د خالد الصمدي يكتب: خمر في ثلاجة الفندق

تابعت الجدل الذي اثير حول سؤال مادة التربية الإسلامية، والذي تضمن عبارة لا علاقة لها بالتربية الإسلامية، بقدر ما هي مفهوم رمى به بعض السوقة إلى سوق الاستعمال للتشويش على المفهوم الأصيل فاحشة” الزنا ” وجعله متداولا مقبولا بين الناس.

ويبدو أنهم قد أفلحوا في ذلك حتى تسرب هذا المفهوم، ووجد نفسه في وثيقة تربوية رسمية موجهة إلى التلاميذ المغاربة في مادة دراسية؛ من المفروض ـن تكون الحصن الأول للمفاهيم السليمة. إن هذه النازلة تطرح على المشتغلين بالمادة جملة من الاسئلة، سواء من الناحية العلمية أو من الناحية الديداكتيكية.

فمن الناحية العلمية، القرآن الكريم حذر من تغيير الكلم عن مواضعه ، وأمر بتسمية الأشياء بمسمياتها خشية الخلط واللبس فقال تعالى ” وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون “. وصحح الرسول صلى الله عليه وسلم كثيرا من المفاهيم الخاطئة حتى لا تبنى عليها ممارسات خاطئة، ومن ذلك تصحيحه لمفهوم المفلس حرصا منه صلى الله عليه وسلم على دقة المفهوم واستعماله في محله.

أما من الناحية الديداكتيكية، فإن سؤال التقويم ينبغي أن يكون واضحا ودقيقا من جهة حتى لا يكون الجواب محل تأويل، وينبغي أن يشتمل على أسناد معرفية موجهة وداعمة، مع تقويم مدى قدرة المتعلم على توظيفها المنهجي السليم ، بالإضافة إلى تضمين مؤشرات مساعدة على التقييم تمكن المتعلم من توجيه جوابه إلى المقصود حتى لا يخرج عن الموضوع هذا بالإضافة إلى الاختصار والتركيز في الصياغة.

وبناء عليه فإن السؤال موضوع النقاش، وقعت فيه أخطاء علمية وديداكتيكية كانت سببا في إثارة كل هذا اللبس وهذا الجدل ومنها :
– اشتماله على مفاهيم لا علاقة لها بالمادة بقدر ما هي مشوشة على مفاهيمها الأصيلة، وقد يكون إيرادها سببا في رسوخها في أذهان المتعلمين، ومن تم استعمالهم لها في خطابهم اليومي بعد انتهاء الامتحان ، فكان الأولى أن يتم تنزيه السؤال عنها، فقتل المفاهيم في المهد يكون بعدم تداولها، وإحياؤها يكون باستعمالها.

– غموض العبارة نفسها فقد ورد الرضا في النصوص الإسلامية حين اعتبر القرآن الكريم الزواج والطلاق علاقة رضائية ” عن تراض منهما وتشاور “، واعتبر من شروط صحة الزواج الرضا والقبول ” فلماذا يستبدل واضع السؤال المفهوم الصحيح باللقيط في اقتحام العالم التربوي والعلمي للمادة.

– تحديد حجم الجواب عن هذه الإشكالية، ومناقشها بما تتطلبه من مضامين وحجج وبراهين حسب ما ورد في صيغة السؤال في أربعة أسطر !! فهل يعتبر هذا الحيز كافيا للكتابة في الموضوع؟ وإبداء رأي واضح فيه ؟
إن ما ورد من ملاحظات في هذا الموضوع في الشكل والمضمون لا علاقة له بتهجم على المادة، ولا على واضع السؤال كما ذهبت الى ذلك بعض التعليقات، التي خرجت عن أدب النقاش الواجب في مثل هذه القضايا، بقدر ما هي تدقيقات وتنبيهات في التعامل مع مضمون مادة دراسية حساسة جدا؛ موجهة إلى فئة عمرية هشة في تركيبها المفاهيمية والنفسية، وهذا يقتضي كثيرا من الاحتياط في صياغة الخطاب، وكثيرا من المعرفة بقواعده العلمية والديداكتيكية.

فالوضعية التقويمية للمادة هي جزء لا يتجزأ من العملية التعليمية وليست كما يعتقد البعض عملية امتحان فقط ، فلا تقحموا رحمكم الله في مضامينها التربوية والتعليمية ما لا يستقيم ، سَمُّوا الأشياء بمسمياتها واضبطوا الأمور بقواعدها حتى لا تتحمل المادة تبعات بعض أخطاء أبنائها بحسن نية.
ولا تكونوا كمن دخل إلى فندق فوجد في الثلاجة خمرا وعوض أن يطلب من الخادم سحبها من غرفته ، فتحها وسكبها في الحمام، فوجد ثمنها في فاتورته عند الخروج ، فلم يكن الخطأ في القصد والنية بقدر ما كان الخطأ في التصرف فتحمل مسؤوليته، وأدى ثمن خمرة لم يشربها بل ويعتقد حرمتها، وهذا ما فعله إقحام عبارة “ما يسمى زورا بالعلاقات الرضائية” في مادة التربية الإسلامية ، فأدى ذلك الى تحمل كلفة غالية من النزاع حول مضمون ببداغوجي في مادة دراسية البحث عن تعزيز نقط الاتفاق فيها أولى من الاشتغال بالاختلاف .

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى