حينما يهذب الخير النفوس ـ محمد سالم إنجيه
العطاء سجية النفوس العظيمة، يزداد ثباتا ورسوخا كلما تلبس بنفس صاحبه حتى يجد له لذة أو شهوة ملازمة، تجعله في حيرة واضطرام إن لم يقدم معروفا أو يسدي خدمة. والإنفاق خلق رفيع مهذب للنفوس، ونفعه عائد إلى صاحبه، حيث تسمو نفسه، وتعلو همته، ويترقى في سلم التواضع رحمة بالخلق، وشكرا للمنعم سبحانه وتعالى، فما الجود إلا منه وهو الجواد الكريم… لم أر منفقا إلا والتواضع صفته، ولا كريما إلا والاعتبار لأحوال الخلق ذوي الحاجات ديدنه، فلا تكبر، ولا عجرفة، ولا من ولا أذى. إن خدمة الخلق طاعة للخالق، كما أنها داعية لصاحبها على التلبس التلقائي بالأخلاق الرفيعة من مثل خفض الجناح، والرأفة غير المذلة، والشفقة الراعية للمشاعر، إنه الرقي والتأنق الذي يليق بالكبار… حظيت بفضل الله تعالى بفرص لقاء وزيارة عدد من أفاضل الكويت في بيوتهم، وفي بعض مجالسهم المفتوحة التي تسمى “الدوانيات”؛ فإذا البشر والبشاشة، والخدمة الذاتية للزوار رغم وجود المساعدين، فضلا عن إكرام القادم بالقيام له، وربما ابتدره أحدهم بملاطفة تذيب شعور الغربة عن المجلس… الدوانيات عرف كويتي أصيل يجتمع فيه الأقران والأخلاء، والمعارف والأقارب، لأجل الصلة والنقاش المفتوح، لا يصد عنه زائر، ولا يلزم المكوث فيه طويلا، فقد يمر عابر سبيل ليسلم فقط، أو ليوصل فكرة، أو يصل رحما، أو يستهدف لقاء شخص له عنده غاية.. يحضرها كل الناس من مختلف المشارب، وتعدد الاختصاصات، وتنوع الاهتمامات، تظهر فيها حيوية المجتمع الكويتي، فقد شاهدت فيها مستوى عال من التحضر، وخطاب الاحترام، وثقافة الترحاب والإكرام.. لكن أبرز خصيصة تتكرر فيها وعلى ألسنة مرتاديها هي الحديث الذي لا يمل عن العمل الخيري الذي تمثل الكويت قبلته، حتى صارت مأرز ذوي الحاجات، وموئل أصحاب المشاريع الخدمية في الداخل ومن الخارج. حديثهم هذا ليس حديثا مفترى بل يتناول بالأساس الإنجازات والتنوع والإحاطة بكل دروب الخير، لذلك يتميز خير الكويت بالأصالة والاستمرارية، والابداع وحسن التنظيم، وجمال الضبط، والتعاون الكامل بين الجهات الرسمية والشعبية؛ فذاك خط حمايته من المغرضين المانعين، ومن أهل المطامع الدنيئة، وما أكثرهم في هذا الزمان… إن ثقافة تأسيس المبرات وإقامة الأوقاف، وابتكار صيغ تستجيب للحاجات المحلية والدولية، وتقنين العطاء، سمات راسخة، ومعالم واضحة يعجز الكلام عن حصرها، ويستوي في ذلك النساء والرجال، ورجال الأعمال ورجال الدولة، حتى إن الواحد منهم ليحرص على أن تكون له مشاركة مهما صغرت من مثل سقاية ماء بارد، أو ثلاجة يضع فيها فضل طعامه أمام بيته لعابري السبيل والمحتاجين… وليست تخفى جهود وإنجازات الدكتور عبد الرحمن السميط رحمه الله وتقبل منه صالح الأعمال، في لجنة مسلمي إفريقيا وبعدها جمعية العون والإغاثة، وجهود الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية، وبيت التمويل الكويتي، والأمانة العامة للأوقاف التي أبدعت ونفذت مشروع الصناديق الوقفية التي لم تترك حاجة مجتمعية إلا وأحدثت لها ما يناسبها، وأشركت المواطنين فيها دعما وتسييرا وتتبعا… كثيرة هي الجمعيات المحلية وذات الصبغة العالمية التي تتنافس في إيصال الخير إلى مستحقيه، بتناغم تام مع الجهات الرسمية للكويت، والهيئات التنفيذية، والبلدان التي تشتغل فيها… ولعل هذا جزءا من أسباب تأصل أخلاق التسامح والتواضع والتألق في أهل الكويت الناتجة كأثر طبيعي عن خلق أعظم هو خلق البذل والعطاء، والكرم والسخاء… فيا من ترغبون في تهذيب النفوس وتوطينها على مكارم الأخلاق عليكم بالإنفاق وليبدأ كل برحمه، ولتكن له مشاركة في وجه من وجوه البر يلائم حاله ووضعه، ولا يحقرن من المعروف شيئا، فيطيع ربه، ويكشف كربا من كروب المستضعفين…
من مهام الحكومة والأحزاب ومؤسسات الدولة عموما تشجيع فعل الخير والحث عليه وتسهيل سبله. فذلك يجعل حياة المجتمع أفضل وأسهل.
ننتظر من الحكومة تسهيل العمل الخيري الفردي والجماعي وفتح كافة سبله في إطار الثقة في الناس وحسن الظن بهم والقطع مع النظرة الأمنية القائمة على سد الذرائع بدون داع.
منع الخير يقتل المجتمعات.