الرئيسية-مقالات رأي

د يوسف الحزيمري يكتب: أهمية رابطة “الخؤولة” ضمن الروابط العائلية في الإسلام

 الحديث عن أهمية رابطة الخؤولة ضمن الروابط العائلية في الإسلام، ودور الخال والخالة كأعضاء أساسيين في نسيج الأسرة الممتدة، يفرض نفسه بإلحاح على المصلحيين والمربين والباحثين في علم الاجتماع والنفس، فالإسلام يولي العائلة اهتماماً كبيراً باعتبارها الوحدة الأساسية لبناء المجتمع، ويضمنها بقوانين شرعية تهدف إلى التآزر، والصبر، والبر، وصلة الرحم، وتوفير الأمان والاستقرار النفسي والمادي لأفرادها.

والعائلة في التشريع الإسلامي تتألف من الأسرة النووية، وهي الأب والأم والأبناء الذين يعيشون معاً، والأسرة الممتدة التي تشمل الأقارب كالأجداد، الأعمام، العمات، الأخوال، الخالات، الأحفاد، والأصهار، إذ يشكل هؤلاء جميعاً وحدة مترابطة تعزز الدعم الاجتماعي والعاطفي.

لم تحظَ مكانة الخال والخالة بالدراسة الشاملة رغم كونهما من الأقارب المؤثرين والمهيمنين على علاقة العائلة، وذلك على الرغم من الأدلة الإسلامية التي تشير إلى فضلهما ومكانتهما العالية، بل وتقرّبهما من منزلة الوالدين في عدة جوانب حياتية وروحية، تُعرّف العلاقات بالأخوال والخالات بالخؤولة في اللغة العربية، وهي علاقة خُصّت بنصوص وأحاديث نبوية تؤكد مكانتهم، مثل تسمية النبي صلى الله عليه وسلم لِسعد بن أبي وقاص “خالي”، ودلالات كثيرة من الأدب العربي والشعر القديم التي توضح مدى تقلب عرق الخال وتأثيره في النسب والشكل، ما يعكس قيمة وصل الأرحام عبر هذه الروابط.

الشريعة الإسلامية تبيّن أن الخال والخالة بمثابة الأم والأب، ويرتبطان بأحكام نفقة، وميراث، وحضانة، وصلة رحم تنبع من هذه المقاربة، حيث أشار كثير من العلماء إلى أن الخال والخالة يعتبران جزءاً من صلة الرحم التي أمر الله بها، وأن برهما وإحسانهما من الأعمال التي تكفر الذنوب وتقرب إلى الله، وقد وردت عدة أحاديث تؤكد منزلة الخال والخالة، من ضمنها حديث “الخالة بمنزلة الأم” و”الخال والد”، وتعزز مكانتهما في العلاقات الأسرية.

الأحكام الشرعية المتعلقة بالخال والخالة تشمل وجوب صلة الرحم والتواصل الدائم، وتفعيل حقوق المودة والإحسان، وأيضاً المحرمية بحيث يحرم الزواج منهم لما بينهم من قُربى دائمة.

كل ذلك يعكس عدالة الإسلام في التوجه إلى حفظ الأنساب وضمان تماسك الأسرة، إضافة إلى وجوب الاحترام والتقدير الكبير لهما، حيث تأتي منزلتهما في المرتبة العالية بعد الوالدين في البر والحب.

يُعد الخال والخالة من ذوي الأرحام الذين لهم حق في الإرث في بعض الحالات، مثل غياب الورثة الأقربين مباشرة، وموقف المذاهب الإسلامية مختلف بشأن إيراث الخالة والخال، وحق الحضانة، إذ تعتبر الخالة من الأكثر حقاً في الحضانة عند غياب الأم أو عدم أهليتها، وذلك لتقارب دورها بالأم في الحنان والرعاية والحنو.

وموضوع النفقة على الخال والخالة بُحث أيضاً فقهاً، حيث اختلفت المدارس الفقهية في وجوب النفقة عليهم؛ الحنفية والحنابلة يجيزان النفقة لهم استناداً إلى حقوق القربى، بينما المالكية والشافعية يرون أن النفقة يجب أن تقتصر على الأصول والفروع الأقرب، دون الحواشي كالإخوة والأخوال، هذه الاختلافات تعكس التنوع في الفهم الفقهي لأهمية الروابط العائلية والحقوق المالية المرتبطة بها.

دور الخال والخالة لا ينحصر فقط كعلامة في نسيج عائلي متين يحمل الأواصر الدموية، وإنما كجزء فاعل ومؤثر في حياة الأبناء في توفير الدعم النفسي، التربوي، الاجتماعي، والإرشاد، حيث يضفون على الأسرة جوّاً من المودة والمرح، ويعملون كصلة وصل بين الأجيال، ويمنحون الأبناء ثقة وراحة نفسية قد لا يجدونها مع الوالدين أحياناً بسبب طبيعة العلاقة المباشٍرة والمباشَرة الصارمة.

إن قوة العلاقة مع الخال والخالة تسهم في بناء شخصية متوازنة للأبناء، وتعززّ من استقرارهم النفسي والاجتماعي، وضرورة الحفاظ عليها من التمزق الذي قد ينجم عن التحولات الاجتماعية والقيمية الحديثة، كما أن الحفاظ على هذه الروابط، والتحلي بتقديس فكرة “الخال والد”، هو جزء من التزام تعاليم الإسلام وأخلاقيات الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو الأمر الذي يحافظ على وحدة الأسرة وتمتينها، ويجعل من العائلة مجتمعاً متماسكا متكافلاً.

من هنا يتضح أن الإسلام لم يغفل أي حالة من حالات القربى إلا نظمها وفق حكمة بالغة، ومنح الخال والخالة مكانة خاصة تجعل منهما جزءاً لا يتجزأ من منظومة الأسرة وحقوقها، وحفظ كرامتها، وهذا كله يصب في صالح الفرد والمجتمع على حد سواء، هذه المكانة تسمح للخال والخالة بأن يكونوا الدعامة التي تعتمد عليها الأسرة في الفرح والحزن والنصح والمودة، كما أن لها دلالات شرعية واضحة في حقها ومكانتها من خلال النصوص القرآنية والحديثية والتطبيق الفقهي، يتمثل ذلك في الإرشاد القيمي، والإصلاح الاجتماعي، وضبط العلاقات الأسرية.

الحديث عن فضل الخال والخالة، لا يقتصر على حدود النصوص، بل يتمدّد ليصل إلى الدور المجتمعي الذي يؤديانه، فتقوية الروابط بهذه العلاقة يطرح حلولاً عملية للأزمات العائلية، والتباعد النفسي بين أفراد الأسرة، حيث يسهم الخال والخالة في تخفيف الضغوط عن الوالدين، وينقلون تجاربهم ونصائحهم بحكمة وحنو، الأمر الذي يدعم استقرار الأسرة اجتماعيًّا ونفسيًا. كما تسهم العلاقة الثنائية ما بين الأبناء والأخوال والخالات في تعزيز الهوية الانتمائية وحفظ تواريخ العائلة والأوطان.

في ضوء ذلك، جاءت الدعوة إلى إعادة التأكيد على أهمية تقوية رابطة الخؤولة سواء بتفعيل العادات والتقاليد الأصيلة، أو بتوجيه الجهود التربوية والاجتماعية وفهمها ضمن بُعد شرعي راسخ، يستند إلى أدلة متينة وأحاديث شريفة، للحد من التباعد الذي تشهده كثير من المجتمعات المعاصرة، وإعادة بناء الأسس المتينة لروابط القربى والعائلة.

إن العلاقة بين الأبناء والأخوال والخالات تتجاوز المعنى النظري لتطييب الخواطر؛ بل تصبح علاقات وطيدة وصداقة وثيقة تمتد عبر الأجيال، مما يجعلها أحد الأعمدة الفاعلة في التنمية الشخصية والاجتماعية للأفراد، كما أن توجيه الاهتمام لهذه الروابط ينعكس إيجابًا على البيئة الأسرية والإسلامية بشكل عام، ويعمل على تحصين المجتمع من التفكك والاضطراب.

ثم إن الاعتراف بفضل الخال والخالة وتطوير هذه العلاقة بما يتناسب مع متطلبات العصر، من دون الوقوع في تعاليم مخالفة، يمثل تجسيدًا عمليًا لمبادئ الرحمة، والعدالة، والتعاون، والتكافل الاجتماعي التي جاءت بها الشريعة الإسلامية، فهذه العلاقات ليست مجرد واجبات شكلية، بل هي ممارسة حياة وعطاء دائم، تستمد جوهرها من تعاليم الإسلام القويمة وهدي النبي الكريم.

ختامًا، إن رفع الجهل عن فضل الخال والخالة ليس قولًا عابراً لكنّه عمل لطيف وحكيم يعيد الروح للعلاقات الاجتماعية ضمن الأسرة، ويعزز مكانة روابط القربى التي نادت بها الآيات القرآنية ومتون الأحاديث النبوية، مما يساعد في تعزيز تماسك ونمو المجتمعات الإسلامية في ظل تحولات معاصرة تُغير على القيم والتقاليد في المجتمع، وتهدد بناء هيكل الأسرة الإسلامية واستقرارها العائلي والاجتماعي.

أخبار / مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى