كوثر الرايس : حفلة العار في القنيطرة.. من التخرج إلى الانحدار القيمي

من كان يظن أن لحظة التخرج، التي خُطّت لها صفحات من السهر، والكدّ، والتعب الشريف، ستُدنّس بهذا الشكل الفجّ، لتتحوّل من مشهدٍ للسمو والارتقاء إلى مشهدٍ للابتذال والانحدار؟
ما حدث في المدرسة الوطنية العليا بالقنيطرة لم يكن مجرّد “لحظة زائدة عن حدّها” في حفل التخرج، بل كان تعبيرًا صادمًا عن انهيارٍ صامتٍ للقيم، وتمرد فجّ على روح الجامعة ومعناها. جامعةٌ يُفترض أن تكون محرابًا للعقل، وساحةً لتخريج طاقاتٍ تحمل مسؤولية العمران والنهوض، فإذا بها تُستباح في مشهد أشبه بحفلات التفاهة التي تقتات على الإبهار الزائف والانفلات الأخلاقي.
إنه مشهدٌ لا يمكن قراءته بمعزل عن سياق أعمق: انسحاب المضمون، وهيمنة الصورة. غياب المعنى، وحضور الصخب. تصفيقٌ بلا وعي، واحتفالٌ لا نعرف ما الذي يُحتفل به أصلًا. أتُحتفل الشهادات؟ أم تُشيّع فيها القيم إلى مثواها الأخير؟
لا أحد يعترض على الفرح، ولا على أن تكون لحظات التخرج لحظات استثنائية. لكن حين يتحوّل الفرح إلى قطيعة مع الوقار، حين يُستبدل الرمز بالسطحية، والهيبة بالخفة، نصبح أمام سؤال أكبر: ماذا نصنع في جامعاتنا؟ ومن نصنع؟
هل نحن بصدد إنتاج نخبٍ واعية قادرة على حمل مشعل التغيير؟ أم بصدد صكّ شهادات عبور إلى عوالم الاستهلاك المجاني، والتطبيع مع التفاهة؟
إن ما جرى لا يستحق فقط التنديد، بل يستحق وقفة صريحة، صادقة، عميقة. وقفة يعاد فيها الاعتبار لرسالة الجامعة، ولقداسة العلم، ولمكانة الأستاذ، ولمعنى التخرج نفسه.
نحن لا نرفض الفرح، بل نرفض أن يُبنى الفرح على أنقاض الكرامة الجامعية.
لا نناهض الانطلاق، بل نناهض أن تكون الانطلاقة عمياء، بلا بوصلة، بلا قِيَم، بلا انتماء.
لقد آن للجامعة المغربية أن تستفيق. أن تصون هيبتها، أن تعود منفى للسطحية، لا موطنًا لها. أن تزرع في طلابها معنى الرسالة لا فقط مهارات الوظيفة.
المطلوب ليس فقط بيان استنكاري من الإدارة. بل المطلوب محاسبة، و مساءلة عمّا يجري في مؤسساتنا. كما يتطلب الأمر وقفة، وإعادة اعتبار، وتنبيه للجميع أن الجامعة ليست ملهى ليلياً، ولن تكون. والسكوت اليوم يعني القبول.والقبول اليوم يعني أننا، ببساطة، ندفن ما تبقى من معنى للجامعة.