دروس من الهجرة لواقع المسلمين – الحسين الموس
من أعظم دروس الهجرة درس الانتصار على النفس وحظوظها حبا في الله ورسوله، لقد كان أمر الهجرة أمرا شاقا على النفوس، ففيه ترك الوطن الذي ترعرع فيه الانسان، وفيه السفر إلى بلد لا يعلم كيف سيكون المقام فيه، وفيه التعرض لأهوال السفر …لكن الله تعالى قيّد لدينه من يتغلب على كل ذلك ويقدم حب الله والرسول على كل المحبوبات. ولذلك مدح الله تعالى المهاجرين في الكثير من الآيات منها قوله تعالى:…كما لام المتخلفين ممن لا عذر لهم فقال:{إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (97) إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا } [النساء: 97، 98] وروي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه تلا هذه الآية فقال: ” كُنْتُ أَنَا وَأُمِّي مِمَّنْ عَذَرَ اللَّهُ “
إن المسلم اليوم غير مطالب بالهجرة المادية إلى وطن آخر، لكنه مطالب بأن يهجر المحرمات والموبقات، وبأن يهجر الدعة والراحة، ويهتم بقضايا المسلمين وينتصر لهم بما يستطيعه.
ثاني درس من دروس الهجرة النبوية هو تعليم الأجيال حقيقة التوكل على الله، وأنه جمع بين تفويض الأمر لله تعالى مع الأخذ بكل الأسباب الشرعية، إن قراءة أحداث الهجرة النبوية تؤكد احترام النبي عليه السلام للسنن الكونية، وأخذه بأسباب الحيطة والحذر إلى أبعد الحدود، وبعد ذلك يأتي الاطمئنان لوعد الله تعالى فهو الصاحب في السفر والمؤمن في كل الأهوال: ” ما ظنك باثنين الله ثالثهما”. قال الله تعالى: {لَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا } [التوبة: 40].
إن واقع المسلمين اليوم، والتخاذل الذي يظهره كثير من حكام العرب حيال قضية المسلمين الأولى فلسطين، وغطرسة العدو الصهيوني يدعو إلى مزيد من اليقين في نصر الله تعالى للمستضعفين، وأنه ما ضاع حق وراءه طالب مثابر .
الدرس الثالث من دروس الهجرة هو انخراط الأسرة بأكملها في حدث الهجرة، وقيام الآباء بإشراك أبنائهم في القضايا الكبرى التي تهم الأمة، وقد تجلى \لك في آل أبي بكر الذين انخرطوا نساء ورجالا في ترتيب أمر الهدرة النبوية، وفي هجرة بعض الأسر برجالها ونسائها كأسرة جعفر رضي الله عنه وزوجته أسماء بنت عميس….
الدرس الرابع للمسلمين يتجلى في أن التاريخ يكتب بمداد المهاجرين والمجاهدين. إن اختيار التأريخ بجدث الهجرة بدل الميلاد الذي عرفه النصارى يعطي هذه الدلالة، ومن ثم فإنه يجب أن نغرس في شباب الأمة الهمة والتطلع لكتابة أحداث عظيمة يخلد بها ذكرهم. إننا اليوم نتذكر النبي عليه السلام وأبي بكر ثاني اثنين وصهيب وأسماء … وغيرهم لأنهم أبلوا بلاء حسنا في خدمة دينهم وقيمهم.