خبراء يناقشون مستقبل الأسرة المغربية على ضوء ورش تعديل المدونة

أكد الدكتور خالد الصمدي الأكاديمي والمتخصص في البرامج التربوية والتعليمية، أن الأسرة المغربية ستواجه تحولات كبرى في العشر سنوات القادمة، مما يستدعي وضع استراتيجية لإصلاح واقع الأسرة.

وأوضح الصمدي في كلمته خلال ندوة لمنتدى المتوسط للتبادل والحوار بعنوان: “مدونة الأسرة: بين رهانات التعديل وإشكالية المقاربة”،الأسبوع الماضي، أن المغرب رفع عدد من التحفظات حول الاسرة في المواثيق الدولية وخاصة اتفاقية سيداو، مشيرا إلى أن محطة الدستور الجديد وما فيه من القضايا التفصيلية وأهمها تخصيص مؤسسة لم تخرج إلى حيز الوجود وهي التي كان من المتوقع أن تحتضن هذا النقاش الواسع وهي “المجلس الاستشاري للأسرة والطفولة”

ونبه لعدم إمكانية نقاش تعديل مدونة الأسرة بمعزل عن أوراش، و دون الأخذ بعين الاعتبار الأرقام المتعلقة بالإحصاء الوطني للسكان وهي أرقام وصفها بالمقلقة جدا.

وأوضح الوزير السابق في قطاع التعليم العالي، أن لحظة الاعلان عن مقترحات التعديل لمدونة الأسرة كانت درسا في السياسة الشرعية، حيث مهد وزير الأوقاف مداخلته بوثيقة اعتبرها تاريخية، من خلال تحديد طبيعة النظام المغربي المبني على البيعة والثوابت الشرعية وعلى المؤسسات الدينية والسياق من خلال الفتاوي التي اقرها المجلس العلمي الاعلى، مشيرا إلى وقوفه على تناقضات بين كلمة وزير الأوقاف ووزير العدل، مما يؤكد على وجود ارتباك ينتظر تواصلا من طرف المجلس العلمى والحكومة.

وأكد المتحدث أن المحطة المقبلة ستكون حاسمة في مسار الإصلاح، وأولها المحطة التشريعية حيث أن هناك توجسات تتعلق بالمفاهيم التي تصاغ بها مدونة الأسرة حيث يوجد بها مفاهيم وقيم ثقيلة، منبها إلى أن معركة المفاهيم في صياغة مدونة الأسرة أقوى بكثير من معركة الأحكام، لأن تغيير المفاهيم يغير كل شيء.

ودعا الصمدي لضرورة إخراج المجلس الاستشاري للأسرة والطفولة إلى حيز الوجود كمؤسسة دستورية وفضاء لاستمرار الدراسات ومواكبة السياسات العمومية ذات الصلة، ومؤسسة الوساطة الأسرة كهيئة غير قضائية لتغليب الصلح قبل الطلاق، ومؤسسة التأهيل الأسري والتربية الوالدية وهو مشروع ناجح في عديد من الدول (التجربة الماليزية)، مؤكدا على أهمية إدماج مبادئ المدونة في المناهج التعليمية للوصول إلى النتائج المرجوة.

من جهتها، أوضحت بثينة قروري رئيسة منتدى الزهراء للمرأة المغربية، أن مراجعة مدونة الأسرة  تمت بمبادرة ملكية بالإعلان عنها في خطاب العرش، ثم الرسالة الملكية لرئيس الحكومة، مضيفة أن التعديل والتشاور عرف إشرافا مؤسساتيا بخلاف تعديل 2004.

وأضافت أننا بصدد أفكار عامة ينبغي أن تصاغ في إطار قواعد قانونية، مشيرة إلى أن النقاش المجتمعي صحي و‘ن كان فيه تجاوزات، إلا أنه ينم عن أن المجتمع المغربي هو مجتمع مهتم بقضاياه الحيوية ومنها قضية المرأة والأسرة.

واقترحت قروري أن يتم فتح هذا النقاش قبل مسطرة الإحالة على البرلمان لوجود ما هو غير واضح وما يثير تخوفات، لافتة لوجود من يحاول أن يهون من التخوفات على اعتبار وجود تغييرات مجتمعية حقيقية، والذي ظهرت جليا من خلال الإحصاء الوطني للسكان والسكنى الأخير، والذي بيّن أن المجتمع به تحولات عميقة في بنية السكان وبالتالي فهي تحولات تلقائية تعرفها جميع المجتمعات، منبهة إلى أنه لا يمكن أن ننكر  بأن القوانين تؤثر في السلوك الاجتماعي .

بدورها سجلت شرفات أفيلال، رئيسة منتدى المناصفة والمساواة وعضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، أن النقاش الذي واكب تقديم مقترحات التعديل جدي وعادي جدا؛ “وهو ما جعلنا تجاوزنا التقاطبات التي كانت في 2004 وارتقينا بمسلسل الإصلاح إلى مستوى حضاري”، مشيرة إلى محورية ومركزية كبيرتيْن يكتسيهما؛ فهو ليس قانونا بل هو مدونة، له تداعيات وتأثيرات على قوانين أخرى وصنع سياسات عمومية تعني الرجل كما المرأة والطفولة.

وأضافت المتحدثة أن الإصلاح يجب أن يكون في مستوى اللحظة التي نعيشها مع تكريس المساواة، وحظر التمييز المنصوص عليهما في الدستور المغربي، معتبرة أن “المسار التشريعي للمدونة سيكون متميزا.. وننوه ونثمن منهجية اللجنة المكلفة التي اشتغلت بانفتاح محمود وإيجابي جدا على كل حساسيات المجتمع وأطيافه”، داعية إلى التركيز على “اختلالات التطبيق التي أبرزتها بياضات مدونة 2004”.

وطالبت أفيلال بإعمال “الاجتهاد وفق مبادئ ثوابت الأمة المغربية؛ ومنها الإسلام المنفتح الذي يقبل التأويل وقراءات منفتحة تراعي تطور المجتمع”، ضاربة المثال بـ”مسألة إثبات النسب بالخبرة الجينية التي يتفاعل معها بعض الفقهاء بتفهم لتطورات العصر واجتهادات مناسبة”؛ غير أنها قالت إن “الرأي الشرعي حول الخبرة الجينية شكل أكبر إحباط لدى الجمعيات المناصرة للنساء، بعد إعلان عدم القبول بها”.

 الشيخ عادل رفوش، المشرف العام لمؤسسة ابن تاشفين للدراسات والأبحاث والإبداع، أشاد في مداخلته بإشراك مشيخة العلماء المغاربة في الحراك المجتمعي الكبير عبر المجلس العلمي الأعلى وما أحاله الملك عليه من مسائل وقضايا، بمقصد وغرض حفظ الدين، باعتباره من أجلّ المقاصد الكبرى للشرع.

وفي مداخلة بعنوان “مسؤولية العلماء في حماية الأسرة”، قال رفوش إن الأمر يتعلق أساسا بوجود معركة ألفاظ ومصطلحات قبل الحديث التفصيلي في مقترحات التعديل، لافتا إلى أن ضرورة التفصيل والتدقيق فيها وإرجاعه إلى ذوي الاختصاص الشرعي.

وأبرز المتدخل أن الأسرة عاكسة لمصير الأمة برمتها؛ ما يتطلب الاحتياط الشديد دون غلق لباب الاجتهاد والنظر المصلحي الذي ينبغي الإرشاد إليه، وفق حسبة العلماء وتقدير المصلحة، منوها بما عرفه مسار المراجعة من إحالة بعض المسائل الشرعية إلى أولي الأمر من العلماء لضبط الفكر حينما ينتمي إلى الدين”.

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى