حسن الإفراني يكتب: خواطر من وحي العمل الإسلامي (3)

“ما بغينا منكم تفتحو لا القدس لا الأندلس، فتحو غير البيوت ديالكم”

العنوان أعلاه دعوة أطلقها الدكتور أحمد الريسوني في الولاية التي كان يرأس فيها حركة التوحيد والإصلاح. ولقد كانت كلمة في شكل حكمة ترددها ألسنة الدعاة، وسيبقون يرددونها في الترغيب في فتح البيوت.

فأبناء العمل الإسلامي غالبا ما يناقشون الفضاءات التي يمكن أن تكون مناسبة لمناشطهم التنظيمية والتربوية والدعوية، سواء تعلق الأمر بالقطاع العام أو بالشباب، ونجد أغلبها يدور في فلكين أساسيين هما المقرات من ناحية، والبيوت من ناحية أخرى، وعليهما سنكرز هنا، مع العلم أن هناك فضاءات أخرى كدور الشباب، والمراكز السوسيوثقافية، ودور الثقافة، والخزانات، والقصبات،  والمتاحف، ومعارض الكتاب، والملاعب، والحدائق، والغابات، والمخيمات، والشواطئ، والمآثر التاريخية… وغيرها من فضاءات الهواء الطلق، والقاعدة المعتمدة أن لكل نشاط الفضاء الذي يتناسب معه. فأي فضاء أنسب يا ترى؟

  1. المقرات

تعتبر المقرات عنوانا للتنظيمات، تماما كما تعتبر السفارات عنوانا لبلدانها في الدول التي توجد فيها، إنها التعبير المادي للوجود الفعلي للهيئات، كما تعد المقرات بمثابة الفضاء الذي تشتغل فيه، والذي يحتاج إلى التنشيط والتفعيل بما يضمن جاذبيته، ولن يتم ذلك إلا بالحرص على تنظيفه وتنظيمه وجماليته بشكل مطرد، إنه بكلمة واحدة يتعين أن يكون فضاء وظيفيا جذابا، إذ أن الشكل هو الوعاء الذي يصب فيه المضمون.

ويتعين أن يتضمن المقر وثائق تعريفية بالحركة توضع رهن إشارة كل زائر، وقبل كل هذا يافطة عليها اسم التنظيم واللوغو الخاص به، مع احترام الهوية البصرية، والخط المتفق عليه لكتابة اسمه.

وتتعدد الأنشطة التي تنظم فيه، ما بين مجال التربية والتأهيل الرسالي (المجالس تربوية، المجالس القرآنية، منتديات سبيل الفلاح، الدورات التربوية المبيتية، الإفطارات الجماعية…)، ومجال الدعوة والعمل الثقافي (محاضرات، ندوات…)، والمجال العلمي والفكري (قراءة في كتاب، حفل توقيع كتاب، محاضرات وندوات فكرية… )، ومجال تنمية الموارد والقدرات البشرية (لقاءات ودورات تكوينية…)، ومجال الطفولة والشباب (مجالس تربوي، أنشطة المراكز، دورات، حفلات…).

كما يمكن للمقر أن يقدم خدمات أخرى متنوعة كتحفيظ القرآن الكريم، والدعم الدراسي، وملتقى لتبادل تهاني العيد… كما يعد كذلك فضاء لعقد اللقاءات التنظيمية لمختلف الجموع العامة والمكاتب واللجان، كما تعد فضاء تنظم فيه الأنشطة التأطيرية لفائدة الأعضاء والمتعاطفين وعموم المواطنين والتواصل معهم، كما يتم فيها استقبال مختلف هيئات المجتمع المدني والضيوف من شخصيات محلية وجهوية ووطنية ودولية..

ولا ننسى الدور الاجتماعي كذلك الذي يمكن أن تلعبه هذه المقرات، في استقبال المرضى الذين يأخذون مواعيد مع الأطباء، أو قضاء أغراض إدارية، أو الطلبة الجدد على المدينة وكذا الأسر، والذين يحتاجون في الغالب إلى بعض الوقت لتدبير مسألة كراء منزل للاستقرار، على أساس أن يحضر معه ورقة موقعة باسم مسؤوله الإقليمي أو اللجوء إلى الاتصال الهاتفي، وذلك تفاديا لما قد يحدث من مشاكل… وغيرها من المهام الأخرى.

إلا أن المقر، حتى لا يكون منه المفر، لزم أن يكون حيويا ونشيطا، كما يلزم أن يكون منظما ونظيفا، ومتوفرا على أدوات الاشتعال اللازمة (أدوات مكتبية، أوراق، حاسوب، طابعة…).

إن من أبرز أعطاب المقرات عندنا، هو أولا وقبل كل شيء السومة الكرائية المكلفة جدا والتي تأخذ حصة الأسد من الميزانية، إذ نلاحظ في الجهة المقابلة بأن الأقاليم التي دبرت مسألة شراء أو بناء المقر، تشتغل بنوع من الأريحية؛ ولم لا تفكر الجهات مثلا في استراتيجية ما ولو كانت طويلة الأمد لضمان الحصول على مقر لكل إقليم، كإعفائه مثلا لولاية كاملة من دفع الواجب الجهوي والوطني ومنحه منحة سنوية للدفع به نحو ذلك، ويتم ذلك بالتناوب على الأقاليم.

ومن التحديات الأخرى التي تعرفها المقرات هو غياب قيم يدبر شؤونها، وعدم ضبط متسلمي مفاتيحه، والتفريط في صيانة أجهزته، وعدم غسل أفرشته، ونسيان تنظيف أثاثه…، كما أن بعضها يوجد في نفس بناية الهيئات الشريكة، مما يؤثر فعلا على انخراط عموم الناس في مناشط الحركة.

وفي حال ما إذا كان المقر مشتركا مع هيئات أخرى فينبغي كتابة ميثاق تعاقد بينها، توقعه الأطراف المعنية لضمان حسن التدبير المشترك له.

إذا كانت هذه هي الأدوار التي يمكن أن تنهض بها المقرات. فأي دور إذن بقي للبيوت؟

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى