دراسة: الحكومة استغلت فترة عطالة البرلمان للهيمنة على التشريع

حذرت دراسة جديدة من استئثار الحكومة بالمبادرة التشريعية عبر تقديم أغلب مشاريع القوانين، كما تهيمن على إعداد التشريعات التنظيمية والمالية. وتستغل أدوات استثنائية كقانون الإذن المنصوص عليه في الفصل 70، أو إصدار مراسيم قوانين خلال فترات عطالة البرلمان بناء على الفصل 81، في مقابل تهميش الدور التشريعي للبرلمان.

وسجلت الدراسة الصادرة في العدد 45 من مجلة دراسات علمية، هشاشة تطبيق مبدأ فصل السلط في النموذج الدستوري المغربي، مسجلة أن الحكومة تحولت إلى فاعل مهيمن داخل العملية التشريعية، وهو ما يدفع، بحسب الدراسة، إلى إعادة النظر في التوازن المؤسساتي بين السلط، وتعزيز آليات الرقابة البرلمانية.

الدراسة التي أنجزها عبد الحق حجي، أستاذ القانون العام بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، حملت عنوان “تداخل في الاختصاصات بين الحكومة والبرلمان”، توصلت إلى أن الممارسة السياسية خلال العقد الأخير أظهرت تمددا متزايدا للحكومة داخل المجال التشريعي، رغم تنصيص الفصل الأول من دستور 2011 على مبدأ فصل السلط وتوازنها وتعاونها.

وأفرز هذا الواقع علاقة مزدوجة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، تتراوح بين التنسيق من جهة، والتجاوز من جهة أخرى، مما يعمق التساؤل حول حدود السلطة التشريعية في ظل ما وصفته الدراسة بـ”التغول التنفيذي”، متسائلا عما إذا كانت هذه الدينامية تدخل في نطاق التعاون المشروع بين السلط، أم أنها تؤشر على خلل في التوازن المؤسسي يمس باستقلالية البرلمان. 

وأوضحت الدراسة أن هذه الإشكالات ليست حصرية على الحالة المغربية، بل تبرز أيضا في النموذج الفرنسي، غير أن ما يميز السياق المغربي هو غياب التوازن في المبادرة التشريعية، وتهميش مقترحات النواب التي لا تلقى غالبا الدعم السياسي والمالي الكافي، ما يجعلها عرضة للتجميد داخل اللجان التشريعية، خاصة في ظل تطابق الانتماء السياسي بين الأغلبية البرلمانية والحكومة.

ونبهت الدراسة إلى استغلال الحكومة لنفوذها الكبير على التشريع المالي، بدءا من إعداد مشروع قانون المالية، مرورا بمراحل مناقشته، وانتهاء باستخدام أدوات تنظيمية مثل مرسوم الاعتمادات وقانون الإذن. كما منحت المقتضيات الدستورية والتنظيمية لرئيس الحكومة ووزير المالية صلاحيات واسعة للتصرف في هذه المجالات الحساسة. وأصبحت بذلك الحكومة الفاعل المركزي في إنتاج النصوص القانونية ذات الأثر الاستراتيجي، مما يضيق هامش تحرك البرلمان، ويضع استقلاليته موضع تساؤل.

ودعت الدراسة إلى ضرورة تعزيز التوازن بين السلط، عبر مراجعة آليات المبادرة التشريعية والرقابة عليها، وتطوير ثقافة دستورية تكرس جوهر مبدأ فصل السلط، بدل الاكتفاء بصياغاته النصية. وأهمية تقوية قدرات المؤسسة التشريعية، وتقييد استعمال أدوات الاستثناء، بما يعيد للبرلمان مكانته الدستورية كركيزة أساسية في البناء الديمقراطي.

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى