حول مدونة الأسرة المغربية – عبد الحق لمهى
يشهد المغرب نقاشا ومشاورات حول مدونة الأسرة بغية الوقوف على مكامن القوة ومكامن الضعف بعد مرور مدة زمنية من تطبيق مقتضياتها.
حيث إن المتتبع يلحظ غنى وثراء في الأفكار والرؤى الرامية إلى تجويد المدونة، يصل في بعض الأحيان إلى تقاطب حاد مؤسس وغير مؤسس من الناحية العلمية، والذي يظهر أن النقاش اتسعت رقعته وتعددت منصاته وفضاءاته ومتدخلوه.
يحاول المقال الاسهام في بسط بعض الأفكار لعلها تسهم في تجويد وتسديد مسار النقاش، عسى أن يؤتي أكله نحو مزيد من الارتقاء بواقع الأسرة المغربية على وجه الخصوص.
محددات عامة حول النقاش القائم حول مدونة الأسرة.
أولها: الدين دين دعوة للتأمل وإعمال العقل والنظر في الواقع وما فيها من عناصر ومتغيرات وأحداث ومستجدات، يقول تعالى داعيا إلى إعمال العقل وما في معناه من النظر والتفكر﴿ وَٱللَّهُ أَخۡرَجَكُم مِّنۢ بُطُونِ أُمَّهَٰتِكُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ شَيۡـٔٗا وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡأَبۡصَٰرَ وَٱلۡأَفۡـِٔدَةَ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ ﴾ [ النحل: 78] . فقد ” جاء الإسلام لينقذ البشرية من وهدتها، ويقيلها من عثرتها، ويوقظ العقول من غفوتها .
لهذا كان من مبادئه – أن يطلق الأفكار من عقالها، وأن يفسح لها المجال – لتحلق في سماء البحث، فتعالج مشاكل الحياة، وتواجه ما تقتضيه فطرة الوجود، وتهيئ ما يستوجبه الكمال الإنساني.” [1]، تأسيسا على النصوص السابقة يجوز القول بأن الإنسان كل الإنسان وخاصة المسلم منه، مدعو إلى التأمل وإعمال عقله في هذا الذي يجري ويناقش حول مدونة الأسرة، يقلب نظره فيه لعله يخرج من بين فرثه ودمه علما سائغا يصلح أن يكون دواء نافعا للأمة المغربية وهي ترجو تجويد نص المدونة.
ثانيها: خيرية الأمة ارتبطت بفضيلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يقول تعالى :” ﴿ كُنتُمۡ خَيۡرَ أُمَّةٍ أُخۡرِجَتۡ لِلنَّاسِ تَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَتَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَتُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِۗ وَلَوۡ ءَامَنَ أَهۡلُ ٱلۡكِتَٰبِ لَكَانَ خَيۡرٗا لَّهُمۚ مِّنۡهُمُ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَأَكۡثَرُهُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ ﴾ [ آل عمران: 110]،
فيكون نقاش المجتمع بكل مكوناته داخلا في عموم فضيلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، على رأي القائلين بأن واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على كل مسلم يستوي في ذلك جميع المكلفين، [2]ويتأسس على ذلك أن الانشغال بأمر مدونة الأسرة قيام بواجب شرعي أقره القرآن الكريم وحث عليه المسلمين بشكل عام. فالمطلوب التحسيس والتحريض على كل أمر يدخل في باب المعروف الذي ينفع الناس، والتنبيه ـ بما يلزم من الآداب الشرعية ـ على كل منكر يهدد الأسرة وكيانها.
ثالثها: وهي مرتبطة بما قبلها من الفكرتين الأولى والثانية: وهي ترك مجال الحسم لأهل الاختصاص ومنهم العلماء من مختلف التخصصات الشرعية والطبية والنفسية والاجتماعية وغيرها. فإذا كان للمجتمع بكل مكوناته حق التأمل وإبداء الرأي في قضايا المدونة وتبليغها لمن له مهمة الحسم، فرب حامل فقه ليس بفقيه ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، وكان من المحمود فعله الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما سبقت الإشارة. فإنه وبعد بذل الجهد في المستويين السابقين يبقى المطلوب فعله، هو ترك المجال للمتخصصين وأهل الحل والعقد ومن يدخل في معناهم، لكي يقولوا كلمتهم. فهم الأجدر لذلك، لما عندهم من القدرات العلمية والمعرفية، على الجمع والترتيب والنظر فيما يعرض عليهم من الآراء والأفكار التي استمعوا إليها. ولا يحتاج متتبع إلى التذكير بأن بلدنا الحبيب سن سننا حسنة بحيث إنه يحيل ما يعرض من القضايا المجتمعية العامة على أصحاب الاختصاص بحسب الموضوع المطروح للنقاش.
**
[1] ـ https://www.habous.gov.ma/daouat-alhaq/
[2] ـ يرى الدكتور أحمد الريسوني، بأن واجب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر مطالب به كل مسلم. وللتوسع في هذه الفكرة ينظر كتابه، الأمة هي الأصل.