خبراء وأساتذة جامعيون يقاربون ظاهرة الاعتداءات الجنسية على الأطفال في ندوة بمكناس
نظمت رابطة الأمل للطفولة المغربية بمناسبة الذكرى العشرين على تأسيسها، ندوة حقوقية وطنية حول موضوع: “ظاهرة الاعتداءات الجنسية على الأطفال بالمغرب”، أطرها نخبة من الخبراء والأساتذة الجامعيين، وذلك بمقر هيئة المحامين قرب محكمة الاستئناف بمكناس يوم السبت 09 ذو القعدة 1445 هـ الموافق ل 18 ماي 2024 على الساعة 16:00.
وافتتحت الندوة بتقديم شامل للأساتذة المشاركين والحضور من طرف السيد رئيس الجلسة نورالدين فيكري، ثم تلاها تلاوة عطرة من الذكر الحكيم، وبعدها سلطت كلمة رئيس الرابطة حسن المرابط على السياق العام الذي ينصب حوله موضوع الندوة المتعلق بالاعتداءات الجنسية على لأطفال بالمغرب، وأشاد بالدور الفعال للرابطة حول قضايا الطفولة، كما تقدم بالشكر الجزيل للأساتذة المشاركين ونقيب المحامين والحاضرين.
وبعد التقديم والترحاب، أكد رئيس الجلسة السيد نورالدين فيكري على الإحصائيات الرسمية للتقرير السنوي للنيابة العامة حول الاعتداءات الجنسية للأطفال التي قاربت 41%، وهذا ما جعل من موضوع هذه الندوة طرح تساؤلات عدة تتمحور كالآتي:
- هل حان الوقت لإعادة تشكيل القاعدة القانونية من أجل حماية الأطفال من الاعتداءات الجنسية؟
- هل حان الوقت لإعادة النظر فيها بما يضع حدا لكل السلوكات المشينة التي تمس بالطفولة؟
- هل الأحكام الصادرة عن القضاء تعتبر مخففة عن الجرائم المرتكبة بمقارنة مع الجرائم الأخرى ومع النوع المرتكب عليه؟
وللإجابة عن كل هاته التساؤلات شملت الندوة خمسة مداخلات مسطرة على الشكل التالي:
المداخلة الأولى للدكتور محمد جمال معتوق في موضوع “قراءة في بعض النصوص القانونية المتعلقة بالجرائم ضد الأطفال”، حيث أكد على عدم تحديد المشرع بعض المصطلحات والمفاهيم القانونية من قبيل مفهوم الاغتصاب، وهتك العرض، والمواقعة؛ فعندما يكون الاعتداء ضد قاصر يجب أن تكيف الجريمة على أنها هتك العرض وليس اغتصابا، والمواقعة التي اعتبرها كلمة يجب تعديلها في القانون الجنائي.
كما أثار الخبير القانوني والأستاذ جامعي” نقطة الاغتصاب وعلاقته بالرضا، واعتبر أن كل احتكاك بمناطق حساسة يسمى هتك عرض، وهذا الخلط في المفاهيم والمصطلحات وعدم تحديدها بدقة من طرف المشرع الجنائي، يجعل القاضي أمام عدم تكييف حقيقي للجريمة، ويجعل أيضا الشخص المقبل على الجريمة جاهلا بمعرفتها، ومما قد يؤدي إلى الوقوع في حيثياتها بدون علم مسبق.
المداخلة الثانية قدمها الدكتور توفيق بن جلون تويمي: مستشار أسري وطبيب جراح في موضوع “جرائم الاستغلال الجنسي وتأثيرها على سيكولوجية الطفل”، ناقش خلالها الدكتور ثلاث نقط أساسية:
- النقطة الأولى: تتعلق بتاريخ الشذوذ الجنسي الذي كان عبارة عن مرض وكانت هناك عدة تعاملات مع الأشخاص الشاذين جنسيا عبر الزمن، ووضح على أن الشاذ جنسيا يراه الطبيب مريضا يجب معالجته، بينما يراه رجل القانون مجرما يجب معاقبته.
- أما النقطة الثانية، فتتعلق بالفرق بين الاعتداء والاستغلال.
- أما النقطة الثالثة، تمحورت حول العادة السرية للأطفال، حيث وضحت الإحصائيات أن هناك 95% من الأطفال يمارسون العادة السرية، ولعل هذا السبب راجع للتربية داخل الأسرة، وسلوكات المجتمع الذي يشجع بدوره على سيادة ثقافة الشذوذ الجنسي، مما يعكس سلبا على سلوك وأفكار الطفل، وكذا هويته الجنسية.
وهمت المداخلة الثالثة للدكتور نور الدين العمراني أستاذ التعليم العالي موضوع: “الحماية الجنائية للطفل: ضحية الاستغلال الجنسي المعلوماتي وسؤال الفعالية”، تحدث فيها عن الدور الفعال للمجتمع المدني في تقديم الوقاية ومكافحة الجريمة، واعتبر أن الاستغلال الجنسي يعد نهج من كرامة الطفل وقيمه، لاسيما في الوقت الراهن الذي أصبح الطفل شبه مدمن على وسائل التواصي الاجتماعي في ظل التطور التكنولوجي، حيث ساهم هذا التطور في وجود شبكات منظمة تساهم من خلال مجموعة من البرامج والتطبيقات في تسويق للمثلية الجنسية، وهذا ما جعل مجموعة من الأطفال يستغلون جنسيا عبر فضاءات رقمية، وهنا يجب ضرورة تحسيس الأطفال من هذا الاستغلال، الذي يؤدي إلى نهش أعراضهم وانتهاك كرامتهم.
واستحضر المتحدث مجموعة من القضايا التي كان ضحاياها أطفال، كقضية عدنان بطنجة، قضية الطفلة سناء التي هتك عرضها وترتب عنه حمل، وقضية سفاح ترودانت وغيرها من القضايا.
كما أبرز موقف المشرع المغربي من الاستغلال الجنسي من خلال مجموعة من الفصول من القانون الجنائي، والجرائم المتعلقة بالاتجار بالبشر وخاصة ما يتعلق بالأطفال، وقانون الصحافة 88.13، وأكد على ضرورة التشدد في تطبيق العقوبات المتعلقة بالجرائم الماسة بالأطفال.
وأنهى مداخلته بمجوعة من التوصيات لعل أبرزها:
- المطالبة يحجب المواقع الإلكترونية الإباحية.
- التزام الحرص الواجب من أجل عدم الإيقاع في مخالب جريمة الاستغلال.
- التوعية والتحسيس بهذه الجرائم المتعلقة بالاستغلال الجنسي للأطفال.
- مراجعة النص القانون المتعلق بالابتزاز الجنسي.
وتطرقت المداخلة الرابعة للدكتور محمد شاكر المودني أستاذ التعليم العالي لموضوع “الاعتداءات الجنسية على الطفل ـ مقاربة شرعية”، حيث أشاد بالدور الأساسي الذي يلعبه الإسلام في تربية الأطفال، وأشار إلى دور الأسرة الفعال في تربية الطفل تربية تتماشى مع قيم الدين الإسلامي، كما أكد على دور الإعلام في توجيه سلوك الطفل حول الانحراف والضياع، بسبب ما يعرضه من برامج وأفلام ورسوم متحركة التي بدورها تأثر سلبا على ثقافة الطفل.
وأوضح المتحدث مجموعة من الإحصائيات حول ما يتأثر به الطفل من خلال وسائل الإعلام موضحا أن 88% من الرسوم المتحركة كلها أجنبية يحضر فيها العنف والإباحية بكثرة، وعلى أن44% من الأطفال يقومون بمشاهدة أفلام إباحية بمحض إرادتهم، و 66% تفرض عليهم هذه المواد الإباحية، وهذا يعني أن 1 من أصل 3 أطفال يتوصلون بصور إباحية.
وهذا ما يجعل المسؤولية مشترك بين المؤسسات التعليمية من خلال المواد التربوية، وبين دور الأسرة في التربية والتهذيب بحيث يجب ألا يكون المسكوت عنه حاضرا دخل البيت، وبين الإعلام، الذي يجب أن يكون ذو رسالة هادفة لا مهدمة لسلوك الطفل.
أما المداخلة الخامسة للدكتور حسن المرابط رئيس الرابطة فهمت موضوع: “دور المجتمع المدني في الحد من ظاهرة الاعتداءات الجنسية على الأطفال”، تطرق فيها إلى مقاربتين:
المقاربة الوقائية: التي تتعلق بالتعريف بالظاهرة وأسبابها، فالمجتمع المدني له دور في شق المقاربة البنائية الاستباقية الوقائية؛ للتحسيس بظاهرة الاعتداء على الأطفال، وهو ما تلخصه مخرجات هذه الندوة للتحسيس بهذه الظاهرة من مختلف أبعادها، ولاسيما البعد القانوني من خلال نصه وخصوصا ما يتعلق ببعده الأخلاقي.
وأشار في هذا الخصوص، إلى الدور الأساسي الذي تلعبه الرابطة من خلال ندوات ومحاضرات ولقاءات لعل أهمها الحملة الثالثة المتضمنة لمجموعة من التدخلات المتعلقة بالجانب المهاراتي التي تقوم بها الرابطة.
والمقاربة العلاجية: وتتعلق بإخراج الظاهرة المتعلقة بالاعتداءات الجنسية على الأطفال وتوثيقها، مع توضيحه لبعض الصعوبات المتعلقة بهذه الظاهرة، والمتمثلة في صعوبة التواصل مع الأسر لتقديم الشكايات، والتواصل مع الضحايا وعرضهم على أطباء من أجل أخذ شواهد طبية التي بدورها تعتريها مشاكل وصعوبات، ضعف المراقبة و المواكبة الإعلامية، ضعف تكوينات للسادة المحامون في هذا المجال المتعلق بالاعتداءات الجنسية على الأطفال، ضعف وسائل الإثبات مما يستدعي الانفتاح عن تطويرها وتجويدها، وكذا تطوير بعض الآليات بسبب الأضرار التي تلحق الأطفال.
وبعد نهاية المداخلات ، فتح باب للعموم الحاضرين لإغناء النقاش المعرفي الذي تميز بطرح مجموعة من التدخلات والأسئلة القيمة التي ساهمت بدوها في نجاح هذه الندوة، مع إعطاء الفرصة للإجابة عنها من طرف الدكاترة المتدخلين.
يشار إلى أن الندوة حضرها هيئات المجتمع المدني بمدينة مكناس إلى جانب العديد من الطلبة والأساتذة وكذا المهتمين بمجال الطفولة، مع المواكبة الصحفية لجهات إعلامية. وختمت بتقديم شواهد تقديرية للدكاترة المشاركين وأخذ صورة جماعية.
نور الدين فيكري