ذ خالد التواج يكتب: وداعا الأخ العزيز عبد الغني المرساني رفيق درب الدعوة
كان أول مجلس تربوي جمعنا في حي حسان بالرباط أواخر السبعينيات من القرن الماضي، وكان مقر لقاءاتنا الأسبوعية هو مسجد السنة بعد صلاة العصر يوم السبت ،وكان المجلس يضم الأخوة : عبد الغني شيبوب رحمه الله ،ومحمد لوكيلي رحمه الله، ومصطفى الصحروري وابراهيم برحو، ويوسف أوخيتي بالإضافة إلى خالد التواج والمرحوم عبد الغني المرساني.
كان هذا أول مجلس تربوي أنشئ في حي حسان، أسسه وأشرف عليه أخونا يوسف بلبشير حفظه الله الذي كان يقطن بحي ديور الجامع، ويدرس في ثانوية مولاي يوسف شعبة العلوم الرياضية، وهو أحد خريجي دار القران عبد الحميد احساين . وخلال هذه الفترة كان الاخ يوسف يقرب إليه الأخ عبد الغني ويعهد إليه ببعض التكاليف، وربما أنابه عنه أحيانا في إدارة المجلس التربوي وذلك نظرا لما كان يتمتع به المرحوم من سمت تربوي وصفات قيادية.
أخونا عبد الغني متين الدين، تكاد لا تفوته صلاة في المسجد، قرآنه في جيبه دائم القراءة والنظر فيه، كثير الصيام ويحب القيام، لسانه يلهج دوما بذكر الله، والخلاصة أنه كان شديد الاعتناء بالوظائف التعبدية وبعمل اليوم والليلة.
ولم يكن المجلس التربوي وحده الذي يجمعنا بل كنا نلتقي في المبيتات الإيمانية، والخرجات إلى غابة دار السلام أو إلى بحيرة السد بسلا أو في المخيمات الصيفية.
ومما كنا نجتمع عليه كرة القدم أيضا ،وكانت من أهم اسباب التحاقي بالمجلس التربوي، بالإضافة إلى أني كنت أدرس بثانوية مولاي يوسف حيث كان فيها ثلة من الإخوة السابقين إلى الالتزام ، وكان فريق كرة القدم لحي حسان من أقوي الفرق في الرباط، شاركنا به في أول دوري بين الإخوان في سنة81 أو 82 ، وكان يضم عددا من فرق الأحياء في الرباط بالإضافة الى طلبة المعاهد وكلية الطب، وأذكر أننا تقابلنا مع فريق حي يعقوب المنصور وكان من بينهم أخونا المرحوم عبد الرزاق المروري.
وكان أخونا عبد الغني لاعب كرة قدم مميز ،يحسن مداعبة الكرة ،مراوغ ذكي، ومدافع قوي ذو بنية صلبة.
وأخونا عبد الغني من مواليد 1963حصل على شهادة الإجازة في الدراسات الإسلامية من كلية الآداب الرباط، ولم يتم دراسته العليا برغم مؤهلاته العلمية، لكنه يتميز بكونه كان قارئا نهما خصوصا فيما له علاقة بتخصص التربية وعلم النفس ،ساعده في ذلك أنه عمل مديرا لدار الثقافة التابعة لولاية الرباط لعدة سنوات.
أخونا عبد الغني فتح الله عليه في الكلام والوعظ والتوجيه رغم أنه لم يمارس وعظا ولا خطابة بشكل رسمي، لكنه كان يستثمر كل فرصة متاحة للدعوة إلى الله في المناسبات فيشد إليه الأنظار بعمق خطابه وقوة كلامه. وهو ممن يحسن الارتجال في الموافق المختلفة.
أخونا عبد الغني عرف عنه شغفه بالشباب واحتضان الشباب، كان شديد الصلة بهم، لين الجانب معهم. ولذلك تجدهم يلتفون حوله ويحرصون على مجالسته.
وكان من أفكاره الإبداعية مع الشباب برنامج الرواحل، نظر له وأشرف على تنزيله، وتخرجت منه أفواج عديدة .
وكان لا يحبذ كثيرا سياسة التجميع وتكثير السواد في فئة الشباب من غير رؤية وبعد نظر، بل كان يرى ضرورة بناء الرواحل التي تحمل العمل وتنتشر في كل حي وفرع.
ولذلك يمكن القول بأن الأخ عبد الغني من الأخوة القلائل الذين تركوا بصماتهم القوية على عمل الشباب، وكم تربى على يديه من تلاميذ وتخرجوا على يديه ،وأنا أعرفهم واحدا واحدا، في عمومهم يتميزون بسمتهم وهمتهم وعلمهم وفكرهم وغالبيتهم يتحملون الآن مسؤوليات في الحركة .
ومما يميزه كذلك أنه كان إذا تكلف بشيء قام به، ولا تحتاج أن تتابعه فيه، فما عرف عنه أنه شرع في عمل ثم تركه أو ضيعه، بل إنه يعرف بحسن الانجاز وإنجاح الأعمال.
وهو من الناحية الاجتماعية رجل منفتح، كثير العلاقات بالرغم من كونه تربى في جماعة سرية هي “جماعة التبين” ،وكان يستثمر هذه العلاقات لصالح الدعوة، والبعد الدعوي كان دائما حاضرا في كل تحركاته.
أخونا عبد الغني صاحب فكر وصاحب رأى ونظر ، منهجي في نقده لما يطرح أمامه من أفكار ،ايجابي في تعقيباته، ذو خلق عال وأدب جم في ردوده ،يتجنب التجريح، ولا يبخس الناس إنجازاتهم.
أخونا عبد الغني اذا طال بك الجلوس معه، أحسست أنه يحمل هم الدعوة والأمة، دائم التفكير، عليه مسحة من الحزن ترافقه، تظهر أحيانا على وجهه.
أخونا عبد الغني تعرض لابتلاءات كثيرة، فقد سبق له أن اعتقل (أظن في سنة 1984)واعتدي عليه بالضرب بسبب نشاطه الدعوي بالحي واحتجزت مكتبته الكبيرة والأشرطة السمعية الكثيرة التي كانت عنده. وخرج من هذا الابتلاء صابرا محتسبا.
ثم ابتلي في أسرته فتشتت شملها بعد ما كان يضرب بها المثل في النجاح وامتلاك مقومات السعادة .
ثم ابتلي في الحركة بسبب مشكل تنظيمي، فجمدت عضويته لفترة معينة، لكنه ظل حريصا على البقاء في الحركة معتز بالانتماء إليها والعمل من خلال مؤسساتها.
ثم ابتلي بالمرض الخبيث، فأنهك جسمه القوي، لكن لم ينل من عزيمته، فكان يحرص على الصلاة في مسجد بدر، وعلى حضور مجلسه التربوي في حي الرياض.
وكان أخونا عبد الغني في كل هذه الابتلاءات صبورا محتسبا ،يفوض أمره إلى الله، لا تكاد تسمع منه شكوى ولا أنين، لقد رزقه الله صبرا جميلا. نحسب أخانا على ما ذكرنا مما علمنا من حاله وشاهدنا مع طول مخالطة ومعايشة له ، والله حسيبه ولا نزكي على الله أحدا.
جاء في الحديث : “ما يزالُ البلاءُ بالمؤمنِ والمؤمنةِ في نفسِه وولدِه ومالِه حتَّى يلقَى اللهَ تعالَى وما عليه خطيئةٌ.” الترمذي.
وجاء في الحديث : “إن عِظَمَ الجزاءِ مع عِظَمِ البلاءِ، وإن اللهَ – عز وجل – إذا أَحَبَّ قومًا ابتلاهم ؛ فمن رَضِيَ فله الرِّضَى، ومن سَخِطَ فله السُّخْطُ.” الترمذي وابن ماجه.
وجاء في الحديث :”ما من مسلمٍ يموتُ فيشهَدُ له أربعةُ أهلِ أبياتٍ من جيرانِه الأدنَيْن إنَّهم لا يَعلَمون إلَّا خيرًا إلَّا قال اللهُ : قد قبِلتُ عِلمَكم فيه ، وغفرتُ له ما لا تَعلمون.” المنذري.
وجاء في الحديث : “ما مِن مسلمٍ يموتُ يومَ الجمعةِ أو ليلةَ الجمعةِ إلَّا وقاهُ اللَّهُ فِتنةَ القبرِ.” الترمذي.
فاللهم اغفر لأخينا عبد الغني وارحمه رحمة واسعة، وأسكنه الفردوس الأعلى بمنك وفضلك وكرمك يا خير مسؤول ويا أكرم مأمول.