خبير تربوي يرصد اختلالات المنظومة التربوية ويحذر من تعميم التعليم الأولي على حساب الجودة
أظهرت عدد من المؤشرات والأرقام عن تفاقم مشكل التعليم بالمغرب خاصة على مستوى التعليمين الأولي والابتدائي رغم الجهود التي تبذلها الجهات المعنية بهذا القطاع.
وكشف وزير التربية الوطنية شكيب بنموسى خلال عرض ألقاه باليوم الدراسي حول التوجيه المدرسي والمهني والإرشاد الجامعي الذي نظمه المجلس الأعلى للتربية والتكوين أن نسبة التلاميذ المتمكنين من التعلمات الأساس بالتعليم الابتدائي لا يتجاوز حاليا 30 %.
وكشفت الوزارة في حصيلتها لقطاع التربية الوطنية والتعليم الأولي عن ارتفاع أعداد المنقطعين عن الدراسة بالمغرب حيث انتقل الرقم عدد المنقطعين من من 331 ألف و558 منقطعا في الموسم 2019-2020، إلى 334 ألف و664 برسم الموسم الدراسي 2022/2021.
و احتل المغرب في “الدراسة الدولية للتحصيل الدراسي في القراءة” الشهيرة اختصارا باسم “بيرلز 2021” (PIRLS) التي صدرت قبل أيام، المرتبة ما قبل الأخيرة أي قبل جنوب إفريقيا بـ 372 نقطة.
وهمت الدراسة 400 ألف تلميذ من 57 دولة من المستوى الرابع ابتدائي برسم نسخة 2021 قي الاختبار من بينهم عينة من 7000 تلميذ مغربي، وأنجزت الاختبار 43 دولة في نهاية السنة الدراسية 2020–2021، بينما أجلت هذا الاختبار 14 دولة، من بينها المغرب بسبب ظروف جائحة “كوفيد–19” إلى الفترة بين شتنبر-دجنبر 2021.
مؤشر بيرلز.. تدني في التحصيل الدراسي
يرى الخبير التربوي عبد الناصر ناجي أن مؤشر بيرلز الذي نشر قبل أيام يؤكد المستوى المتدني للتحصيل الدراسي في المدرسة المغربية رغم أنه كان هناك بعض التحسن الطفيف مقارنة مع المشاركة في الأخيرة في 2016 باعتبار أن هذه الدراسة تتم كل خمس سنوات وتهم المستوى الرابع ابتدائي.
وأشار رئيس الجمعية المغربية لتحسين جودة التعليم (أماكن) إلى أن هذه الدراسة جاءت في ظرفية خاصة، وهي بعد كوفيد-19 والتأثير الواضح الذي عرفه التعليم خاصة بعد اعتماده عن بعد والإكراهات الكثيرة التي رافقت إغلاق المدارس في فترة جائحة كوفيد، مما أثر على مستوى التحصيل الدراسي في جميع المستويات الدراسية وخاصة في التعليم الابتدائي خصوصا في الوسط القروي.
وأوضح ناجي فيحديث لموقع “الإصلاح” أن هذه الدراسة رصدت تدن في التحصيل الدراسي وتراجع عند مجموعة من الدول -تقريبا 21 دولة- تراجع أداءها بين 2016 و2021، مفسرا التحسن الطفيف لدى المغرب إلى عدم إجراء الاختبار في الوقت المحدد من طرف الجهة المنظمة وهو أبريل ماي مع نهاية السنة الدراسية للسنة الرابعة ابتدائي، وإنما أجل إلى بداية السنة الموالية حيث كان تلاميذ الخامس ابتدائي هم من أجروا الاختبار في أكتوبر 2021، مما يعني أنهم كانوا قد حصلوا على امتياز مقارنة مع دول أخرى وفي هذه الوضعية لم يكن المغرب وحيدا وكان هناك 13 دولة أخرى.
ونبه المتحدث إلى أنه عندما تقوم الجهة المنظمة بتحليل هذه النتائج فإنها لا تراعي مشاركة هذه الدول لأنها تعتبر أن المقارنة معها ربما غير سليمة نظرا للتفاوت الموجود على مستوى تحديد الوقت الذي أجري فيه الاختبار، وهذا يؤكد طبعا تدني مستوى التحصيل الدراسي لتلاميذ المغرب خاصة التعليم الابتدائي، لأن التعليم الإعدادي والتأهيلي يمكن اعتبارهما ضحية للمستوى المتدني للتعليم الابتدائي بحيث يصعب تدارك التعثرات التي يراكمها التلاميذ في التعليم الابتدائي. وأرجع ذلك لعدة عوامل من بينها عوامل اجتماعية تؤثر على التحصيل الدراسي وعامل الأستاذ والتكوين الأساسي الذي لم يكن في المستوى.
منهاج تربوي مكتظ لا يركز على الكفايات الأساسية
واستحضر الخبير التربوي في هذا السياق انكباب الحكومة للمرور للتكوين الأساسي، الذي كان يمر في المراكز الجهوية للتربية والتكوين اعتمادا على الإجازة بغض النظر على تخصصها إلى تكوين يعتمد على الإجازة التربوية، معتبرا أن ذلك من شأنه أن يحسن مستوى التكوين الأساسي التعليمي لكن في المقابل قطف ثمار هذا التوجه لن يتم إلا بعد سنوات ولا يمكن الرهان عليه وإنما على التكوين المستمر للأساتذة والذي ينبغي أن يواكب التحديات والمستجدات المتعلقة بالبعد البييداغوجي.
وانتقد ناجي المنهاج التربوي الذي يعد منهاجا مكتظا بالمعارف ولا يركز على الكفايات الأساسية من القراءة والكتابة والحساب والتربية على القيم، رغم أنها من الأساسيات التي يجب أن يركز عليها التعليم الابتدائي، ويشتت ذهن التلميذ بمعارف متعددة وحشو دماغهم بمجموعة من المعارف التي يتوجها أثناء الامتحان.
تضخم في الامتحانات يحتاج إعادة النظر
كما استعرض عبد الناصر ناجي عددا من الاختلالات التي تعرفها المنظومة التربوية المغربية من بينها تضخم الامتحانات، منتقدا تركيز كل الفاعلين والتلاميذ على التحضير للامتحانات والرهان على ذلك وعلى المواد التي فيها معاملات التي تمكنهم من الظفر بنقطة في الامتحانات دون أخذ الاعتبار أنه المهم بالنسبة للمدرسة هو التعلم، معتبرا أننا لا نركز كثيرا على التعلمات بقدر ما نركز على الامتحانات.
ودعا رئيس الجمعية المغربية لتحسين جودة التعليم إلى إعادة النظر في هذه النقطة، مستشهدا بوجود أنظمة ناجحة تعتمد على الامتحانات خاصة في التعليم الابتدائي، يتم الانتقال فيها من مستوى إلى آخر بناء على التركيز على اكتساب الكفايات التي يحددها المنهاج، ويبقى المدرس محاسبا على ذلك ويتم تقييمه استنادا على قدرته على تمكن المتعلم من هذه الكفايات.
التعليم الأولي.. الجودة أولا
وذهب ناجي إلى أن التعليم لا يمكن أن يتطور إلا بالتعليم الأولي، والمغرب اليوم يراهن عليه، لكن التخوف حاليا هو الوقوع في نفس الخطأ الذي وقع فيه تعميم التعليم الابتدائي بسرعة فائقة بحيث لم يراعى عامل الجودة، وإنما تم التركيز فقط على التعميم وتم تأجيل الجودة إلى ما بعد، وهو ما يفسر التدني الدراسي عبر السنوات التي ركزت فيها الوزارة على التعميم دون الاكتراث للجودة، محذرا من ارتكاب نفس الخطأ بالتعميم المتسرع للتعليم الأولي بوتيرة كبيرة جدا.
وتابع الخبير التربوي أنه إذا واصلنا على هذه الوتيرة فإننا يمكن أن نعمم التعليم الأولي قبل سنة 2027 ولكن مقابل الجودة، خاصة على مستوى تكوين المربيات المستمر ونسبة التأطير البيداغوجي في التعليم الأولي التي ارتفعت الحاجة إليها بشكل كبير والتي هي مربية لكل 45 طفل وهذا كبير جدا، داعيا إلى التفكير في تعليم عقلاني للتعليم الأولي مع مراعات الإكراهات الموجودة وأن يكون الهدف الأساسي هو تحقيق جودة التعليم الأولي، ثم يأتي بعد ذلك الهدف الثاني الذي هو التعميم، “لكن أولا الجودة وتوفير جميع الإمكانيات الضرورية لكي يتم هذا التعليم الأولي بالشكل المطلوب”.
ويرى ناجي أن هناك نوعا من الاجحاف فيما يخص التعليم الأولي التقليدي الذي يراد تعويضه والانتقال به من التعليم الأولي التقليدي إلى التعليم الأولي العصري أو الحديث، علما أنه يمكن استثمار هذه المكتسبات الموجودة في التعليم التقليدي خاصة الكتاتيب القرآنية التي يوجد فيها نوع من التعليم الأولي ويمكن تأطيره وإدخال بعض التحسينات لديه لكي يصبح تعليما أوليا يتصف بمواصفات الجودة، وليس الإجهاز عليه بشكل مباشر وبسرعة دون مراعات لخصوصيات المجتمع المغربي.
المنظومة التربوية تعرف اختلالات بنيوية مركبة ومعقدة على المستوى الابتدائي والإعدادي والثانوي التأهيلي. لقد أصبح هاجس الظفر بالنقطة لدخول عالم الشغل بدون مؤهلات في التعلم والتحصيل وأخطر من ذلك مشكل القراءة في صفوف الابتدائي بالإضافة إلى مشكل الاكتظاظ داخل الفصل مما يعيق نجاح العملية التعليمية التعلمية بالمغرب. تحياتي لكم