دراسة ميدانية تسجل تراجع ثقة الشباب في المشاركة بالشأن العام

سجلت دراسة ميدانية حديثة تحولات عميقة في علاقة الشباب المغربي بالمشاركة في الشأن العام. ولوحظ تراجع في الثقة بآليات المشاركة الكلاسيكية، مقابل تنامي أشكال بديلة وأكثر مباشرة للانخراط، ترتبط أساساً بالإعلام الرقمي والمبادرات المحلية.
واستندت الدراسة الصادرة عن جمعية “المواطنون” المعنون بـ”كيف يرى الشباب الالتزام المواطن؟” إلى عمل ميداني استمر لأكثر من سنة وشمل مختلف جهات المملكة، عبر تنظيم مقاهي للمواطنة، مجموعات تركيز، واستبيان وطني شامل.
وشارك في هذا الجهد البحثي أكثر من 1100 شابة وشاب، يمثلون مختلف الخلفيات المهنية والتعليمية والمجالية، من المدن والقرى، ومن الطلبة والعاطلين والنشطاء. وتوصلت إلى أن غالبيتهم لا يرون أن الأحزاب السياسية القائمة تعبّر “فعليا” عن تطلعاتهم، بينما أفاد أكثر من نصفهم بأنهم لا يثقون، على الإطلاق، في أي حزب سياسي مغربي.
وأظهرت الدراسة الميدانية -التي أُجريت ضمن بحث نُشر في العدد الجديد من مجلة الباحث للدراسات والأبحاث العلمية- أن 78 في المئة من 300 طالب وطالبة في جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء “لا يرون في الأحزاب السياسية تعبيرا فعليا عن تطلعاتهم”.
وبحسب المعطيات التي وردت في الدراسة الموسومة بـ “بين التراجع والرهان.. مستقبل التأثير الحزبي في الثقافة السياسية بالمغرب”، فإن اثنين من كل ثلاثة شباب لا يشعرون بأن صوتهم مسموع من قبل صناع القرار، فيما عبّر أكثر من نصف المستجوبين عن فقدانهم الثقة في القنوات التقليدية للمشاركة، من قبيل الانتخابات أو الجمعيات ذات الطابع الكلاسيكي.
في المقابل، برز اتجاه قوي نحو أشكال جديدة من الالتزام المواطن، تعتمد على آليات مرنة وقريبة من الحياة اليومية، مثل المشاركة عبر المنصات الرقمية، إطلاق مبادرات محلية، والانخراط في حملات شبابية مستقلة، تعكس وعياً مدنياً متجدداً، رغم المسافة المتزايدة عن المؤسسات الرسمية.
ووضحّت الدراسة التي أعدها عبد الحق حجي، دكتور في القانون العام في جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، أن النسبة ذاتها من الطلبة “لا تجد في الخطابات الحزبية تعبيرا حقيقيا عن همومها اليومية، بينما يعتبر %52% أن هذه الخطابات لا تلامس القضايا التي تحركهم كمواطنين، بل تُعاني من تعقيد لغوي وافتقار للمصداقية”.
وخلصت الدراسة الميدانية إلى أن “إعادة التفكير في هندسة الوظيفة الحزبية ليس فقط تنظيميا، بل أيضا معرفيا وتواصليا”، فالمسألة “لا تتعلق بمكانة الأحزاب فقط، بل بقدرتها على التجدد واستعادة الثقة داخل مجتمع يعرف تحولات قيمية وثقافية عميقة”.