حول مقال “دولة الظلم ليست إسلامية ” للدكتور أحمد الريسوني – عبد الحق لمهى
في مستهل المقال [1]تناول الكاتب مفهوم نظام الحكم باعتباره مصطلحا دستوريا سياسيا، وفصل في جزئياته، وفي هذا الصدد يمكن الوقوف مع الكاتب وقفة نقاش : إذا كان النظام السياسي كما عبر عنه الكاتب ذو طبيعة متغيرة، فإن هذا الأمر يفرض على العقل المسلم حركة نظر وتأمل متجددة في طبيعة هذا النظام حتى يتمكن(العقل) من استيعاب تفاصيل ودقائق هذا المتغير، مما يترتب عنه حسن توظيف نظام الحكم بما يتناسب مع مقاصد الشريعة الإسلامية التي جاءت من أجل جلب المصالح ودرء المفاسد، فبإعمال العقل المسدد بالوحي يستطيع المسلم استثمار وتوظيف وتنزيل نظام الحكم وفق ما ينسجم وعموم هدي الشريعة الخاتمة بأفق كوني وعالمي، يستطيع التجاوب مع قضايا الإنسان من خلال نظام الحكم المعمول به. ولو فرضنا تعطيل العقل في نظره إلى طبيعة هذا النظام لكان ذلك مصادرة لنعمة من النعم التي امتن الله بها علينا، ولدخل على الناس فساد كبير في حياتهم بسبب التقليد المذموم لما عند غيرهم من نظام الحكم، وغير خاف على ذي عقل أن التقليد المذموم ضد الاجتهاد وإعمال العقل. ثم إن التقليد في هذا الصدد مضاره لا تكاد تنقطع.
وإذا صح إطلاق لفظ التدين على السياسة ونظام الحكم على حد سواء، فإنه من المهم استيعاب وفقه النص الشرعي الملهم والموجه لذلك التدين، وكذا فقه الواقع الذي ينزل عليه الحكم ولست في حاجة هنا إلى التأكيد على مكانة واعتبار الشرع للواقع، فقد دلت على ذلك نصوص شرعية كثيرة كما أن الممارسة التاريخية للخلفاء الراشدين كانت خير معبر عن حضور فقه الواقع في الممارسة السياسية، ثم إنه لا يكفي فقه النص والواقع فقط، بل لا بد من فقه تنزيل النص على الواقع، وكل ما ذكر من العناصر الثلاثة السالفة الذكر(فقه النص، فقه الواقع، فقه التنزيل ) كلها تحدثت عنها كتابات بتفصيل يمكن الرجوع إليها لمزيد بيان وتفصيل. [2]
مسألة أخرى ضمنها المؤلف تعريف نظام الحكم وهي ” طريقة تحديد الحاكم والحكومة” وهنا من المفيد الانتباه إلى بعض الإشكالات المهمة ذات العلاقة بهذا الموضوع، يتعلق الأمر بشروط من يتولى الحكم والحكومة، ويمكن التعبير عن ذلك بأسئلة من قبيل: أي الشروط المطلوبة في إسناد المسؤوليات السالفة الذكر، هل هي صلاح الإنسان في نفسه ولنفسه، أم صلاحه لغيره ولو أن يكون فاسد هو نفسه؟ وغيرها من الأسئلة …. المهم عندي هو التنبيه على أن ثمة إشكالات عملية، لا شك أنها كانت محل نقاش أهل العلم والمتخصصين في المجال، وعليه يكون من المهم الاطلاع عليها وفقهها حتى تستقيم التصورات وتسلم الممارسة العملية في هذا الباب من كل ما من شأنه أن يعطل تنزيل أمر تحديد الحاكم والحكومة”.
إن الحديث عن أسس نظام الحكم في الإسلام ومنها العدل، والشورى، والحكم بما أنزل الله، يطرح على الباحث المهتم وكل من له صلة بهذا الشأن، مسألة غاية في الأهمية وهي قضية المصطلح والمفهوم في الثقافة الإسلامية ، وتحديدا مصادر تعريفه هل يرجع في التعريف إلى المعاجم اللغوية والاصطلاحية التداولية التاريخية، أم أن الأصل الذي يبنى عليه التعريف هو الاصلان الكبيران القرآن والسنة، فهما عند بعض الباحثين [3]والدارسين أصلان يشكلان بطاقة هوية للمفهوم دون إغفال للتعاريف اللغوية والاصطلاحية وما فيهما من دلالات للمصطلح، ولا شك أن هذا الملحظ مهم جدا إذ يقف الباحث من خلاله على أصالة المصطلح، وهذا في نظري أمر غاية في الأهمية، خاصة إذا تعلق الامر بطبيعة نظام سياسي يسوس المجتمع في كل مجالاته، إن من شأن عدم الإحاطة بالدلالات الشرعية للعدل والشورى والحكم بما أنزل الله، إدخال الامة في متاهات ينتج عنها خلاف كبير بين أبناء الأمة الواحدة فتقع التفرقة في حين يطلب منها التوحيد ووحدة الكلمة.
ومما تناوله المؤلف أيضا مسألة ما يطرحه بعض الإسلاميين من المفاصلة مع الآخر وعدم الاخذ عنه، وهنا لابد من الإشارة إلى بعض المعطيات التي قد يغفل عنها بعضنا، ومنه وحدة الأصل البشري فكلنا لآدم وحواء، ومنه يفهم وجود المشترك الإنساني بين بني البشر، وعند تناولنا العلاقة مع الآخر يحسن بنا الانتباه إلى أننا في سفينة ركابها الناس كافة كيفما كان دينهم، وعرقهم، وجغرافيتهم، وهذا يتطلب منا إن لم نأخذ من الآخر، قدمنا له البديل الأسلم، تحقيقا لأمة الشهادة على الناس، قال تعالى ” وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ” ( البقرة، 143) وأمة الخيرية، كما أشار إلى ذلك القرآن الكريم. وبالمقابل يكون الآخر على استعداد تام لقبول منتوجنا متى تأكدت صلاحيته وقدرته على تقديم أفضل الحلول مقارنة مع ما عنده.
ويؤكد الكاتب على أن كل من يخدم بلده أو دولته دينا ودنيا فهو خادم للإسلام والمسلمين، وهذا ملحظ هام عند الريسوني حيث يؤكد على وسطية الإسلام واعتداله في كل شيء ومن ذلك الاعتدال في خدمة الأوطان والانسان في مجالي الدين والدنيا، مع الإشارة إلى ضرورة البحث في فصل المقال حول مفهوم أمور الدين والدنيا، فكلما اتضح هاذان المعنيان أكثر كلما كان التدين أسلم والعكس صحيح.
وفي قول الكاتب ” وتوصف الدولة بالإسلامية إذا كانت أسسها ومرجعيتها إسلامية” ملحظ مهم وتدقيق مفيد، والمعروف أن تلك الأسس تكون مبثوثة في وثائق الدولة سواء كانت دستورا أو قوانين تنظيمية، أو مراسيم.. وغيرها، ومنه فوصف الدولة بالإسلامية أو عدمها يتطلب من الباحث أو المدعي إثبات ما ذهب إليه من خلال الشواهد والأدلة الثابتة في الوثائق السالفة الذكر، وعندما يقول الريسوني ” وبناء عليه يكون مجمل سياساتها موافقا ومحققا لمقاصد الشريعة ومصالح المسلمين” فهي إشارة قوية من عالم مقاصدي، يجدر بكل محقق مدقق الوقوف عندها وتقليب النظر فيها، ذلك أن مقاصد الشريعة أصل شرعي كبير دلت عليه نصوص الشريعة وكتب فيها من أهل العلم الكثير مما أصبح أمرها معلوما لكل متتبع، ومن جهة أخرى فهذه الأخيرة تشمل مباحث كثيرة وواسعة تدخل ضمن مسمى مقاصد الشريعة، ويصعب على غير المتخصص استيعاب كثير من تفاصيلها، ومنه يكون الجهل بمقاصد الشريعة مدخلا من مداخل الفهم غير السليم لمعنى إسلامية الدولة.
صفوة القول مما تقدم ذكره في المقال، أنه عبارة عن وجهة نظر وحكاية بعيدة عن أن تكون فتوى ولا إصدار حكم شرعي في قضية من القضايا فذلك مجال له أهله المتخصصون فيه.
******
https://raissouni.net/7841[1]
[2] ـ من الكتابات التي تحدثت عن فقه النص والواقع وفقه التنزيل، كتاب فقه التدين فهما وتنزيلا، للدكتور عبد المجيد النجار.
[3] ـ ممن تناول قضية المفهوم والمصطلح، الدكتور سعيد شبار، في كتابه ” الثقافة والعولمة وقضايا إصلاح الفكر والتجديد في العلوم الإسلامية”