خمسة تأثيرات اقتصادية متوقعة للرد الإيراني واتساع نطاق الصراع في “الشرق الأوسط”

مشاهد الرحلات الملغاة والمغادرين المتكدسين في مطار رفيق الحريري الدولي، وهدير الطائرات الإسرائيلية التي تخترق حاجز الصوت في بيروت لا تعكس المخاوف المتزايدة من اندلاع حرب شاملة في لبنان فحسب، بل يمتد أثرها إقليميا ودوليا.

فالحرب المستمرة في قطاع غزة، والصراع مع إيران وحزب الله الله بلبنان وانصر الله باليمن، والتوترات المتصاعدة على الحدود اللبنانية كلها تشير إلى تصعيد قد يؤثر على الاستقرار الإقليمي والأسواق العالمية بشكل كبير.

منذ يوم الأحد الماضي، أغلقت أسواق الأسهم في الشرق الأوسط على انخفاض كبير متأثرة بالتوترات التي أعقبت اغتيال الاحتلال الاسرائيلي لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية بعد يوم واحد من غارة إسرائيلية على بيروت أسفرت عن مقتل فؤاد شكر القائد العسكري البارز في حزب الله.

وتراجعت أسواق الأسهم الكبرى في الخليج في اليوم التالي، مقتفية أثر انخفاض الأسهم الآسيوية وسط مخاوف من اتجاه الولايات المتحدة نحو الركود، وقد زاد احتمال اتساع نطاق الصراع في المنطقة من تلك المخاوف.

ودمرت جميع الأنشطة الاقتصادية تقريبا في غزة، فيما يقول البنك الدولي إن الحرب على غزة أثرت بشدة أيضا على الشركات الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة.

وفي لبنان، قال ناصر ياسين، الوزير المشرف على التخطيط للطوارئ، إن الحكومة ستواجه صعوبة في تغطية 10-15% من احتياجات المساعدات في أسوأ الأحوال بحسب خطة طوارئ اطلعت عليها رويترز.

وسيتعين على الدعم الباقي أن يأتي من المانحين، لكن لبنان لم يتلق سوى ثلث المبلغ الذي طلبه خلال الأشهر العشرة الماضية (72 مليون دولار).

تحدثنا مع الباحثَين روبرت موغيلنيكي، كبير الباحثين في معهد دول الخليج في واشنطن، وأحمد أبو الدوح، الباحث في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لدى “تشاتام هاوس” عن خمسة تأثيرات محتملة لاتساع نطاق الحرب في المنطقة :

الشحن وأسعار الغذاء
من غير الواضح كيف ومتى سيحدث الرد الإيراني، إذ راجع المسؤولون الأمريكيون مرتين تقييماتهم للموقف. في وقت قال زعيم حزب الله اللبناني حسن نصر الله إن “انتظار إسرائيل لمدة أسبوع رد حزب الله هو جزء من العقاب والانتقام”، مما يزيد من عدم اليقين في الأسواق عامة.

لكن اللبنانيين، الذين يشعرون بأن صراعا واسع النطاق قد يحدث هذه المرة على الرغم من سياسة “حافة الهاوية” التي استمرت عشرة أشهر في أعقاب فتح حزب الله للجبهة مع إسرائيل، يشعرون أيضاً بثقل هذا الترقب رغم التطمينات الحكومية بشأن مخزون الغذاء والوقود، في محاولة لإثناء المواطنين عن “الشراء المحموم”.

 

ويحذر مراقبون من أنه في حالة توقفت الموانئ والمطارات، قد تتوقف بعض الدول عن تلقي الإمدادات الأساسية، مما يؤدي لنقص حاد في الغذاء والدواء والمحروقات. ونقلت وكالة “رويترز” عن الوزير المشرف على التخطيط للطوارئ في لبنان أن إمدادات الغذاء قد تكفي لمدة تصل إلى 5 أشهر في حالة فرض حصار إسرائيلي كما حدث في عام 2006.

لكن الديزل الذي يعمل على تشغيل المولدات التي تغذي كل شيء من المستشفيات إلى الإنترنت لن يكفي سوى 5 أسابيع.

وعن قطاع الشحن، يقول موغيلينكي، المختص في الاقتصاد السياسي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إن هذا القطاع تعامل بالفعل مع قدر مهول من التحديات منذ تفشي كوفيد-19 وفي الفترة الأخيرة من هجمات الحوثيين في البحر الأحمر.

ويضيف أن توسع نطاق الصراع في جميع أنحاء المنطقة من شأنه أن “يؤدي إلى زيادة تكاليف الشحن والتأمين مما سيؤدي بعد ذلك إلى ارتفاع الأسعار للمستهلكين وسننظر في التأثير التضخمي للمستهلكين في المنطقة والعالم”.

من ناحيته ركز أحمد أبو الدوح، المتخصص في الشؤون الجيوسياسية والأمن، على تأثير الاضطرابات في البحر الأحمر على حركة الشحن عالميا بشكل عام، وعلى عوائد مصر من قناة السويس وأعرب عن تخوفه من “تحول هذا الأثر إلى أزمة على المدى الطويل والمتوسط”.

العقوبات والنمو

يشير موغيلنيكي أيضا إلى ضرورة النظر في التأثيرات الاقتصادية غير المباشرة في حال تصاعد الصراع الإقليمي. ويقول: “ستكون هناك دول في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تشعر بتأثير هذا التصعيد أكثر من غيرها. فمثلًا، مصر التي تواجه بالفعل تحديات اقتصادية متعددة ستعاني من تداعيات إضافية في مجالات مثل السياحة والاستثمار الأجنبي المباشر، والتجارة.

بينما هناك دول أخرى مثل السعودية التي تسعى لتعزيز أجندات تنموية طموحة، وهذه الاستراتيجية تعتمد بشكل كبير على تدفق مستمر للمستثمرين الأجانب والمقيمين، لكن الأوضاع المتوترة في المنطقة قد تجعل تحقيق ذلك أكثر صعوبة.”

من جهته يقول الباحث في شاتهام هاوس أحمد أبو الدوح إنه “من الصعب على بعض الاقتصادات مثل الاقتصاد الإسرائيلي أن ينمو في ظل هذا الوضع. لا سيما وسط توقعات بتخفيض التصنيف الائتماني للبلاد، مما سيصعب على “إسرائيل” الاقتراض، وهو ما كانت في حاجة إليه وستحتاج إليه بالتأكيد في المستقبل. إنها معضلة قد تواجهها دول أخرى في المنطقة كمصر مع زيادة خدمة الدين”.

من جهة أخرى، من المتوقع أن تشهد البلدان ذات الاقتصاد الهش تراجعًا إضافيًا، خصوصًا تلك التي تواجه أزمات في قطاعات حيوية مثل القطاع المصرفي في لبنان، أو الدول التي تتعرض دائم لعقوبات دولية كإيران وبعض الجهات الفاعلة في اليمن وسوريا والعراق، مما سيزيد من تفاقم الأوضاع الاقتصادية المتردية التي تعاني منها هذه الدول وشعوبها.

النفط وأسواق الطاقة

قفزت أسعار النفط أكثر من دولارين للبرميل بعد ساعات فقط من مقتل زعيم المكتب السياسي لحركة حماس. ويراقب المستثمرون عن كثب فرص توسع الأعمال العدائية المتصاعدة بين “إسرائيل” وإيران التي يمكن أن تهدد إمدادات النفط العالمية ومن ثم ارتفاع أسعار الطاقة إذ أن أكثر من نصف احتياطيات النفط الخام موجودة في المنطقة، وفقا للتقديرات الحالية لمنظمة البلدان المصدرة للبترول.

ويرى موغيلنيكي أنه رغم تقلب أسواق الطاقة وفقًا للتطورات الإقليمية، إلا أن الأسواق لم تشهد سوى تحركات محدودة نسبيًا على مدى الأشهر العديدة الماضية، وأرجع ذلك إلى “أن السوق قد أخذ في الاعتبار إلى حد ما أنه عدم الاستقرار سيطول.”

لكنه حذر أن سيناريو اندلاع حرب شاملة بمشاركة أطراف إقليمية قد يتضمن هجمات على منشآت الطاقة، سواء المرتبطة بالبنية التحتية الحيوية للنفط والغاز، مما سيؤدي إلى تعطيل الإمدادات. وفي هذه الحالة، قد نشهد تقلبات خطيرة في أسعار الطاقة، وسيكون لذلك تأثير عالمي وليس إقليميًا فقط، حسبما قال.

السياحة والسفر

منذ بداية الحرب في غزة لم تخل تدوينات المسافرين على وسائل التواصل الاجتماعي من تساؤلات حول السفر للكيان الإسرائيلي والضفة الغربية المحتلة ولبنان وسيناء وامتدت المخاوف لدوائر أوسع مثل دبي وتركيا وقبرص مع تحديث عدة دول تحذيرات السفر لمواطنيها.

واندلعت الحرب على غزة في وقت كانت فيه السياحة في الشرق الأوسط في أوجها في أعقاب الإغلاقات التي تسبب بها وباء كورونا، وكان عدد الزوار الوافدين إلى الشرق الأوسط أعلى بنسبة 20% من نفس الفترة من عام 2019، مما يجعلها المنطقة الوحيدة في العالم التي تجاوزت مستويات ما قبل الوباء، وفقًا لمنظمة السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة.

وتلعب السياحة دورا مهما في اقتصادات دول مثل مصر والأردن ولبنان، حيث يساهم هذا القطاع بما يتراوح بين 12 و26% من إجمالي الإيرادات من الخارج لهذه الدول الثلاث، وفقا لتقرير حديث صادر عن مؤسسة “أس آند بي” للتصنيف الائتماني.

 

ووفقاً للتقرير فإن “هذه البلدان، المجاورة مباشرة لإسرائيل وغزة، أكثر عرضة لتباطؤ السياحة، نظراً للمخاوف بشأن المخاطر الأمنية والاضطرابات الاجتماعية “.

ويقول أبو الدوح إنه من اللافت للنظر أن صندوق النقد الدولي خفض توقعات مستوى النمو العالمي إلى 2.6% مقارنة بالتوقعات السابقة 3.3% وهذا دليل على تأثير الحرب في أوكرانيا وغزة على المشهد الاقتصادي بشكل عام.

ويذكّر موغيلنيكي في هذا الإطار إلى أن الشرق الأوسط والعديد من دول مجلس التعاون الخليجي تستضيف أعدادا كبيرة من المغتربين الذين يشكلون أهمية حيوية لاقتصاداتها واقتصادات بلدانهم. فعلى سبيل المثال، في دولة الإمارات العربية المتحدة، يشكل المغتربون حوالي 88٪ من السكان، وكذلك في قطر والسعودية مضيفا أن أي تراجع في استقرار هذه البلاد سينعكس مباشرة على حياة المغتربين وخططهم المستقبلية، وسيؤثر بالتالي حتما على الاقتصاد.

المعيشة والخسائر الإنسانية

يقول موغيلنيكي إن “الخاسر الأكبر في هذه الصراعات هي الدول التي تقف على خط المواجهة، حيث لا يمكننا تجاهل الضحايا من السكان الذين يعانون بشدة من تبعات هذه الحروب، سواء كانوا ضحايا مباشرين للصراع أو يواجهون تفاقمًا في الفقر، وانعدام الأمن الغذائي، والنزوح”. ويشير إلى أنه من المؤسف أننا سنشهد استمرار أسوأ التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية في جميع أنحاء المنطقة.

يتفق أبو الدوح مع هذا الرأي، ويقول إن “هناك بُعدًا إنسانيًا لا يمكن فصله عن الحديث عن المؤشرات الاقتصادية. هذه الصراعات في المنطقة ستؤدي إلى خسائر إنسانية جسيمة، وستؤثر الأزمات الاقتصادية بشكل مباشر على حياة المواطن العادي، سواء عبر التورط المباشر لدولهم كما هو الحال في لبنان أو اليمن، أو من خلال التأثير غير المباشر على الاقتصادات التي تعاني بالفعل”.

عن موقع”بي بي سي” بتصرف

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى