حول المسارات الفلسطينية المتوقعة لسنة 2022 – محسن صالح
لا تعطي خلاصات التقرير الاستراتيجي الفلسطيني لسنتي 2020-2021، وتوقعاته المستقبلية، والتي أطلقها مؤخراً مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، مؤشرات متفائلة كثيراً لسنة 2022. ونتوقف في هذا المقال عند عدد من التوقعات المتعلقة بالوضع الفلسطيني الداخلي، والوضع الإسرائيلي، والوضع العربي.
* * *
في الحقيقة، يمكن القول إن الوضع الفلسطيني الداخلي خلال السنتين الماضيتين (2020-2021)، قد شهد الانفراج الداخلي الأكبر منذ عشر سنوات، كما شهد الإحباط الأكبر في الفترة نفسها. فقد عُقدت آمال كبيرة على إنجاح المصالحة وإعادة ترتيب البيت الفلسطيني منذ صيف 2020، غير أن الأمور انتهت في سنة 2021 إلى فشل كبير، صاحبته أكبر أزمة ثقة ومصداقية تعاني منها قيادة السلطة والمنظمة في الوسط الفلسطيني.
وقد أشار التقرير إلى استمرار أزمة المشروع الوطني الفلسطيني، واستمر تعارض مسارَي التسوية والمقاومة، بين القوى الفلسطينية الرئيسية، مع غياب البرنامج الوطني الذي يضبط الثوابت ويدير المرحلة. واستمرار تدهور المؤسسات الرسمية الفلسطينية، طالما ظلت القيادة الحالية ممسكة بزمام الأمور. وبالتالي، فليس ثمة أفق حقيقي لإعادة ترتيب البيت الفلسطيني، وإجراء انتخابات نزيهة شفافة؛ وستستمر هذه القيادة في إدارة هذا الملف في إطار تكتيكي غير جاد، طالما أنها لا تضمن أن الترتيبات لا تعيد انتخابها، ولا تضمن للفصيل الذي تُمثله استمرار الهيمنة على الحياة السياسية الفلسطينية.
ولاحظ أن استمرار تآكل السلطة الفلسطينية وانكشاف دورها الوظيفي وانكماش القاعدة الشعبية الداعمة، قد يؤدي إلى تزايد احتمالات لجوء السلطة إلى التعويض عن ذلك بمزيد من السلوك الأمني والقمع السياسي لضمان بقائها، وهو ما سيعني مزيداً في “الولوغ” في الدور الوظيفي، ومزيداً من الانفضاض الشعبي عنها.
ومن جهة أخرى، ستتزايد الضغوط الفصائلية والشعبية الفلسطينية باتجاه تشكيل قيادة فلسطينية انتقالية مؤقتة، أو اختيار جهة محايدة تملك صلاحيات كاملة غير قابلة للتعطيل؛ للقيام بالإجراءات اللازمة لترتيب البيت الفلسطيني. كما أن ثمة فرصة معقولة لتشكيل جبهة أو اصطفاف وطني فلسطيني داعم لخط المقاومة، وضاغط باتجاه إعادة بناء المؤسسات الرسمية الفلسطينية، ويتكون أساساً من حماس والجهاد والجبهة الشعبية، مع قابليته للاتساع ليشمل قوى وفصائل ورموزاً فلسطينية في الداخل والخارج تدفع في هذا الاتجاه.
وقد تتاح في الفترة القادمة فرص أفضل للعمل الشعبي وللمبادرات الشعبية في الداخل والخارج، والتي ستملك فرص التأثير في الساحة الفلسطينية إذا ما أحسنت إدارة إمكاناتها، في ضوء الفراغ الذي أحدثه تعطّل مسار المصالحة، وحالة العجز وفقدان الرؤية والاتجاه الذي تعاني منه القيادة الفلسطينية.
ومن جهة أخرى، فمن المتوقع أن يتواصل الضغط على خط المقاومة لمحاولة تطويعه وتهميشه، وقطع الطريق على تصدّره للمشهد الفلسطيني، بما في ذلك استمرار الحصار على قطاع غزة، وتجفيف مصادر الدعم المالي والشعبي والسياسي، والتشويه الإعلامي. غير أن هذا التيار سيتمكن من تجاوز المرحلة إذا حافظ على تماسكه الداخلي، وعلى بوصلته، وعلى إدارة إمكاناته بالشكل الأفضل، وإذا تمكن من استيعاب شرائح أوسع من الشعب الفلسطيني.
* * *
أما في الجانب الإسرائيلي، فما زال المجتمع الصهيوني يسير في اتجاهات أكثر تطرفاً دينياً وقومياً، وأصبحت التيارات اليمينية والدينية مهيمنة على نظام الحكم والسياسة في الكيان الإسرائيلي؛ مع تراجع وشبه اندثار لليسار الإسرائيلي. ويتجه المجتمع الصهيوني ونظام الحكم إلى مزيد من “قَوْننة” الهوية اليهودية الصهيونية للكيان الإسرائيلي، والقيام بمزيد من إجراءات تهويد القدس وباقي الضفة الغربية وتكثيف الاستيطان.
وقد عاش النظام السياسي الإسرائيلي حالة من الارتباك واللا استقرار، وصعوبة الحسم في القرارات المهمة نتيجة تعدد الانتخابات العامة (أربعة انتخابات في الفترة 2019-2021) وعدم قدرة الأحزاب الكبيرة على تشكيل حكومات مستقرة؛ مع وجود رغبة لدى قوى عديدة بإنهاء دور نتنياهو كرئيس للوزراء بعد أن قضى في الحكم أطول فترة منذ إنشاء الكيان؛ بالإضافة إلى التُّهم الموجهة إليه بالفساد.
وحتى بعد تشكيل حكومة جديدة في “إسرائيل” برئاسة نفتالي بينيت ويائير لبيد في (حزيران/ يونيو 2021)، فقد ظلّ نتنياهو سبباً مهماً في تماسكها بالرغم من عدم تجانسها سياسياً واقتصادياً وأيديولوجياً، وعلى الرغم من رئاسة زعيم حزب صغير لها. وبالرغم من أن طبيعة هذا التشكيل قد تعرضها للسقوط في أي لحظة، خصوصاً إذا ما واجهت استحقاقات كبيرة؛ إلا أنه على ما يبدو، فإن مصلحة الأطراف الحزبية المشاركة تصبُّ في استمرارها، ما دام هاجس عودة نتنياهو قائماً.
وبالرغم من حالة التقدم الاقتصادي والتكنولوجي، والتفوق العسكري النوعي، وارتفاع الدخل القومي ودخل الفرد الإسرائيلي، ووجود بيئة عربية ضعيفة ومتشرذمة ومُطبّعة؛ فإن الكيان الإسرائيلي ما زال يعاني من مخاطر تصاعد قوة المقاومة في الداخل الفلسطيني، ومن رفض شعبي عربي وإسلامي له وداعم للمقاومة، ومن حالة اللا استقرار في البيئة الاستراتيجية المحيطة به، والتي قد تفتح المجال مستقبلاً لمزيد من العداء للكيان ومن العمل المقاوم؛ ومن تراجع نوعية القيادات الإسرائيلية، وتراجع إرادة القتال لدى الجندي الإسرائيلي، بالإضافة إلى تناقضات المجتمع الصهيوني الداخلية. وهو ما يُبقي هذا الكيان في وضع غير مستقر في الفترة القادمة.
* * *
أما في البيئة العربية فقد برز في سنتي 2020 و2021 توقيع بعض الدول العربية على اتفاقيات تطبيع مع “إسرائيل”، هي الإمارات والبحرين ثم تبعهما السودان والمغرب. وبدت الإمارات الأكثر حماساً ونشاطاً في التطبيع السياسي والاقتصادي والسياحي، حيث قفز التبادل التجاري سنة 2021 إلى نحو مليار و136 مليون دولار، أي نحو خمسة أضعاف التبادل التجاري مع مصر التي تقيم علاقات تطبيعية مع الكيان الإسرائيلي منذ نحو 44 عاماً.
وفي إطار أبرز التوقعات، فإن البيئة العربية ستظل في حالة اللا استقرار، وحالة التّشكّل وإعادة التّشكل، وحالة الضعف والتفكك، مع تزايد الشقوق في جدران دول الموجة المضادة لـ”الربيع العربي”.
وفي ضوء الرفض الشعبي الواسع للتطبيع، وحالة اللا استقرار في المنطقة، وانتهاء ولاية الرئيس ترامب وتراجع شدَّة الضغوط على الأنظمة العربية، والإجماع الفلسطيني على رفض “صفقة القرن” ومسار التطبيع، وانتصار المقاومة في معركة سيف القدس؛ فإن حالة “التدافع” ستحكم الاتجاه السياسي لعدد من الأنظمة العربية بين المضي في التطبيع وبين التريّث فيه أو تجميده. غير أنه من المرجح أن تتراجع الاندفاعة باتجاه التطبيع، ليس فقط للأسباب السابقة، وإنما لأن الأنظمة “المطبِّعة” ستجد أن أثمان التطبيع وأعباءه أكبر بكثير مما كانت ترجو تحقيقه عبر هذه العلاقة، وأن العلاقة مع الطرف الإسرائيلي ستظل تعاني من أزمة ثقة ومصداقية، وأن الطرف الإسرائيلي يتعامل بانتهازية وفوقية، ولا يملك أدنى فرص للتحول إلى صديق أو حليف.
وستستمر الأنظمة العربية في دعم مسار التسوية السلمية، ودعم القيادة الحالية الرسمية لمنظمة التحرير وللسلطة الفلسطينية؛ وستظل الأنظمة الرئيسية المعنية بالملف الفلسطيني معارضة أو متحفظة تجاه خط المقاومة وتجاه التيار الإسلامي، وهو ما سيعيق أي إعادة ترتيب حقيقي للبيت الفلسطيني بما يعكس القوى الحقيقية وشعبيتها على الأرض.