خوفا من دهسه.. مدينة كندية تغلق شارعا لأسابيع ليمرّ أحد الزواحف – مولاي أحمد صبير الإدريسي

تحت هذا العنوان تناقلت وكالات الأنباء خبرا مفاده أن مدينة بيرلينغتون الواقعة على بعد 60 كلم جنوب غربي تورنتو، أغلقت – ضمن تقليد سنوي دأبت عليه منذ 13 عاما – جزءا من طريق “كينغ رود” من أجل تأمين مرور “سمندل جيفرسون”، وهو أحد الزواحف المهددة بالانقراض في أونتايو، و” فقدان أي فرد منها هو خطر على بقاء هذا النوع”.

والمتأمل في هذا الحدث وما صاحبه من ضجيج إعلامي يستوقفه ما وصلت إليه المدنية الغربية من حوَل أفقدها وضوح الرؤيا والرؤية، وسلامة البصر، وتوازن البصيرة، وهذا الخبر هو واحد ضمن سلسلة تطالعنا بها من حين لآخر وسائل إعلام غربية وأخرى عربية تابعة، مفادها إعلان حدائق حيوانات الحداد لنفوق صغير زرافة، أو هلاك شبل نمر، أو موت طائر مهاجر، وسرعان ما تتفاعل مع الحدث وسائل إعلام مرئية ومسموعة ومكتوبة، تندب حظ الصغير، ولربما لوحت بفتح تحقيق ومتابعة المسؤولين المباشرين عما وقع..

ويظهر حوَل الغرب في هذا السياق بالموازاة مع ما يعيشه أكثر من مليوني آدمي في غزة، من حيث كونها ظروفا لا توصف، تفتقر – وفي صمت عالمي مريب – لأدنى شروط العيش الذي تنص عليه الشرائع السماوية، والمواثيق الدولية، دون أن يرف لهذا الغرب جفن، ودون أن تحظى أحداث غزةبما تستحقه من حضور إعلامي متوازن ومعالجة منصفة.

إن السؤال الذي يفرض نفسه هو: ما الذي أصاب مزاج ملايين الأوربيين والأمريكيين والكنديين؟ ما الذي أفقدهم الشعور الآدمي، وجرّدهم من الذوق السليم، وحرمهم نعمة ترتيب أولويات الكائنات وحقها في الوجود؟ كيف تقوم قيامة مجتمع غربي لنفوق طائر مهاجر، ولا يهتز له شعور بموت الآلاف من الغزيين بقصفهم بأطنان من القنابل؟

إن مزاج جمهور واسع من الغرب تمّ تشكيله على نحوٍ سلَبَه الميزان السليم الضابط الذي من المفترض أن يقيس به الأحداث والأوضاع…مما يؤكد أنهم ضحايا حرب إعلامية وثقافية، وظفت فيها – على مدى عقود – أباطيل وأكاذيب، وتمّ فيها تزوير معطيات وحقائق، فكانت النتيجة الحالة التي هي عليه الغرب اليوم: تكلّس في المشاعر تجاه كل ما له صلة بالعرب والمسلمين.

لكن، ولأن الباطل لا يعدو أن يكون جولة ثم يزول، فإن ما تشهده بعض جامعات أوربا وأمريكا من انتفاضة ضد هذا السلوك المشين، إنما هي بداية منعطف نحو تحرر الغرب عموما من هذا السلوك المتمثل في سياسات آن الأوان لتجاوزها والتخلي عنها، وهو أمر لن يتحقق بين عشية وضحاها، بل لا بد فيه من انخراط جيل جديد من النخبة (الطلبة على الخصوص) والعمل على خلق بيئة إعلامية أكثر مصداقية يتحرر معها الإنسان الغربي من سطوة الإعلام المضلل، الجاثم على الصدور منذ عقود، والعمل على دعم جيل من الصحافة تلتزم بالمعايير الأخلاقية والمهنية، وتفرض قواعد أكثر صرامة على أنواع الشبكات لمنع انتشار المعلومة المضللة.

هذه خطوات يمكن أن تسهم في بناء وعي جديد للإنسان الأوربي والأمريكي، وتساهم في تصحيح رؤيته للأحداث بعيدا عما ترسب من مغالطات تولت صناعتها آلة الغرب الإعلامية الرهيبة، حينها فقط، سيحظى آدميو غزة بنفس الاهتمام الذي حظي به “سمندل جيفرسون” دون أن يعيش هذا الأخير نفس الحرمان الذي يعيشه سكان غزة.

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى