول الهدنة حيز التنفيذ، فرجعوا في مشهد مهيب زاحفين إلى غزة عبر شارع الرشيد الذي لم يبق منه إلا الإسم

– تجلى النصر أيضا فيما أظهر أهل غزة من تجاوب وفرح بمشهد الإفراج عن الأسرى، ومسارعتهم في مسيرات مهيبة للوقوف على أطلال ديارهم في غزة، والشروع كل بطريقته في معالجة آثار الدمار بأبسط الوسائل تعبيرا عن ارتباطهم بالوطن، ثم تعبيرهم عن فرحتهم الغامرة بمشاهد تحرير الأسرى وعودتهم لإحضان شعبهم وذويهم.

وثالث مظاهر النصر هو احتفاء أهل غزة برجال القسام وشعورهم بالفخر بهم وبأنهم منهم وإليهم. إنه النصر بمعناه الأخلاقي والقيمي أولا، والنصر الميداني الناجم عن بلاء رجال القسام في ساحة الوغى وصمودهم في وجه العدوان، وإثخانهم في الجيش الصهيوني قتلا وتفجيرا للبيوت المفخخة ثانيا في غزة وغيرها من المناطق؛ مما عجل بإقبال القيادة الصهيونية بالدخول في المفاوضات وعقد اتفاق الهدنة وما ارتبط بها من شروط وتعهدات.

ومن أكبر معاني النصر الانتصار الأخلاقي للمقاومة الفلسطينية، الذي تجسد في حسن معاملة الأسرى مما شهد به هؤلاء أنفسهم. ومن ذلك ما ورد على ألسنتهم ، ومنه شهادة أسيرة صهيونية مفرج عنها وهي تثني على حسن تعامل وعناية رجال القسام مما يترجم أدب الإسلام في التعامل مع الأسير.

وإن مشاهد وداع الأسرى والأسيرات لمجاهدي القسام وشهاداتهم على العناية التي تلقوها منهم لهي وسام فخر في صدر المقاومين. رجال القسام أهل دين وقرآن وأخلاق وإحسان، ينطبق فيهم قوله تعالي :” وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا “. قال قتادة: “لقد أمر الله بالأسررى أن يُحسَن إليهم، ” وقال ابن عباس: “كان أسراؤهم يومئذٍ مشركين”.

ولذلك لم يكن غريبا أن تأتي الشهادة على أخلاق رجالات القسام من الأسرى أنفسهم… وأن توجه أوامر صارمة للمفرج عنهم من السلطات الصهيونية للأسرى الصهاينة بالكف عن الادلاء بتصريحات وشهادات حول المعاملة التي تلقوها وهم من أيادي رجال القسام الأمينة.

المقاومة ليست بندقية أو مدفعا أو حفر أنفاق على أهمية ذلك كله، لدخوله في قوله تعالى “وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل “، بل هي إلى جانب ذلك وقبله أخلاق أمر بها القرآن؛ ومنها الإحسان للأسير بل إيثاره على النفس، والأحسان له، وإطعام الطعام على حبه لمن هو أحوج له بما في ذلك الأسرى من الأعداء المحاربين الذين وقعوا في الأسر .. وإيثار لهم على النفس مع الحاجة إليه.

ليس غريبا أن نرى خلال مشاهد التبادل كيف خرج الأسرى الصهاينة في أحسن حال من الناحية الصحية، وكيف خرجوا مبتهجين يوجهون تحيات التقدير والإعجاب لرجالات القسام. وفي المقابل كيف خرج كثير من الفلسطينيين المفرج عنهم من سجون الاحتلال يحملون معهم عاهات وأمراضا وآثارا عميقة في أنفسهم نتيجة سوء المعاملة .. فهل تستوي أخلاق القرآن مع أخلاق العدوان ؟ كلا ثم ألف كلا.

لقد أحييتم يا رجال القسام في زماننا عدد من معاني القرآن، كنا نقرؤها ونمر عليها مرورها الكرام دون أن نتذوقها ، فيسرالله لكم وبارك فيكم وفي جهودكم كي تحيوها وتجسدوها في سلوككم، وتجعلونا نقرؤها بإدراك جديد وفهم متجدد. إن شعبا ومقاومة تحيي معاني القرآن وتجسدها لا يمكن أن تهزم، وإن حركة تقدم خيرة رجالاتها وقياداتها دفاعا عن الأرض والعرض والمقدسات جديرة بأن تنصر .

وكيف لا وقد انطبقت هذه السنة؛ سنة الفداء والاستشهاد على الأنبياء،والمرسلين ومن كان معهم من ربيين كما في قوله تعالى ” وكأين من نبي قتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين ..وما كان قولهم الا ان قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وانصرنا على القوم الكافرين. فآتاهم الله تواب الدنيا وحسن تواب الآخرة والله يحب المحسنين “

إن تقديم المال والنفس فداء للدين والوطن سنة جارية تنطبق على غيرنا من الأمم بما في ذلك أمم لا تدين بعقيدتنا. ودون شك فإن الشعوب الإسلامية قد حزنت لما حل بأهل غزة من أذى وعدوان، وحزنت على استشهاد خيرة قياداتها. لكن ذلك كله لم يمنع من التخلق بأخلاق التعامل مع الأسرى/ ومنها ماورد في قوله تعالى :” ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا .إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولاشكورا “.

إن من أعظم تجليات التقوى؛ الإحسان للأسير وحسن التعامل معه، ورجال القسام قدموا نماذج عالية متخرجة من مدرسة القرآن، فقد أطعموا أسرى العدو وأحسنوا معاملتهم ولسان حالهم يقول ” إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا”

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى