دراسة: نقاشات تعديل مدونة الأسرة لا تميز بين القطعي والظني
خلصت دراسة بحثية جديدة إلى أن كثيرا من النقاشات التي تحوم حول ضرورة تعديل بنود مدونة الأسرة، وتعديل أحكامها، تفتقد إلى التمييز بين القطعي والظني في هذا المجال، مما يوقع في آراء واجتهادات تؤول إلى العود على أصول الشريعة في هذا المجال بالإبطال، والمساس بمقصد حماية الأسرة الذي شرعها خالق البشر بنصوص قطعية.
وذهبت الورقة البحثية الصادرة عن مركز أفكار للدراسات والأبحاث، أمس الأربعاء، بعنوان “التمييز بين القطعي والظني في أحكام الأسرة وأهميته في رهانات التعديل”، إلى أن كشف القطعي والظني في المجال الأسري يكتسي أهمية كبيرة، ترجع إلى خصوصية النص الشرعي وطبيعة النص القانوني، ومجال شموله من حيث أفراد المجتمع.
وأكدت الدراسة أن رهانات تعديل مدونة الأسرة ينبغي أن تنطلق وفق تحليل طبيعة النصوص الحاملة للأحكام الأسرية، لأن النص في آخر المطاف هو الذي يكون مرجعا في الاستدلال، وفاصلا في التنزيل عند القضاة.
الدراسة التي أنجزها الدكتور الحسين أبيكا الباحث في الفقه وأصوله، لفتته إلى أن طبيعة الأحكام التي تتضمنها النصوص الشرعية والقانونية، تقتضي التفاوت في مرتبة دلالتها على الحكم قطعا وظنا، ومن ثم ينبغي مراعاة ذلك في صياغتها القانونية، وفي فهمها وتفسيرها وتنزيلها وفق هذا المنظور.
وقسمت الورقة البحثية ضوابط كشف القطعي والظني في مدونة الأسرة، إلى قسمين، تتمثل في ضوابط شكلية خارجة عن ماهية نصوص المادة، ولكنها مهمة قبل قراءتها قراءة فهم وتفسير، وضوابط موضوعية وتشمل ضوابط علمية وعملية تساعد على كشف القطعي والظني في تلك النصوص مما يساعد على تحديد مواضع الحديث عن الاجتهاد بالتعديل والتغيير.
وجاء في الورقة البحثية أن فهم النصوص تعتبر من أهم القضايا التي تستحث همة الباحثين لدراسة إشكالاتها المعرفية والمنهجية، خصوصا إذا استحضرنا أن هذه النصوص هي منطلق التشريع و الفهم و عمدة التأصيل والتنزيل، سواء تعلق الأمر بالتشريع الإسلامي أو الوضعي، مع استحضار الفرق بين مصدر النصوص في المجالين ومكانتهما، والنص بطبعه تتفاوت دلالاته على الحكم باعتبارات مختلفة، ترجع إما إلى مصدره أوألفاظه، أو مقاصده، وهي كلها مُنبِئة عن درجة ما تحمله من أحكام قطعا وظنا.
وأشارت الدراسة إلى أن النصوص تحتاج في التعامل معها فهما وتفسيرا وتطبيقا إلى ضوابط ومحددات علمية، خصوصا إذا اجتمعت في قالب واحد كما هو الشأن في مدونة الأسرة المغربية التي تحمل في صياغة نصوصها مزيجا من مرجعيات متعددة، تتفاوت مساحتها التي أخذتها في صياغة الأحكام بين فترة زمنية و أخرى، يشهد بها تاريخ تشريع وصياغة القانون الأسري بالمغرب.
وتنطلق الورقة البحثية من كون مدونة الأسرة كانت دوما – عبر تاريخ تعديلاتها- تصحبها نقاشات متواصلة وقوية، ترمي في غاياتها كل فئة إلى اختيار ما تراه مناسبا لحماية حقوق الأسرة بجميع أفرادها، وبالتالي فإن الإشكال العميق الذي يصحب دوما هذا الأمر من بداية إثار النقاش إلى مرحلة مقترحات التعديل، هو عدم التمييز بين القطعي والظني في أحكام الأسرة، وهو ما يلقي بظلال تأثيره على التعامل مع هذه النصوص صياغة وتفسيرا وتنزيلا، وعلى تصنيف تلك النصوص إلى ما يحتمل الاجتهاد وما لا يحتمل، خصوصا عند استحضار تغيرات الواقع، وطبيعة المجتمعات، وتعدد المرجعيات الفكرية والدينية للمخاطبين المعنيين بأحكام هذه النصوص.
وجاءت هذه الدراسة المقتضبة لتبحث عن مدى أهمية استحضار ضوابط القطع والظن وآثارها في مجال أحكام الأسرة ورهانات تعديل موادها القانونية، وتحاول اقتراح بعض الضوابط العلمية الشكلية والموضوعية التي تعين على كشف القطعي والظني في نصوصها، لتكون نبراسا في تحديد مواقع الاجتهاد والتعديل وحدودهما في مدونة الأسرة، ومراعاة ذلك في صياغة موادها.